فوزي السهلي
في البداية لا بد وضع السودان تحت المجهر الإلكتروني بمحتوياته بحيث يسمح للجميع من رؤية تفاصيل الوقائع في السودان الذي كان تحت الاحتلال البريطاني في بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه وبعد ذلك بقليل وفي ظل تصاعد نمو الفكر القومي في المنطقة فقد منحت بريطانيا السودان حكما ذاتيا في عام 1953 م تم على أثره إعلان الاستقلال في( 1 يناير/ كانون الثاني عام 1956 م ) حيث حكمت السودان بعدها مجموعة من الحكومات البرلمانية غير المستقرة ولعل حكم الرثيس جعفر النميري العسكرتاري الذي قام بتعديل الدستور وإدخال التشريع الإسلامي إلى القضاء بالقوة مما أدى إلى تفاقم الخلاف بين الشمال السوداني المسلم والجنوب ذو الغالبية المسيحية حيث أدى الاختلاف في اللغة والدين والسلطات السياسية إلى حرب أهلية بين القوات الحكومية التي دعمت بشدة الجبهة الإسلامية الوطنية في مواجهة المتمردين في الجنوب حيث شكلوا جيش التحرير الشعبي السوداني وقد أدت هذه الحرب في نهاية المطاف إلى استقلال جنوب السودان في ( 9/7/2011 ) م . ودون أدنى شك فإن الديكتاتورية العسكرتارية التي قام بها الرثيس عمر البشير على مدار ثلاثين عاما ( 1989 – 2019 ) م في منطقة دارفور ومناطق أخرى بزعامة الجنرال حميدتي حيث تم اتهام الرئيس عمر البشير بالابادة الجماعية التي خلفت وراءها حوالي نصف مليون قتيل .بعد ذلك اندلعت في عموم السودان احتجاجات شعبية طالبت بإسقاط نظام عمر البشير والتي نجحت في ( 11/4/2019 ) م من الإطاحة بحكم البشير من قبل الشعب السوداني . تشكل بعد نجاح الثورة وبعد تدخل الكيان العسكري ما يسمى مجلس السيادة السوداني وهو الجهة الموكل إليها الإشراف على إنجاح المرحلة الانتقالية في السودان جاء ذلك على إثر الاتفاق بين تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي حيث تم الاتفاق على الاختيار ( 5 – 5 – 1 ) واتفق الجانبان على أن هذا المجلس هو برئاسة عبد الفتاح البرهان . وتشير تقارير صحافية كثيرة إلى الأسباب الحقيقية الخفية في الحرب الضارية الدائرة بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال الانقلابي التطبيعي البرهان ورديفته قوات الدعم السريع بقيادة زميله وحليفة محمد حمدان دقلو ” حميدتي ” المتهم بارتكاب مجازر دارفور في زمن حكم الديكتاتور عمر البشير ومتهم بمجزرة مقر القيادة العامة بحق المتظاهرين العزل في ( 3/6/2019 ) م والتي راح ضحيتها قرابة 120 قتيلا ألقيت جثثهم في نهر النيل .
وكما هو معلوم أن قوات حميدتي تسيطر على مناجم الذهب في جبل عامر في دارفور وثلاثة مناجم أخرى من السودان حيث ان أن دولة الإمارات العربية كانت قد استوردت أكثر من تسعين بالمئة من هذا الذهب وبطريقة التهريب غالبا ودون علم الحكومة السودانية المركزية . وكان البرهان وحميدتي كلاهما من حلفاء الدكتاتور عمر البشير سابقا قبل أن ينقلبوا عليه بهدف قطع مسار الانتفاضة الشعبية ضد نظامه وتفريغها من محتواها الثوري الاجتماعي ، وإن البشير نفسه هو الذي أطلق يد حليفه حميدتي في تهريب وبيع الذهب عن طريق شركة خاصة تملكها عائلة حميدتي وقد أكدت العديد من وكالات الأنباء بوجود عمليات تهريب للذهب من أفريقيا تقدر بمليارات الدولارات سنويا عن طريق الإمارات التي تعتبر بوابة لتهريب ثروات شعوب أفريقيا وخصوصا في السودان وليبيا إلى أوروبا .
حيث انه في النصف الأول من عام 2018 أنتج في السودان 63 طنا من الذهب اشترى بنك السودان الحكومي منها ثمانية أطنان فقط بأقل من سعر السوق وتم تهريب ما تبقى . وفي عام 2015 استوردت الإمارات سبعين طنا من الذهب السوداني كما قال وزير الصناعة والتجارة السوداني نفسه عن طريق عدد من شركات التعدين حيث يوجد 243 شركة استخراج للذهب منها إحدى عشرة شركة امتياز ، إلى جانب الآلاف من الأفراد الباحثين عن الذهب .
هذا وقد بلغ الناتج السوداني السنوي من الذهب بحسب أرقام الحكومة يتراوح بين 90 و 120 طنا من الذهب أما حسب أرقام الشركات المنتجة فهو يتراوح بين 230 و 240 طنا .
أما عن الصمغ العربي غالي الثمن والذي استثنته الولايات المتحدة من حصارها ضد السودان لمدة عشرين عاما نظرا لأهميته الطبية والغذائية . فمساحة زراعة الصمغ العربي تقدر 500 الف كيلو متر مربع ما يعادل ثلث مساحة السودان .
– ينتج السودان ما يقرب من 75% من الإنتاج العالمي على الرغم انه لا يستغل سوى 10% عشرة بالمئة من الغابات المنتجة لهذه المادة .
ففي عام 2016 بلغ انتاج السودان من الصمغ العربي 105 آلاف طن هرب منها 40 الف طنا كما يهرب الذهب ، وما تبقى صدر عن طريق القنوات الرسمية بقيمة 120 مليون دولار . وهذا من 10% عشرة بالمائة فقط من الغابات فكم سيكون المبلغ لو أنتج السودان هذه المادة من 100% على كامل المساحة الافتراضية ؟
إضافة الى ان السوداني يعتبر صاحب ثالث احتياطي في مادة اليورانيوم الخام الداخلة في صناعة الأسلحة النووية ويصل إلى 1.5 م طن حسب أرقام غير رسمية. ويوجد هذا المعدن في دارفور وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق والبطانة وولاية البحر الأحمر .
هذا من حيث الاستثمارات التي يعتبرها البعض سماسرة اللبرالية الجديدة خشبة خلاص الاقتصاد في أية دولة تدخلها فيبدو انها زادت من إفقار السودان وشعبه ، ومن الدول صاحبة هذه الاستثمارات الأجنبية نذكر الصين وتركيا وقطر والسعودية والإمارات بما قيمته 74 مليار دولار حتى عام 2017 م . أما النتيجة فكانت ارتفاع الدين الخارجي على السودان 56 مليار دولار ، وبلغ التضخم الاقتصادي 89% وفقدت العملة السودانية قيمتها ما اضطر الحكومة في 2021 م الى تعويم عملتها الوطنية جزئيا ، فأدى ذلك إلى ارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من 568 جنيها حاليا مقابل 55 جنيها، وهو السعر الرسمي قبل التعويم!
في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن هناك الكثير من الصور غير الواضحة في هذه الحرب التي تم الإعلان عنها .حيث ان السيناريو الموضوع لمثل هذه الحرب خاصة بعد تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني فمن المحتمل أن الكيان الصهيوني افتعل هذه الحرب حتى لا يتم دفع مستحقات عملية الانتقال إلى حكومة مدنية وهذا يشكل خطرا حقيقيا على مسيرة عملية التطبيع ويعرقلها . فهذه الحرب قد تم الاتفاق عليها تماما وخاصة امريكيا والكيان الصهيوني ودول أوروبا الغربية حيث أن هناك إجماع بين هذه الأطراف على أن السودان ليس معينا بهذا التغيير لأنها تضر بمصلحة هذه الأطراف المعنية وان العسكر بقيادة جنرالات التطبيع مع الكيان الصهيوني عبد الفتاح البرهان و محمد حمدان حميدتي وبحكم سيطرتهما على الجيش السوداني فإن عليهما تخريب مشروع الثورة السودانية ولو بقوة السلاح وهذا يظهر بوضوح إخلاء سبيل الرئيس عمر البشير من السجن وكل الطاقم الرئاسي الذي تم الانقلاب عليه من قبل الثورة والاشاعة بعودتهما إلى رأس الحكومة مرة أخرى وفي ذلك مؤشرات خطيرة فالثورة السودانية التي سيطر عليها الطغمة العسكرية لفترة وجيزة أصبحت رهينة الاستبداد والاضطهاد والقوة العسكرية وان جميع الأحداث والوقائع الأخرى من دمار وقصف وقتل واجلاء طواقم ديبلوماسية هي مجرد أرقام وأوهام والحقيقة أن هناك طغمة عسكرية حاكمة لا تريد أن تدفع للثورة مستحقاتها وفي ذلك خيانة لما تم الاتفاق عليه لكن الوعود لا تحمي المغفلين … للاسف الشديد .