د-محمد مروان الخطيب
لم يكن السادس من شباط /فبراير الماضي يوماً عادياً في حياة السوريين والأتراك، بل كان يوماً مفصلياً، بحيث يمكننا القول بأن الحياة قبل الزلزال في كلا البلدين لم تعد كما قبله. فالزلزال الذي ضرب عشرة ولايات في جنوب تركيا وأربعة محافظات في شمال سورية، والذي لم تهدأ الهزات الارتدادية له حتى اللحظة، أدى إلى إزالة نسب كبيرة من المدن التركية التي آوت العديد من اللاجئين السوريين، وأودت بحياة العديد من العائلات، وشردت الكثير من عائلات أخرى، وأودى بخسائر فادحة لم يتبيّن كامل حجمها بعد. ففي سورية وحدها، تضرّر أكثر من 9 ملايين شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة، في حين تجاوز عدد الوفيات 6 آلاف شخص والرقم في تزايد مستمر، وأصبح الوضع الإنساني في شمالي غربي سورية سيئ جداً حيث يعتمد 4.1 مليون شخص على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة.
ففي ناحية جنديرس التابعة لمنطقة عفرين في محافظة حلب والتي كان يقطنها قبل الثورة حوالي 38 ألف نسمة، وبلغ عدد سكانها قبل الزلزال 115 ألف نسمة، بلغ عدد الوفيات فيها 1110 أشخاص، وتدمر فيها 278 مبنى بالكامل مما يعكس حجم المأساة الحقيقية من نزوح جديد وتهجير جديد خلفته الطبيعة بعد أن استراح المهجرون من عصابات الأسد وداعميه. فالمنطقة الشمالية الغربية من سورية تعاني من اكتظاظ سكاني كبير بالمهجرين قسرياً من مناطق أخرى، وبسبب استهداف البنية التحتية والمراكز الحيوية في هذه المناطق وعلى مدى سنوات من قبل هذه العصابات وحليفيها الروسي والإيراني، كان لوقع الزلزال في هذه المنطقة أكبر وأكثر مأساوية حيث أحصى الدفاع المدني السوري 2247 وفاة. ومع تواصل الهزات الارتدادية وتصدع مزيد من المنازل، تزداد الحاجة للمساعدات الإغاثية العاجلة في ظل وضع اقتصادي منهار.
التقارير الأخيرة للأمم المتحدة قدرت الحاجة لهذا الشتاء لنحو 4.5 مليون شخص في سورية، بزيادة 12 بالمئة عن العام السابق بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، ومع ذلك فإن المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة لم تصل إلى الشمال السوري خلال الخمسة أيام الأولى بعد الزلزال مما حدى بوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث للتصريح “لقد خذلنا سكان شمال غربي سورية، وهم محقون في شعورهم بالتخلي عنهم”. في وقت تعاني فيه المنطقة من أزمة إنسانية حادة بسبب عرقلة روسيا لدخول المساعدات من معبر باب الهوى. والمتابع لسير الاستجابة الدولية لما حدث، يلحظ الفشل الذريع لوكالات الأمم المتحدة في الاستجابة للكارثة، ويتمثل ذلك أيضاً في تأخر الأمين العام للأمم المتحدة في استخدام سلطته لفتح المعابر لإدخال المساعدات إلى المناطق المتضررة، وإتاحة المجال لزعيم عصابات الأسد باستخدام مأساة الزلزال لإعادة الانضمام إلى المجتمع الدولي.
وإن كان رد الفعل الأولي لمعظم الدول، هو التعاطف مع الشعبين السوري والتركي أمام هذه الكارثة الإنسانية، إذ إنه كان صعباً على أي عاصمة أن تأخذ موقفاً متعاطفاً مع أنقرة في شكلٍ منعزل عن موقفها من دمشق، مع أن الإشكالية كانت أن الاعتراف السياسي الدولي الموجود إزاء الحكومة التركية، ليس موجوداً بالقدر نفسه إزاء عصابات الأسد. وبناءً عليه فقد وصلت قرابة 223 طائرة محملة بأطنان من المساعدات الإنسانية إلى المطارات الخاضعة لعصابات الأسد منذ وقوع الزلزال المدمر في السادس من شباط /فبراير الجاري، فيما تُتهم هذه العصابات بسرقة تلك المساعدات وتوزيعها على المليشيات التابعة والموالية لها، علماً بأن طائرات الشحن هذه مقدمة من 28 دولة، فيما بلغت المساعدات الإنسانية الواصلة عبر الطرق البرية والبحرية 324 شحنة وإجمالي المساعدات الإنسانية الواصلة حتى الآن 21.500 طناً.
وقد قامت عصابات الأسد بالتلاعب بالمسؤولين الأمميين والدوليين من خلال إدراج المناطق المتضررة من العمليات العسكرية السابقة على أنها متضررة من الزلزال الأخير، وهذا ما لوحظ من خلال مئات المقاطع المصورة، وتصريحات بعض المسؤولين الأمميين أبرزها الصحة العالمية. علماً بأنَّ نهب عصابات الأسد للمساعدات الأممية والدولية مثبت في كمٍّ كبير من التقارير الحقوقية الدولية والمحلية، ولم يعد موضع جدل، بل أصبح سياسة مدروسة، حيث أسست العصابة عبر الأجهزة الأمنية إطاراً محدداً لها يجعل من شبه المستحيل على المنظمات الأممية والدولية العمل خارجه، حيث شكلت اللجنة العليا للإغاثة القبضة الأمنية والحكومية على المساعدات الإنسانية، ولم ترفع اللجنة العليا للإغاثة في سورية أياً من القيود الأمنية على العمليات الإنسانية التي تستجيب للزلزال بل على العكس وصلت أخبار عن اعتقالات طالت الكوادر الإنسانية التطوعية، وعمليات بيع للمساعدات من قبل مقربين من الأجهزة الأمنية.
وفي خضم هذه المأساة الجديدة التي دخل فيها السوريون مجدداً، وفي محاولة من قبل السلطات التركية لتخفيف الضغط على مراكز الإيواء داخل تركيا، تم تفعيل إجازات يقضيها السوريون اللاجئين إلى تركيا في الداخل السوري، تمتد من شهر إلى ستة أشهر. وإن كان الكثير من السوريين يفضلون هذا الدخول المؤقت بسبب حجم الدمار الكبير في الولايات التركية التي كانوا يقطنون فيها، إضافة إلى تجنب تعرضهم للحملات العنصرية التي ظهرت في بعض تلك المناطق، وعدم مقدرة القسم الأكبر منهم على تدبر تكاليف الحياة والتنقل أو تأسيس منازل جديدة، في انتظار معرفة ماذا سيقدم المجتمع الدولي، والدول التي تدعم ملف اللاجئين السوريين في تركيا وسبل تعويضهم.
ومن نتائج هذا الزلزال أنه قد أنهى بكل تفاعلاته أدوار كيانات المعارضة وفصائلها المسلحة الغائبة أساساً عن أي مشاركةٍ شعبيةٍ، ما يترك السوريين في المناطق المنكوبة على قارعة الطريق، أو في مهبّ الريح، فلا هم على أرضهم، ولا هم ضمن جزئية التفاوض عليهم في العلاقة المستحدثة بين عصابات الأسد ومجموع الدول المؤثرة، ومنها تركيا الحاضنة لكيانات المعارضة، والتي تتعلق قراراتها النهائية بتعافيها من جراحها، أو التقاطها أنفاسها، وربما انتظار فترة ما بعد الانتخابات، إن جرت في موعدها. ولكن يفترض بالنخب السورية أن تستوعب الدرس، وتأخذ زمام المبادرة لتشكيل حامل شعبي يعيد التوازن الذي فقدته الثورة في السنوات الأخيرة، عسى أن لا تضيع دماء الشهداء سدىً.
المصدر: اشراق