عماد كركص
ازداد التصعيد التركي المستمر منذ يومين حدّة، ليل أمس الخميس، بقصف عدد من المواقع شمال وشرق سورية، تتبع في معظمها لـ “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، وذلك بعد تلويح أنقرة بخيارات عسكرية، تزامناً مع إعلانها أن منفذي الهجوم الذي استهدف مديرية الأمن التابعة لوزارة الداخلية في العاصمة دخلا إلى الأراضي التركية عبر سورية، في إشارة إلى تورط “قسد” بتسهيل هذا الدخول.
وتعتبر أنقرة “قسد” ذراعاً سورية لـ”حزب العمال الكردستاني” الذي تبنى تنفيذ الهجوم.
وتفتح الضربات التي نفذتها تركيا في مناطق سيطرة “قسد” في شمال وشرق سورية الباب لإمكانية التصادم بين القوات التركية والأميركية، خصوصاً أن الأخيرة تنتشر في بعض مواقع إنتاج الطاقة، كحقول النفط، وزادت المخاوف بعد إعلان التحالف الدولي إسقاط مسيرة تركية، أمس الخميس.
تركيا قالت، اليوم الجمعة، إن عمليات القوات التركية في سورية لم تتأثر من حادثة فقدان إحدى طائراتها المسيرة. وجاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية أشار إلى أنه “خلال العملية، فُقدت طائرة بدون طيار بسبب التقييمات الفنية المختلفة خلال تشغيل آلية فك الاشتباك مع أطراف ثالثة”، وأكدت “اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تشغيل آلية فك الاشتباك مع الأطراف المعنية بفعالية أكبر”.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قالت، في بيان يوم أمس: “نقف مع تركيا في حربها ضد الإرهاب، لكن طلبنا منها تنسيق عملياتها معنا في سورية”.
وقال مصدر أمني في “قسد”، مقرب من التحالف الدولي، إن من أسقط المسيرة التركية ضابط من القوات البريطانية العاملة ضمن قوات التحالف الدولي.
وأضاف المصدر لـ”العربي الجديد” أن العسكري البريطاني ظن أن “المسيرة في طريقها لاستهداف قائد قوات (قسد) مظلوم عبدي في منطقة “استراحة الوزير” شمالي مدينة الحسكة، فتصرف من تلقاء نفسه دون الرجوع إلى قيادته”.
ولم يتسنّ لـ”العربي الجديد” التحقق من المعلومة من جهة أخرى.
إلى ذلك، نقلت وكالة “الأناضول” التركية، اليوم الجمعة، أن وزير الدفاع التركي يشار غولر، ونظيره الأميركي لويد أوستن، بحثا الأوضاع في سورية في اتصال هاتفي، وأكد الجانبان “أهمية التنسيق الوثيق” بين القوات التركية والأميركية في المنطقة.
وأضافت الوكالة أن رئيس هيئة الأركان التركي الجنرال متين غوراك، ونظيره الأميركي الجنرال تشارلز براون، بحثا مساء الخميس التطورات الراهنة في اتصال هاتفي.
“اتهامات لا أساس لها”
“قسد” وحزب الاتحاد الديمقراطي، اللذان يشكلان أساس الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، يصران أن لا علاقة لهما بهجوم أنقرة أو أي هجمات أخرى، متهمين أنقرة بـ”البحث عن ذريعة للتوسع” شمال شرقي سورية.
ويقول عضو الهيئة التنفيذية لـ”الاتحاد الديمقراطي” سيهانوك ديبو، أن “المزاعم والحجج التي تروجها أنقرة لا أساس لها، ونرفضها كلياً، والجميع يعلم ويدرك ذلك، فلا نحتاج إلى مزاعم تركيا التي تحتل أكثر من 10% من الجغرافية السورية، وعينها على كامل الشمال السوري، وفق ما تسميه بـ”الميثاق الملي””، وفق تعبيره.
وأضاف ديبو، في حديثه لـ”العربي الجديد” ، أن “اتهامات تركيا في غير محلها وتفتقد المصداقية، والإدارة الذاتية ليست خطراً على أمن أي بلد، وهي إحدى أهم الحلول الواقعية للأزمة السورية؛ كما أن “قوات سورية الديمقراطية” في نظر المعمورة رمز عالمي ضد الإرهاب؛ لكن إصرار أنقرة على مزاعمها يقدم فرصة ثمينة لـ”داعش””، بحسب تصريحه.
قنوات دبلوماسية
من جهته، توقع المحلل السياسي التركي طه عودة أوغلو أن تتصاعد الضربات التركية أكثر في سورية خلال الساعات والأيام القادمة، مشيراً لـ”العربي الجديد” إلى أن الرئاسة التركية “قدمت للبرلمان مذكرة من أجل تمديد عمل القوات التركية في كل من سورية والعراق، ومن المتوقع أن يوافق عليها البرلمان، يوم الثلاثاء القادم، وهذا يعني مزيداً من خيارات التصعيد”.
ونبه عودة أوغلو إلى أن “أنقرة ما زالت تفتح خطوط الدبلوماسية مع الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، وتابعنا خلال الساعات الماضية الاتصالات بين واشنطن وأنقرة، فواشنطن تريد أن تبقى المشكلة محصورة بحزب العمال الكردستاني مع إبداء تضامنها مع تركيا، وتريد أن تحيّد “قسد” عن المشهد، لكن أنقرة تصر على أن “قسد” ذراع لحزب العمال وتجد هذه فرصة لتحجيمها، سيما أن “قسد” تعيش مشاكل داخلية بعد انتفاضة العشائر العربية مؤخراً في محافظة دير الزور”.
وأشار المحلل السياسي التركي إلى أن “واشنطن حالياً في وضع حرج مع “قسد” من جهة، ومع الحكومة التركية من جهة أخرى، لكن في النهاية ستلجأ الحكومة التركية إلى حسابات كثيرة قبل المضي أكثر في التصعيد داخل سورية، وضد “قسد” تحديداً، وأعتقد أن العامل الاقتصادي سيحكم القرارات المقبلة، فالحكومة تريد انتعاشاً اقتصادياً قبل الانتخابات البلدية ربيع العام المقبل، وليست بوارد أن تضع نفسها تحت ضغوطات التأثير على الاقتصاد التركي من الخارج، في حال كان هناك خلاف مع واشنطن حيال التوغل في سورية”.
من جهة أخرى، يشير الباحث السياسي والخبير في شؤون الطاقة، سعد الشارع، أن “موجة الضربات التركية الأخيرة انتقلت إلى مستوى مختلف، فبعد أن كانت الضربات تستهدف المواقع والعربات والقيادات أو العناصر، فهي اليوم تستهدف المناهل المالية التي يستفيد منها حزب العمال، والحديث هنا عن آبار وحقول النفط”، بحسب تعبيره.
وأضاف الشارع لـ”العربي الجديد” أن “القوات الأميركية تستغل بعض المواقع النفطية في شرق وشمال سورية كنقاط ارتكاز أو قواعد عسكرية، لكن ليس كل المواقع النفطية التي يستفيد منها حزب العمال الكردستاني أو “قسد” تنتشر أو تتواجد فيها قوات أميركية، فنحو 10% فقط من تلك المواقع تنتشر فيها القوات الأميركية أو قوات التحالف الدولي أو على مقربة منها، وبالتالي لا أعتقد أنه إذا استمرت تركيا في التصعيد فستواجه مشكلة صدام مع تلك القوات، فالأمر سيخضع لكثير من التفاهمات بين أنقرة وواشنطن”.
وختم الباحث باعتقاده أن “إسقاط المسيرة التركية، يوم أمس، سيجعل خطوط التفاهم والتنسيق مفتوحة بينهما، سيما أن الطرفين حلفاء في (ناتو) وتجمعهما ملفات عدة في سورية وخارجها”.
المصدر: العربي الجديد