أمين العاصي
عادت مشاهد الموت والهلع والنزوح إلى الشمال الغربي من سورية مع تجدد التصعيد العسكري، إذ جرى استهداف المدنيين النازحين المقيمين في عدد من المخيمات، أمس الأحد، بصواريخ عنقودية قتلت أطفالاً ونساءً وشردت مئات العائلات. وجرياً على عادتها، استبقت روسيا التصعيد في إدلب باتهام “هيئة تحرير الشام” ومنظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) بالاستعداد لتنفيذ “استفزازات”.
وفي هذا الصدد، نقلت وكالة “سبوتنيك الروسية” عن نائب رئيس مركز التنسيق الروسي في قاعدة حميميم أوليغ إيغوروف قوله، أول من أمس السبت، إنه “بحسب المعلومات التي تلقاها المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة، فإن مقاتلي (جبهة النصرة) الإرهابية جنباً إلى جنب مع منظمة (الخوذ البيضاء) التي تعمل بشكل مزيف بغطاء إنساني، يخططون للقيام باستفزازات في محافظة إدلب”.
وتابع إيغوروف: “ينوي المسلحون إجراء تصوير مرحلي لعواقب الضربات المنظمة في مناطق مخيمات اللاجئين في قريتي كفر دريان وكفر جالس في محافظة إدلب”.
وأوضح أن “الهدف من الاستفزازات المخطط لها هو اتهام قوات الحكومة السورية والقوات الروسية بمهاجمة المدنيين والمنشآت الإنسانية”.
ضحايا بقصف إدلب
وذكر الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) في محافظة إدلب، أمس، أن 9 مدنيين، بينهم أطفال (أحدهم رضيع)، قُتلوا وأصيب 70 آخرون، صباح أمس الأحد، بقصف من قوات النظام السوري بصواريخ أرض – أرض محملة بقنابل عنقودية محرمة دولياً، استهدف مخيمات في محيط بلدة كفر جالس، غربي إدلب، وهي: مخيم مرام، مخيم وطن، مخيم وادي حج خالد، مخيم محطة مياه كفر روحين، مخيم قرية مورين، مخيم بعيبعة.
وأشار إلى أن الطيران الروسي شنّ غارات عقب قصف قوات النظام، استهدفت مزارع وأحراشاً في المنطقة. كما أُصيبت امرأة بقصف مدفعي لقوات النظام على بلدة أفس من مواقعها في مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، وفق ناشطين محليين بثوا مقاطع مصورة تظهر حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بالمخيمات.
وأظهر مقطع مصور في مخيم وطن مشاهد النزوح والهلع الذي أصاب الأطفال والنساء جراء القصف غير المتوقع. وذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية أن التصعيد شمل أغلب الجبهات مع قوات النظام، من سهل الغاب غرباً إلى ريف حلب شرقاً، مشيرة إلى أنه طاول بلدات في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي.
من جانبه، ذكر أحد الراصدين في المرصد 80 التابع لفصائل المعارضة، الذي يتتبع حركة الطيران، لـ”العربي الجديد”، أن الصواريخ التي استهدفت المخيمات هي من نوع “أوراغان”، انطلقت من مطار النيرب العسكري التابع للنظام في حلب، موضحاً أن النظام أطلق 12 صاروخاً على دفعات، وقعت في المخيمات أو في الأحراش القريبة منها.
إلى ذلك، أشار فريق “منسقو الاستجابة”، الذي يرصد الأوضاع الإنسانية في شمال غرب سورية، في بيان، إلى أن قصف أمس استهدف تسعة مخيمات، ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، بينهم امرأة وطفلان، وإصابة 70 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال.
وكشف أن 22 خيمة تضررت بالقصف الذي أدى إلى “حركة نزوح لمئات المدنيين من المخيمات المستهدفة والمخيمات المجاورة لها إلى مناطق أخرى شبه آمنة خوفاً من عودة الاستهداف”.
وذكر الفريق أن “عدد العائلات النازحة المتضررة من حالة القصف الأخيرة بلغ أكثر من 3488 عائلة”. وطالب بـ”فتح تحقيق دولي واسع وكامل، يمتاز بالحيادية والشفافية المطلقة حول الجرائم الأخيرة التي ارتكبت من قبل قوات النظام السوري وكافة الأطراف”.
ولم تكتفِ قوات النظام بارتكاب المجزرة بحق المدنيين النازحين، بل شنّت حملة قصف مدفعي ضد ريف إدلب الجنوبي استهدف محيط مدينة أريحا، وبلدة سرمين، وقريتي شنان وبينين، وسط اشتباكات متقطعة وقصف مدفعي متبادل على محاور ريف حلب الغربي بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية.
وفي السياق، حذّرت المراصد العسكرية في فصائل المعارضة السورية بإدلب المدنيين من العبور على طريق سرمين – إدلب، جرّاء القصف الصاروخي المكثّف من قبل قوات للنظام.
وأشار القيادي في فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، العقيد مصطفى البكور، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن قصف المخيمات أمس “يأتي في إطار العدوان الروسي على الشمال السوري المحرر، لجعله يعيش في حالة عدم استقرار مع بدء فصل الشتاء، للضغط على المدنيين من أجل العودة إلى الحظيرة الأسدية”.
وأبدى اعتقاده بأنه “يأتي في سياق الضغط على تركيا على خلفية موقفها من الحرب في أوكرانيا”، مشيراً إلى أن “هذا التصعيد جاء بعد أيام من شروع الأتراك بترتيب الأوضاع في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري في ريف حلب الشمالي، للقضاء على الفوضى الموجودة”. ولفت إلى أن “الفوضى والمعابر غير الشرعية وتجارة المخدرات والاقتتال الداخلي تخدم دائماً روسيا والنظام وإيران”.
المجازر تتكرر
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن القصف الذي استهدف المخيمات “ليس مستغرباً من النظام والروس”، مضيفاً أنه “لطالما استهدفوا الأسواق والنقاط الطبية والمدارس والأفران. الذاكرة السورية زاخرة بمئات المجازر التي ارتكبها النظام بحق السوريين، تحديداً في شمال غرب البلاد”.
وأشار فرحات إلى أنه “لا تفسير للقصف الذي حصل، إلا في كونه أسلوباً إجرامياً من النظام لإركاع الناس، متخذاً من وجود هيئة تحرير الشام في إدلب مدخلاً لذلك”، مضيفاً: “ما حدث يفتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بالدور التركي كون أنقرة ضامناً لاتفاقات تنص على وقف إطلاق النار.
وأبدى اعتقاده بأن “تغيير خريطة السيطرة لصالح قوات النظام في شمال غرب سورية غير وارد في الوقت الراهن، على الرغم من التصعيد الكبير الذي شهدناه أمس”.
وكان الطيران الروسي وقوات النظام استهدفا، منتصف الشهر الماضي، مخيمات للنازحين في ريف حلب، ما أدى إلى مقتل وإصابة مدنيين في خضم نزاع دامٍ نشب بين فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، التي كانت تقدمت من مناطق سيطرتها في إدلب إلى مناطق “الجيش الوطني السوري”، وهو ما استدعى تدخلاً تركياً أجبر الهيئة على الانسحاب.
ولا يزال الشمال الغربي من سورية محكوماً باتفاق موسكو، الذي أُبرم بين الجانبين التركي والروسي في العاصمة الروسية في مارس/آذار 2020، والذي أوقف إطلاق النار، إلّا أنّ هذا الاتفاق تعرض للعديد من الهزات بسبب الخروقات المتكررة من قبل الروس والنظام.
المصدر: العربي الجديد