أمين العاصي
تتضح تدريجياً معالم العملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري. فكل المعطيات تشي بأن الجانب التركي يريد خروج “وحدات حماية الشعب” الكردية من مناطق تل رفعت، ومنبج، وعين العرب، إما سلماً أو حرباً، ما يعني تكرار سيناريو “غصن الزيتون”، و “نبع السلام”.
وكرر وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو مطالبات أنقرة لبعض حلفائها بـ”وقف دعم التنظيمات الإرهابية في سورية”. وقال، خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي “الناتو”، في العاصمة الرومانية بوخارست أمس الأربعاء، إن “دعم بعض حلفائنا وعلى رأسهم الولايات المتحدة، للتنظيمات الإرهابية في سورية واضح للعيان، ونؤكد ضرورة وقف هذا الدعم”.
في المقابل، تحفظت وزارة الخارجية الأميركية بشأن تأكيد أو نفي إجلاء موظفيها المدنيين من شمال سورية إلى شمال العراق. ورداً على سؤال لوكالة “الأناضول” حول تناقل وسائل إعلام أنباء مفادها بأن أميركا أجلت موظفيها من شمالي سورية إلى شمال العراق، قالت القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، إنه “لا يمكننا الحديث عن تحركات قواتنا، فهذا قد يعرضهم للخطر”، فيما لم تؤكد الخارجية الأميركية أو تنف صحة تلك الأنباء، لافتة إلى أنها تلقت “أسئلة مشابهة” من دون التعليق على صحتها أو نفيها.
وكان المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن حذر، خلال إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي أول من أمس، من خطورة التصعيد العسكري الحالي في سورية على المدنيين والاستقرار الإقليمي. وحث تركيا و”قسد” على الوقف الفوري للتصعيد واستعادة الهدوء النسبي الذي ساد البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأوضح بيدرسن أن دعوة الأمم المتحدة للالتزام بأقصى درجات ضبط النفس ووقف التصعيد تشمل أيضاً مناطق أخرى في سورية، مشيراً إلى تزايد خروقات الهدنة في شمال غربي إدلب، والغارات الجوية المنسوبة لإسرائيل على دمشق وحمص وحماة واللاذقية، فضلاً عن الغارات الجوية على الحدود السورية العراقية والحوادث الأمنية والاشتباكات العسكرية الجديدة في الجنوب.
وواصلت أمس الأربعاء فصائل المعارضة السورية، والجيش التركي، قصف مواقع تابعة إلى “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تشكل “الوحدات” الكردية ثقلها الرئيسي، في محيط تل رفعت وعفرين في ريف حلب الشمالي، وتل تمر بريف الحسكة وعين عيسى بريف الرقة الشمالي الغربي.
تل رفعت الهدف الأول لتركيا والمعارضة السورية
ويبدو أن تل رفعت ستكون الهدف الأول لفصائل المعارضة السورية والجيش التركي لطرد “قسد” منها، في حال فشل الجهود السياسية التي تُبذل لتفادي العملية العسكرية التي تتوعد بها أنقرة منذ أكثر من أسبوعين، إثر تفجير ضرب إسطنبول، يؤكد الأتراك أن “وحدات حماية الشعب” تقف وراءه مع حزب العمال الكردستاني فيما نفى الطرفان أي علاقة لهما بالهجوم.
ومن المرجح أن يتكرر سيناريو مطلع العام 2018، حين طرد الجيش التركي “الوحدات” الكردية من منطقة عفرين شمال غربي حلب، بعملية “غصن الزيتون”، وسيناريو أواخر 2019 حين سيطر الجانب التركي على بلدتي تل أبيض ورأس العين شرقي نهر الفرات.
وكانت فصائل المعارضة السورية على وشك القيام بعملية ضد “قسد” في تل رفعت بعد عملية “غصن الزيتون” في منطقة عفرين مطلع 2018، إلا أن الوجود العسكري الروسي في تل رفعت حال دون ذلك.
وكانت “الوحدات” الكردية سيطرت على بلدة تل رفعت وعشرات القرى حولها مطلع 2016 تحت غطاء ناري روسي، أجبر فصائل المعارضة وأهالي المنطقة على الخروج منها باتجاه أقصى الشمال السوري. ويقطن في محيط تل رفعت، التي تقع غربي نهر الفرات، آلاف النازحين السوريين الأكراد، الذين خرجوا من عفرين مطلع 2018 بعد سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة.
وكانت “قسد” سمحت لقوات النظام بتعزيز مواقعها في محيط تل رفعت منتصف العام الحالي على خلفية توتر حدث في حينه مع الجانب التركي. ولكن هذه القوات كما يبدو لا تملك الإمكانات للوقوف بوجه الجيش التركي وفصائل المعارضة في حال اندلاع معركة، إلا إذا تبدلت معطيات السياسة في اللحظة الأخيرة، كما حدث أكثر من مرة خلال العامين الحالي والماضي.
وتقع تل رفعت إلى الشمال من مدينة حلب بنحو 40 كيلومتراً، وكانت من أولى المدن في الشمال السوري التي خرجت عن سيطرة قوات النظام أواخر العام 2012، إبان اندفاعة كبرى للمعارضة السورية.
منبج ضمن نطاق التخطيط التركي
وأعلن الجانب التركي أن منبج تقع ضمن نطاق العملية التي يخططون للقيام بها ضد “قسد”، التي كانت حررت هذه المدينة من تنظيم “داعش” بدعم من التحالف الدولي منتصف 2016. وتبعد منبج عن مدينة حلب نحو 90 كيلومتراً، وعن الحدود السورية التركية نحو 35 كيلومتراً، ويشكل العرب غالبية سكانها، مع وجود سكاني محدود من الأكراد والتركمان والشركس في المدينة وريفها.
وتدخل منبج ضمن نطاق مناطق النفوذ الأميركي وهو ما حال دون دخول الجانب التركي إليها خلال السنوات الماضية. ولطالما كانت منبج، التي تقع غربي نهر الفرات، هدفاً لأنقرة التي كانت توصلت لتفاهمات مع واشنطن خلال 2018، تضمنت بنوداً تنصّ على انسحاب “قسد” من المدينة، إلا أن ذلك لم يجد طريقه إلى التنفيذ.
وتعتبر منبج من أبرز المدن التي تسيطر عليها “قسد”، التي رفضت أكثر من مرة تسليمها للنظام أو السماح له بالسيطرة على مربع أمني فيها، على شاكلة المربعين الأمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة، شمال شرقي سورية.
منبج استراتيجية لمعظم الأطراف
وأوضح الباحث السياسي حسن النيفي (وهو من أبناء منبج)، في حديث مع “العربي الجديد”، أن منطقة منبج تعتبر “نقطة استراتيجية لمعظم الأطراف المتنازعة”، مشيراً إلى أنها “أكبر مناطق محافظة حلب”.
كما لفت إلى أن “منبج اليوم حاضرة اقتصادية واجتماعية كبيرة غربي نهر الفرات”. وأشار إلى أن منبج “تشكل أهمية لقسد كونها سوقاً اقتصادياً كبيراً لمجمل المناطق التي تقع تحت سيطرة هذه القوات”، موضحاً أن للجانب الأميركي قاعدة، تضم جنوداً من عدة جنسيات، في سد “تشرين” الذي يبعد نحو 15 كيلومتراً عن منبج.
وأوضح النيفي أن الجانب التركي “يرى أن منطقة منبج عربية، والوجود الكردي محدود، وطرد قسد منها يفتح الطريق إلى مدينة عين العرب التي تبعد نحو 45 كيلومتراً عن منبج”، موضحاً أن السيطرة على منبج تعزز سيطرة الأتراك على مجمل ريف حلب الشمالي.
وبيّن النيفي أن النزاع على منبج ليس جديداً “بل يعود إلى العام 2018”. وأوضح أن أنقرة وواشنطن اتفقتا في يونيو/حزيران من ذاك العام على انسحاب قسد من منبج، لكن الأميركيين تنصلوا من الاتفاق. أعتقد أن واشنطن لن تسمح لأي طرف بالدخول إلى منبج، فهي الآن في قبضتها.
ويضع الجانب التركي السيطرة على مدينة عين العرب (كوباني) الواقعة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة حلب، وتقع إلى الشرق من نهر الفرات بنحو 30 كيلومتراً، على رأس أولويات العملية العسكرية المحتملة، نظراً لأهميتها الكبيرة، كونها تقع على الحدود السورية التركية.
ويشكل الأكراد غالبية سكان منطقة عين العرب التي كانت من أولى المناطق التي سلّمها النظام إلى “وحدات حماية الشعب” الكردية في 2012 لمحاصرة الحراك الثوري فيها. وكان الجانبان التركي والروسي وضعا ترتيبات تخص عين العرب أواخر 2019، تقوم على تسيير دوريات مشتركة بعمق 5 كيلومترات للتأكد من خلو المناطق المحيطة بها من أي وجود عسكري من “قسد”.
عين العرب مهمة للطرف التركي
ورأى نائب رئيس “رابطة الأكراد المستقلين” رديف مصطفى أن “عين العرب مهمة جداً للطرف التركي”، مشيراً إلى أن السيطرة عليها تسهم في استكمال المشروع التركي في بناء المنطقة الآمنة والربط بين جرابلس وتل أبيض ورأس العين.
وقال مصطفى، المنحدر من عين العرب، إن السيطرة على المنطقة “تعني إبعاد حزب العمال الكردستاني وأدواته السورية عن حدود تركيا الجنوبية، خصوصاً أن تركيا تعتبر الحدود السورية مناطق أمن قومي تركي”.
وبيّن أن “منطقة عين العرب بالنسبة للعمال الكردستاني وأدواته السورية، لها رمزيتها، خصوصاً وأنه تم تحريرها من داعش”، مضيفاً: عين العرب كانت ولازالت مهمة لهم (“العمال الكردستاني” و”قسد”)، لكونها خزانا بشريا كبيرا يخدمهم سياسياً وعسكرياً. وتابع: يضاف إلى ذلك الجانب الأيديولوجي، فـ”قسد” تعتبر أن هذه المعركة لا تستهدفها وحدها بل تستهدف جميع الأكراد.
المصدر: العربي الجديد