أليكس هاريس, ساندر آيزن
يشير تحليل الانتخابات الخمسة الأخيرة للكنسيت الإسرائيلي إلى أن التركيبة السكانية للمستوطنات لعبت دورًا كبيرًا في صعود كتلة قومية متشددة من اليمين المتطرف في إسرائيل.
اعتبر الجمهور الإسرائيلي والمجتمع الدولي أن الدورات الخمسة المتتالية الانتخابات الكنيست التي عقدت ما بين عامي 2019 إلى 2022 كانت بمثابة استفتاء على قيادة نتنياهو. ومع ذلك، يوفر الوضع غير المسبوق في إسرائيل والمتمثل في إجراء خمس دورات انتخابية متتالية لمحةً فريدةً عن الطرق التي تغيرت بها وجهات النظر السياسية في هذا البلد على مدى فترة زمنية قصيرة، وتُظهر نتائج التصويت في تلك الفترة الانقسامات المتعمقة داخل المجتمع الإسرائيلي. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه هي النجاحات الملحوظة التي حققتها كتلة دينية قومية متطرفة من اليمين المتطرف تمكنت من إيصال صوتها. وفي حين أن هذه الكتلة فشلت في تجاوز العتبة الانتخابية في نيسان/أبريل 2019 وأيلول/سبتمبر 2019 وآذار/مارس 2020، إلا أنها تمكنت من اقتناص ستة مقاعد في آذار/مارس 2021، وحصلت مؤخرًا على أربعة عشر مقعدًا في الانتخابات التي أُجريت هذا الشهر، لتصبح ثالث أكبر حزب في الكنيست.
الصعود الأخير للتيار المحافظ المتشدد في إسرائيل
بشكل عام، عززت حركة المحافظين الإسرائيلية وضعها ببطء منذ أكثر من قرن، بدءًا من الزعيم اليميني التعديلي فلاديمير جابوتنسكي اثناء فترة الانتداب إلى النجاح غير المتوقع لمناحيم بيغن كأول رئيس وزراء من خارج حزب العمل، وشغل خليفته نتنياهو منصب رئيس الوزراء لأطول فترة زمنية في إسرائيل. كذلك، تشير الاتجاهات إلى أن النزعة المحافظة في إسرائيل آخذة في الازدياد حيث يُظهر الآن “مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية” لعام 2021 – وهو دراسة سنوية يجريها “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” غير الحزبي – أن ما يقرب من 75.9 في المئة من اليهود الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا يعرّفون عن أنفسهم على أنهم ينتمون إلى اليمين المعتدل (34.9 في المئة) أو إلى اليمين (41.0 في المئة)، وذلك مقابل (56.6 في المئة) من الإسرائيليين اليهود الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 55 عامًا.
لكن مع ترسيخ “حزب الليكود” لنفسه كحزب محافظ في مؤسسة البلاد، استضاف اليمين الإسرائيلي أيضًا مجموعة من الأصوات السياسية الأكثر تعصبًا من القومية المتطرفة. وفي حين أن نتائج انتخابات الكنيست في آذار/مارس 2021 شهدت بروز “الحزب الصهيوني الديني” – بما في ذلك حزب “عوتسما يهوديت” الكاهاني و”حزب نعوم” الذي يركز على مناهضة مجتمع الميم – وقد فاز هذا الحزب بستة مقاعد و5٪ من الأصوات الوطنية وصار معارضًا لحكومة الوحدة لبيد-بينيت. ومع ذلك، طغت نتائج انتخابات نوفمبر 2022 التي فاز فيها الحزب الصهيوني الديني بأربعة عشر مقعدًا وحوالي 11٪ من الأصوات الوطنية على هذه النتائج.
في اذار/ مارس 2021، ترأس بتسلئيل سموتريش “الحزب الصهيوني الديني” وهو معروف بتعليقاته المعادية للعرب، كما روج أعضاء الحزب في الكنيست لتشريعات مناهضة لمجتمع الميم ووُجهت إليهم تهمة التحريض. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، انضم إيتمار بن غفير للحزب كرئيس مشارك وهو يُعتبر أكثر تطرفًا من سموتريش وتورط في العديد من الحوادث التي لا تنسى. إحدى هذه الحوادث التي وقعت في عام 1995، عندما كان بن غفير مراهقًا حين سرق رمز ماركة السيارة الخاصة برئيس الوزراء إسحاق رابين الذي تم اغتياله بعد ذلك بوقتٍ قصير، والتملق على اعتبار أنهم “إذا تمكنوا من الوصول إلى سيارته، فيمكنهم الوصول إليه.”
وبن غفير هو أيضًا زعيم حزب “عوتسما يهوديت” (أو “العظمة اليهودية”) – وهو حزب كاهاني يتمتع الآن بتمثيل كبير في الكنيست الخامس والعشرين. ويكتسب الكاهانيون اسمهم من مؤسسهم الأيديولوجي مائير كاهانا، وهو يهودي أمريكي وُلِد في بروكلين، وبعد انتقاله إلى إسرائيل وانتخابه في الكنيست، أيّد علنًا طرد المواطنين العرب في إسرائيل وإقامة دولة إسرائيل كدولة دينية يهودية.
فشل حزب “عوتسما” في تجاوز عتبة الدخول إلى الكنيست كحزب مستقل في انتخابات عامَي 2013 و2015، ولم يحتل مرتبة عالية بما يكفي على القائمة المشتركة مع “اتحاد الأحزاب اليمينية” عندما فازت الكتلة بخمسة مقاعد في انتخابات نيسان/أبريل 2019. وفي الدورتين الانتخابيتين التاليتين، ترشح حزب “عوتسما” بشكل مستقل وفشل مجددًا في تجاوز العتبة. وقد تم منع العديد من أعضاء عوتسما من الترشح في انتخابات الكنيست بسبب تصريحاتهم وأنشطتهم العنصرية. لذلك، يمثّل وصول الحزب إلى الكنيست في آذار/مارس 2021 وانبعاثه في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 جانبًا مثيرًا للقلق بشكل خاص من كتلة “الحزب الصهيوني الديني.”
الشعبية في المستوطنات
يمكن أن يُعزى جزءٌ على الأقل من النجاح الذي حققه “الحزب الصهيوني الديني” إلى الدعم القوي الذي اكتسبته القائمة المشتركة بين “الحزب الصهيوني الديني” و”حزب عوتسما” و”حزب نعوم” من المستوطنين – سواء شرق الحاجز الأمني أو غربه. ففي المستوطنات، حصل “الحزب الصهيوني الديني” على 22 في المئة من الأصوات، أي أكثر من ضعف الإجمالي الوطني.
في نيسان (أبريل) 2019، حصل التحالف الانتخابي الديني (18 في المئة) على دعمًا يقارب ضعف الدعم الذي حصل عليه حزب اليمين الجديد (11 في المئة)، وهو حزب مفتوح أمام الإسرائيليين العلمانيين. تكرر هذا الاتجاه في آذار /مارس 2021، عندما حصل “الحزب الصهيوني الديني” على 22(في المئة) من أصوات الناخبين في المستوطنات، في حين حصل حزب يمينا- المسمى الجديد لليمين الجديد – على (14 في المئة). في المقابل، عندما خاض الأعضاء الاساسيون في “الحزب الصهيوني الديني” الانتخابات تحت قائمة “يمينا” في أيلول/سبتمبر 2019 ومرة أخرى في أذار/مارس 2020، حصلوا على إجمالي (25 في المئة) و (23 في المئة) على التوالي. وفي أيلول /سبتمبر 2019، حصل حزب عوتسما المستقل على (7 في المئة) من الأصوات.
ومع ذلك، كان الوضع مختلفًا في تشرين الثاني /نوفمبر 2022، فبعد استقالة نفتالي بينيت من منصب رئيس الوزراء وتنازله عن السلطة لرئيس الوزراء البديل يائير لابيد، تراجع الدعم لحزبه (يمينا / البيت اليهودي) بشكل كبير. وفي ظل قيادة أييليت شاكيد، فشل حزب البيت اليهودي في تجاوز العتبة الانتخابية. في غضون ذلك، حقق “الحزب الصهيوني الديني” تقدما بالغا حيث حصل على 22٪ من الأصوات الوطنية.
ومع ذلك، يبدوا أن هذه الاحصائيات غير دقيقة بسبب العدد الكبير من السكان الحريديم في كلا من مستوطنة بيتار عيليت (62 ألفًا)، ومستوطنة موديعين عيليت (80 ألفًا) اللذان يقعان بعد الخط الأخضر، غرب الجدار. ومع ذلك، فإذا أزيلت مستوطنتا بيتار عيليت وموديعين عيليت من مجموعة البيانات، فإن ذلك قد يؤدى أيضًا إلى انخفاض الدعم لأحزاب اليسار والوسط.
هذا الاتجاه المذكور أعلاه صحيح بشكل خاص شرق الحاجز على طول الخط الأخضر، حيث كانت نسبة الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب اليمينية الدينية القومية المتشددة أعلى بحوالي (25 في المئة) من غرب الحاجز. في حين كانت النسبة التي حصدها اليمين الجديد في نسيان/أبريل 2019، وتلك التي حققها حزب “يمنيا” في عام 2021 متساوية نسبيًا على جانبي الجدار (مع استبعاد حزب بيتار عيليت وموديعين عيليت)، سيطرت الأحزاب الدينية القومية المتطرفة على شرق الجدار بهامش أكثر من 1: 2. وبالمثل، كان الدعم الذي حصل عليه حزب الوسط حزب “أزرق أبيض”/ “يش عتيد” أقل بنسبة 5٪ وأقل بنسبة 2٪ بالنسبة لحزب الليكود شرق الجدار.
في كافة الانتخابات التي اجريت في الفترة بين نيسان/أبريل 2019 وتشرين الثاني/نوفمبر 2022، لم تتغير نسبة تصويت المرتبطة بالكتلة الوطنية الدينية بشكل كبير، حيث تراوحت بين 17.9 في المئة إلى 27.0 في المئة غرب الحاجز، ومن 46.2 في المئة إلى 63.7 في المئة شرق الحاجز. ومع ذلك، كان الاختلاف الحاسم الذي حدث في اذار/مارس 2021 والذي تضاعف في تشرين الثاني /نوفمبر 2022، هو توحيد الكتلة الدينية القومية المتشددة (الحزب الصهيوني الديني/ عوتسما “، فعلى الرغم من أن الكتلة القومية الدينية ظلت على حالها نسبيًا منذ آذار /مارس 2021 إلى تشرين الثاني /نوفمبر) 2022، فقد زاد الحزب الصهيوني الديني حصته غرب الحاجز بنسبة 8.2٪ وشرقه بنسبة 13٪.
توزعت الأصوات المتبقية بين الحزبين الدينيين الحريديين (“شاس” و”يهدوت هتوراة”) والحزب العلماني الروسي “إسرائيل بيتنا”، وشملت في آذار/مارس 2021 حزب “الأمل الجديد” الذي يتزعمه جدعون ساعر والمناهض لنتنياهو. وفي المجتمعين الحريديين موديعين عيليت وبيتار عيليت، كان الدعم للحزبين الدينيين الحريديين أكبر بمرتين إلى ثلاث مرات من الدعم في المستوطنات الأخرى غرب الحاجز. وفي المقابل، صوتت المستوطنات الواقعة شرق الحاجز وغربه بأعداد متساوية نسبيًا لصالح حزبَي “الأمل الجديد” و”إسرائيل بيتنا.”
ومع ذلك، فإن سكان المستوطنات غير موحدين سياسيًا بأي حالٍ من الأحوال، سواء بين المستوطنات أو حتى داخلها. وعلى سبيل المثال، في كرني شومرون (وهي مستوطنة إسرائيلية تقع على بُعد 15 كيلومترًا جنوب غرب نابلس)، حصل الحزب الصهيوني الديني على 37 % من الأصوات، وحصل حزب “يش عتيد” الوسطي على 3129 صوت (3 في المئة من الأصوات).
لا يشكل استمرار الاتجاهات الانتخابية الحالية نتيجة حتمية. فأحدثت الفترة التي تتالت فيها الدورات الانتخابية الأربع تأثيرًا استقطابيًا على الناخبين، ما يشير إلى أن هذا الاتجاه يمكن أن ينعكس إذا عادت الانتخابات إلى اتباع جدول زمني أكثر نموذجية.
إلا أن وصول “الحزب الصهيوني الديني” و”حزب عوتسما” إلى الكنيست، أولًا في المعارضة وربما الآن في الائتلاف الحاكم – بمساعدة كبيرو من دعم ناخبي المستوطنات، يشير إلى احتمال نمو هذه القوة الجديدة في الكنيست إذا استمرت في الحفاظ على هذا الدعم بناءً على الاتجاهات الديمغرافية في المستوطنات. فمنذ عام 2017، شهد عدد سكان المستوطنات نموًا بنسبة 13 في المئة مقارنةً بالنمو السكاني البالغ 8 في المئة بشكل عام. وبالتالي، مع نمو عدد سكان المستوطنات، سيتوسع أيضًا على الأرجح تمثيل الأحزاب اليمينية والقومية المتطرفة والدينية في المجالين السياسي والعام في إسرائيل.
نظرًا إلى تعدد الأحزاب وتعقيد عملية بناء الائتلافات في إسرائيل، باستطاعة الأحزاب الصغيرة في الكنيست أيضًا أن تُحدِث أثرًا كبيرًا في عملية صنع السياسات، كما تَبيّنَ من خلال إدراج نتنياهو لعدة أحزاب حريدية صغيرة في ائتلافاته، أو مؤخرًا الصعود السريع الخاص بـ “حزب يمينا” الذي تحوّل إلى أحد بناة الائتلافات، أيضًا بواسطة سبعة مقاعد فحسب. ومن ناحية أخرى، لا يُترجَم تحقيق النصر الانتخابي بالضرورة إلى إنشاء قوة سياسية – فكانت السياسات المتطرفة التي اتبعها “الحزب الصهيوني الديني” أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عجز نتنياهو عن تشكيل ائتلاف.
في كلا الحالتين، لا بد من أن يتمهل الإسرائيليون في ظل حقيقة وجود 14 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا في الكنيست تخص القوميين المتطرفين. فتثير النزاعات الأخيرة بين العرب واليهود داخل إسرائيل والعداوة المستمرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية تساؤلات جدية حول العلاقات الطويلة الأمد بين هاتين المجموعتين القوميتين. ولا يؤدي بروز أحزاب مثل “الحزب الصهيوني الديني”، كانعكاس محتمل للاستخفاف الناتج عن إجهاض مفاوضات السلام وصدمة “الانتفاضة الثانية”، سوى إلى تسليط المزيد من الضوء على هذه الانقسامات. على هذا النحو، قد يكون نجاح مشروع “الحزب الصهيوني الديني” ليس فقط أحد أعراض تدهور العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكنه أيضا دليل على ضرورة تغيير هذا الاتجاه.
أليكس هاريس، هو مدير مشروع في المركز الإسرائيلي للتعليم. كما حصل مؤخرًا على درجة الماجستير في التربية التجريبية والتنمية البشرية من جامعة جورج واشنطن. وهو أيضًا متدرب سابق في معهد واشنطن ويقيم حاليا في واشنطن العاصمة.
ساندر آيزن، هي مديرة الأبحاث في شركة (Purple Strategies)، وهي شركة لإدارة الماركات التجارية والسمعة في مدينة الإسكندرية، في ولاية فيرجينيا. قبل انضمامه إلى شركة بيربل، عملت آيزن كمديرة للبحوث في شركة Echelon Insights، وهي شركة متخصصة في استطلاعات الرأي وتحليل البيانات في الإسكندرية.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى