كارثة كبرى ألمت بالشعبين الشقيقين السوري والتركي. فكانت من أكبر الكوارث التي مرت على المنطقة برمتها. وقد جاءت هذه المأساة وتركت بعد ذلك آثارها موتًا ودمارًا وإعاقة، وخسارات اقتصادية، فاقت كل حد، وتركت السوريين والأتراك في أوضاع لايحسدون عليها.
لكن ماجرى وما تبدى من تعاون بين الشعبين التركي والسوري، واستمرار تحرك الطواقم الإنقاذية في الجنوب التركي من أتراك وسوريين جعل من الكارثة ذات بعد آخر، ووحد الجميع، ورسم خرائط للمستقبل لم يكن يتصورها أحد. وكان قد هب العالم العربي والإسلامي والمعولم لنجدة المتعرضين للزلزال في الشمال السوري، كما في ١٠ ولايات من جنوب تركيا. وأظهر ذلك للعالم أجمع قدرة الشعوب على التصدي للكوارث عندما تتضافر الجهود وتتوحد، حيث تفعل الكثير وتبني مداميك بنيانية غاية في الجمال، للإتكاء عليها نحو مستقبل أكثر إشراقًا يساهم في الحالة الاندماجية ضمن مستقبل سوري تركي لابد مشترك، وينهل من معين نهر من العلاقات المنجدلة فيما بينها، عبر إشادة البناء العصري الجديد بمساحاته الأوسع والأرحب.
لقد عرف الشعب السوري وكذلك التركي أن الآلام تجمع الشعوب، وتُنتج حالة من العطاء غير مسبوقة وغير متوقعة، في ظروف سابقة، كان يظن البعض أنها قد مضت وانقضت.
لم يكن الزلزال الذي وقع صبيحة ٦ شباط / فبراير ٢٠٢٣ ذو بعد كارثي فحسب، ولا كان ألمًا جسديًا ونفسيًا فقط، بل استطاع تحويله الأتراك والسوريين كي يكون مجالًا رحبًا للعطاء والبذل والدفع بقيم أخلاقية يؤثر فيها الناس على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة. فقد وجدناه واقعًا معاشًا تعلمنا منه الدروس كيف يمكن للشعوب أن تتعارف، وتتفاعل وتبني لنفسها مسارات واتساقات تعيد الأمل للبشر بغدٍ أفضل. وهو مالمسه القاصي والداني مع انخراط الجميع شبابًا وشيوخًا، نساءً وأطفالًا في عمليات الإنقاذ وال‘خلاء بالتعاون مع المؤسسات الأكثر عطاء، والتي بينت مدى وجود مؤسسات جدية متكاتفة، تؤمن بالعمل الجماعي، ولاتتنكر لحاضرها ولا لتاريخها.
الزلزال/ الكارثة أظهر العمق والبعد المندرج في أتون الفعل الحاضر والفاعل. وحيث تتلاحق الكوارث والمصائب على السوريين، يبقى الله جل في علاه هو الملاذ والحق القيوم. ومازال السوريون متعلقون بالخلاص منه وحده، في ظل حالة الفوات وعدم الاكتراث العالمي بمصائر السوريين، وهو ما لاحظناه خلال هذه المأساة والأزمة الكارثية التي حاقت بالسوريين في الشمال، حيث لا مسعف ولامنجد لهم إلا الله، ومن ثم إرادتهم التي لاتلين، وقدرة أثبتت الأحداث قوة إرادة وصبر الشعب السوري على تحمل ومواجهة الكارثة الزلزالية وسواها، مما لحق بهم عن طريق نظام الفجور الأسدي وإهمال العالم وتخليه، وانشغاله تارة بأوكرانيا وأخرى بمصالح لاترقى أبدًا إلى مستوى معاناة السوريين، بعد مايقرب من ١٢ عامًا من القهر والعسف والنازية الاستبدادية الطغيانية من قبل نظام مجرم، فبدلًا من أن يقف إنسانيًا إلى جانب شعبه (المفترض) في الشمال راح يقصف مدينة مارع وأماكن أخرى، بينما الناس تلملم جراحاتها وتسحب أبناءها من تحت الركام. جراء الزلزال، وهو الذي لا يحسب أي حساب للإنسانية والقيم.
رحم الله من قضى في كارثة الزلزال من أتراك وسوريين. ولامفر أمامنا نحن السوريون من العودة والتمسك بأساسات الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة، وكنس الاستبداد المدعوم إيرانيًا وروسيًا.
المصدر: إشراق