التقارب التركي مع نظام بشار الأسد لم يولد خلال عام 2022 إثر تصريحات وزير الخارجية التركي وباقي المسؤولين الأتراك، بل يعود إلى ما يقارب السبع سنوات من خلال التوجه التركي نحو روسيا التي تعتبر الحليف الأقوى لنظام الأسد والتي/روسيا يعود لها (فضل) منع سقوطه أواخر عام 2015 .! منذ ذلك الحين اتجهت السياسية التركية إلى نهج التمسك بالحل السياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 وذهبت نحو تبني الحل الروسي، فالمصالحة مع النظام السوري كانت بداية خطة وإرادة روسية وافقت عليها تركيا لتحقيق مصالحها الحيوية والإقتصادية والإستراتيجية أيضًا فلجأت/تركيا تمهيدًا لذلك إلى المعارضة السورية والجيش الحر وبدأت بإنشاء قنوات تنسيق وتعاون أمني بين أجهزتها الإستخباراتية و إستخبارات نظام أسد. لربما أن القطيعة بين الإدارة التركية ونظام أسد بقيت -خلال سنوات الثورة – في الظِّل.! كما عملت في الجانب الآخر على قضية اللاجئين السوريين كورقة سياسية واقتصادية أيضاً .! لكن في نفس الوقت لم تتوقف تركيا عن الإستمرار في إطلاق تطميناتها ووعودها للسوريين. وهنا تثور تساؤلات ضرورية تجعل من القرارات التركية بالمصالحة مع الأسد هي ليست قرارات إرتجالية أو تحولاً مفاجئًا فيها، ونورد هنا أهم تلك التساؤلات:
– ما هو الهدف من إقامة نقاط المراقبة التركية؟
– ماذا عن المعارضة السورية والإلتزام بالحل السياسي في الوقت الذي لم يلتزم به نظام بشار الأسد فهو ما يزال يعول حتى الآن على الحل والحسم العسكري واعتداءاته على المدنيين لم تتوقف.؟!
– وجود الفاسدين والمشبوهين والمتسلقين أصحاب المصالح الضيقة في المعارضة مما حجَّم دور الفصائل الشريفة وأضعفها و نحَّاها عن لعب أي دور من شأنه إيقاف التشظي والصمود بوجه النظام، وهذا أدى إلى إظهار أن المعارضة السورية والفصائل الثورية مشتتة وغير قادرة على مقارعة النظام. و من ثم تصدر الى إلواجهة أولئك المنبوذين شعبيَّاً الواجهة السياسية والعسكرية للثورة.
– ما هي المهمة الحقيقية للجيش الوطني؟
– وصول المعارضة السورية (العسكرية و السياسية) إلى سوتشي ومن ثم أستانة وشرعنتهم للتفاوض باسم الثورة السورية.؟!
يعتقد الكثيرون أن التحرك التركي نحو المصالحة والتطبيع مع الأسد جاء بعد أن رفضت واشنطن بشكل رسمي مطلب تركيا الخاص بوقف المساعدات العسكرية الأميركية للتنظيمات الكردية المناوئة لتركيا والتي تدعمها الولايات المتحدة بذريعة أنها تقاتل داعش، وبالتالي تهدف تركيا من مصالحة الأسد تنظيف منطقة شمال شرق سورية والخلاص من تلك التنظيمات والتي أهمها وحدات حماية الشعب الكردي وال pkk …كما أن هناك أهدافًا انتخابية، وضمان استمرار حزب العدالة والتنمية، حيث تدرك السياسة التركية مدى أهمية نزع ورقة ضغط اللاجئين السوريين من يد المعارضة التركية للنجاح بالإنتخابات المقبلة.
لكن هذه الأهداف سواء المتعلق منها بتحجيم خطر المليشيات الكردية على الأمن القومي التركي أو المتعلقة بحل أزمة اللاجئين السوريين واستغلالها كورقة رابحة في الإنتخابات القادمة هل تعتبر كافية وفق منطق المصالح، وماذا عن فصائل المعارضة السورية هل تقبل التطبيع أو تقتنع بأنه ستكون هناك عودة آمنة للاجئين مع ضمان عدم التعرُّض الأمني من قبل النظام لهم والقول للمعارضة بأنها جزء مهم من الحل السياسي مع الأسد. ويتضح أن أكثرية الفصائل المدعومة من تركيا إلتزمت الصمت الرسمي، إلا أنه و نتيجة هيجان السوريون في شوارع وبلدات الشمال السوري ورفضهم لأي مقايضة مع الأسد …فقد يكون لتلك الفصائل وجهة نظر تتعارض مع خطوات المصالحة .
أما بالنسبة لباقي الفصائل التي ترفض الحوار مع دمشق فقد تم الإتفاق مع موسكو على تحييدها وفقاً لما كشف عنه لافروف وزير الخارجية الروسي.
هيئة تحرير الشام من جهتها رفضت بشدة عملية التطبيع مع نظام الأسد وأعلنت استنكارها بأن يُقرر مصير الثورة من أجل استحقاقات سياسية تتعارض مع أهداف الثورة. و المجلس الإسلامي السوري بدوره رفض أي خطوات تقارب مع الأسد وأعلن بأنه لن يكون شاهد زور على مشروع تصفية الثورة .!؟
لكن ما هي البدائل الاستراتيجية والسياسية في حال أوقفت خطوات التطبيع مع الأسد ؟
لا نعتقد بأن تركيا ستوقف خطوات التطبيع لأنها ليست آنية كما ذكرنا بل تمتد لعدة سنوات مضت، فهناك بعض البدائل لكن يجب أن يسبقها توجه بالسياسة التركية لتنفيذ وقوفها الى جانب الثورة والسوريين، ومن هذه البدائل:
دعم فصائل الثورة المشهود لها بالنزاهة والثقة الشعبية، لا سيما بعد صدور قانون الكبتاجون الأميركي واعتبار بشار الأسد رسميصا بأنه تاجر مخدرات دولي ، لتحقيق انتصار حاسم يزيح النظام الديكتاتوري في دمشق ويقيم دولة ديمقراطية حليفة لتركيا تكون بمثابة بوابة تدخل من خلالها تركيا إلى الشرق العربي برمته، أو أن تقوم تركيا بتوسيع الحزام الأمني الحدودي في الشمال السوري حتى حلب بحيث يمكن إعادة أعداد كبيرة من المهجرين وبنفس الوقت يضمن الأمن القومي التركي ويخنق المليشيات الكردية ويمنع مشاريعها الإنفصالية ونعتقد أن لتركيا فرصة ذهبية تجاه الثورة السورية وهي استغلال انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية لتحقيق مكاسب لمصلحة الثورة وتحقيق الثقل النوعي للفصائل الثورية لمقارعة الأسد بدلًا من أن تخطب وُدَّه ولمصالحته.!!
أما انعكاسات المصالحة والتطبيع مع نظام الأسد وتأثيرها على واقع السوريين والسيناريوهات المتوقع حدوثها فيمكن إجمالها بالتالي:
– ستأخذ عملية المصالحة وقتاً طويلاً ومن غير المرجَّح أن يغادر السوريون تركيا بسرعة أو قبيل الإنتخابات الرئاسية التركية، كما أن الخلافات السورية التركية لن تزول بالسرعة المُعلن عنها.
– المصالحة ستنقذ نظام الأسد من خطر الإنهيار الإقتصادي التام والإنهيار السياسي أيضًا، وقد يكون لهذه الناحية تأثير كبير قد يفوق الدعمين الروسي والإيراني سيتجلَّى بإعادة الشرعية لنظام الأسد حال طبَّعت معه دولة إقليمية و جارة قوية مثل تركيا التي اعتبرته عدُّوا مجرمًا منذ بدايات الثورة السورية، ووقفت إلى جانب الشعب السوري.
– لن يكون الأسد صادقًا تجاه تركيا بخصوص ضمان استقرار المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الإنفصالية الكردية في حال تم تسليمها له.
– قد يحدث إقتتال فصائلي داخلي بين الفصائل حول مسألة المصالحة .
– قد تنسحب تركيا من منطقة إدلب، وهذا السيناريو إن حدث سيكون له عواقب وخيمة أهمها تهديد حياة المدنيين في الشمال المحرر من خلال عودة القصف اليومي والعمليات العسكرية من قبل المجرم بشار الأسد على القرى والمدن وقد يؤدي ذلك إلى حالة نزوح جماعي معاكس جديد إلى تركيا بدلاً من إعادة اللاجئين الموجودين في تركيا .
– قد تقوم أميركا بالضغط فعليًا وتوقف عملية المصالحة مع الأسد وتقوم بفرض سيناريو آخر يرعى مصالح الولايات المتحدة والمليشيات الكردية وهذا بالتأكيد سيطيل أمد الأزمة و يؤخر حلها.
– قد يتم ضم إدلب لا سيما أن هناك اتجاه جزء كبير من السوريين لتفضيل الإنضواء تحت الحكم التركي بدلًا من العودة لحكم الأسد. وذلك بالرغم من التأكيدات التركية الكثيرة حول عدم وجود أية أطماع لها في الأرض السورية.
– لا يمكن التنبؤ القطعي بمصير الجيش الوطني. لكن من الممكن أن يطلب منه الإندماج مع جيش النظام بعد تحقيق ضمانات معينة يُتفق عليها مع نظام الأسد.
– قد يتم تشكيل جبهة ثورية من الفصائل الرافضة للتطبيع مع الأسد لقتال الأخير ومحاولة منعه من التقدم عسكريًا تجاه المناطق المحررة ومن المرجح أن تكون بقيادة هيئة تحرير الشام.
– الإحتمال الأخير هو أن كل السيناريوهات المذكورة قد تتغير كلياً أو جزئيا بعد الانتخابات التركية، وقد يكون التقارب سياسة إنتخابية كما يعتقد البعض ولن يُترجم إلى واقع. و لا بد من الإشارة هنا أننا هنا نقدر دور الدولة التركية ونحترم قراراتها كدولة جارة تربطنا بها علاقات تاريخية ودينية مميزة إضافة، إلى أنها استضافت السوريين وقدمت لهم الكثير من العون، لا سيما في المجالات الإنسانية والإجتماعية والتعليمية والطبية…لكننا جنحنا إلى الواقعية والابتعاد عن العاطفة، فلا شك أن تركيا تتعرض لضغوط دولية وتمر بظروف معقدة ومن حقها أن تعالجها وفق مصالحها و أمنها القومي بالطريقة التي تراها مناسبة لها كأن تصالح أو تعادي. وأيضًا من حقها أن تبني أمجادها، لكن تضحيات السوريين كبيرة ودماءهم ومستقبلهم السياسي على المحك ومازالت حقوقهم مشروعة بإسقاط النظام الديكتاتوري وإقامة دولة العدل و الحرية .
لذلك نرى أنه يجب أن يكون لفصائل الثورة والمعارضة خطط بديلة سياسية وعسكرية استراتيجية تؤهلها وتمكنها من التحرك في المرحلة القادمة وأن تتوحد وتُعد عدة المواجهة المحتملة مع نظام الأسد وأن تعمل على استقلال قراراتها وإرادتها الثورية والوطنية .
المصدر: اشراق