د. مخلص الصيادي
من المعلوم على وجه اليقين أن المصطلحات في وكالات الأنباء، والصحف وفي النشرات الإخبارية لا تترك لخيار الأفراد العاملين في هذه المجالات، وإنما هي محددة بدقة لأنها تأتي تعبيرا عن سياسة الوكالة، أو الصحيفة، أو المحطة التلفزيونية، أو الدولة، كل حسب تابعيته. بل إن معدي البرامج الإخبارية يلتزمون بمصطلحات الجهات التي يعملون بها، طبعا دون أن يكون ذلك ملزما لضيوفهم، ويكون دائما على رؤساء ومدراء التحرير أن يدققوا في استخدام المصطلحات، ويتأكدوا من الالتزام بما هو مقرر بهذا الشأن.
ولا تأتي المصطلحات المعتمد ( أسماء، صفات، مكونات) اعتباطا، إذا دائما ما يكون لهذه أساس قانوني أو تاريخي أو اجتماعي أو جغرافي معترف به، ويكون الأخذ بمصلح محدد دليلا على التزام هذه الوسيلة الإخبارية بموقف معين.
ومما هو مؤكد حتى الآن أن أي دولة، أو مؤسسة عربية، أو دولية، أو مرجعية قانونية معترف بها، لم تنل من صفة “الجمهورية العربية السورية”، ولا من دلالة هذه الصفة، رغم التنازع الحاد حول شرعية نظام القائم في دمشق، بعدما قام به هذا النظام من جرائم بحق الوطن أرضا وحضارة وبنية أساسية، وبحق المواطن: حياته وأمنه واستقراره.
لكن مما يثير الريبة والغضب أن أن تعمد الكثير من وسائل الإعلام ووكالات الأنباء وبشكل مبكر إلى اعتماد تسميات لمدن ونواحي في سوريا على غير حقيقتها، متبنية بذلك تلك التسميات التي أطلقتها عليها سلطة الأمر الواقع ممثلة بالقوى “الانفصالية/ العنصرية” التي تدعي التحدث باسم الأكراد، والتي هي في حقيقتها جزءا من حركة انفصالية كردية واسعة النطاق يمثلها حزب العمال الكردستاني، المصنف بكونه حزبا إرهابيا.
ولعل من أهم النماذج في هذا الشأن التسمية التي أطلقها الانفصاليون الأكراد على مدينة “عين العرب” السورية، حينما أسموها “كوباني”، وهي تسمية ليس لها أي سند من أي نوع كان، وليس لها أي معنى، حتى وليس لها أساس في اللغة الكردية، وليس لها أي وجود قبل أن يطلع عليها هؤلاء بهذه التسمية، إنك لا تجد أي مرجع تاريخي، ولا مذكرات لرحالة، ولا معجم لغوي، ولا قصص تاريخية وروايات اجتماعية تذكر هذا الاسم المشوه لهذه البلدة / المدينة، فهي كانت دائما “عين العرب”.
ولا غرابة أن يعمد هؤلاء “الانفصاليون/ العنصريون” إلى إطلاق مثل هذا التسميات، فهم كالحركة الصهيونية يريدون أن يخترعوا تاريخا وأسماء وشواهد وهمية لعلها تميزهم، فيتميزوا بها، ويتخذوها متكأ في تقديم رواية مختلفة لمسار التاريخ في هذه المنطقة، دون الوقوف عند حقيقة أن الأوهام لا تكتب تاريخا، وأن المنطقة التي يتحركون فيها غزيرة بتاريخها، وقديمة وثابتة بأسماء مواقعها.
لو أن أحدا أراد أن يكتب بحثا عن “كوباني” مستعينا بأي مصدر كان فلن يجد شيئا على الأطلاق، وكل ما سيجده أن هذه التسمية لا وجود لها قبل أن يطلقها هؤلاء الانفصاليون على بلدة / مدينة “عين العرب”، أما إذا أراد باحث أن يكتب بحثا عن بلدة / مدينة “عين العرب”، فسيجد سيلا من المعلومات التاريخية واللغوية والجغرافية والأدبية، والسلالية.. الخ. وسيجد هذه المراجع بلغات عديدة من بحاثة ورحالة ومسؤولين ودبلوماسيين كثر.
إن اسم البلد والمدينة والبلدة والموقع بمثابة الاسم للإنسان، إذ يمثل وجها من أوجه هويته، ويختزن في عمقه تاريخه الخاص، ويشير إلى علاقاته بمحيطه: بالبشر، والجغرافيا، والثقافة، والدين، والقيم.
لا غرابة أن يفعل هؤلاء الانفصاليون ما فعلوا بشأن أسماء المناطق والمدن والمواقع السورية، فهم في توجههم ومقصدهم غرباء عن سوريا، عن هذا الجزء من المنطقة العربية التي امتزجت وتفاعلت فيها كل الأعراق والديانات والمذاهب، لتكون معا وجه سوريا المميز.
لكن الغريب أن تعمد معظم وكالات الأنباء ومحطات التلفزة ومنها محطات عربية إلى اعتماد مثل هذه التسميات وهي تدعي أنها تقف ضد ” تقسيم سوريا” وتقف ضد “الحركات الإرهابية”، وسنكون سذج إن أرجعنا ذلك إلى جهل أو غفلة.
يجب أن ندين هذا المسلك، وأن ننبه إلى خطورته، ونبين أنه في مضمونه ومعناه يعني تأييدا لهذه الحركات الانفصالية/ الإرهابية، وتأييدا لمسعاها في تقسيم سوريا. ولتغيير هويتها، وأنه سلوك ونهج يخالف القانون الدولي ويخالف مفاهيم سلام وأمن واستقرار دول المنطقة.
والحفاظ على الهوية السورية، يعني الحفاظ على هوية كل جزء من أجزاء سوريا، فالهوية لا تنقسم ولا تتجزأ، ولا تقبل التلون حسب توزع السكان وتنوعهم، وليست مكانا للمساومة، أو التفاوض، كما لا يقبل المسامحة.