تقارير
في الوقت الذي لا يزال فيه العالم يحاول التعافي من نوبة التضخم التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، هناك تداعيات اقتصادية جديدة تلوح في الأفق، جراء الصراع الحالي بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، والذي دخل منعطفا خطيرا باستعداد جيش الاحتلال إلى اجتياح بري لغزة، ودخول محتمل لأطراف إقليمية إلى الصراع، وصولا إلى إمكانية تفجر حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران.
ووفقا للمعطيات السابقة، توقعت وكالة “بلومبرج إيكونوميكس” ثلاثة احتمالات للمواجهة خلال الفترة المقبلة، وعلى أساس تلك الاحتمالات رسمت سيناريوهات اقتصادية تتعلق بأسعار النفط العالمية، وأثرها على النمو العالمي والتضخم.
السيناريو الأول: حرب محصورة داخل الأراضي الفلسطينية
يفترض هذا السيناريو أن تظل الأعمال العدائية محصورة إلى حد كبير في غزة وإسرائيل.
هنا، تتوقع “بلومبرج إيكونوميكس”، أن يكون التأثير على الاقتصاد العالمي وفق هذا السيناريو ضئيلاً، خاصة إذا قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتعويض النفط الإيراني المفقود باستخدام طاقتهما الاحتياطية.
السيناريو الثاني: حرب بالوكالة
يفترض هذا السيناريو توسع الصراع إلى الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا التي تستضيف جماعات مسلحة قوية تدعمها طهران؛ مما يحوّلها بشكل أساسي إلى حرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران.
هنا، سترتفع التكلفة الاقتصادية، وفقا للوكالة الأمريكية، حيث تتوقع أن يرتفع سعر النفط بنسبة 10% إلى نحو 94 دولاراً، وهو أعلى من الصعود الذي قد ينتج عن السيناريو الأول (اقتصار الصراع على غزة).
أيضا، قد يكون هناك ارتفاع مقداره ثماني نقاط بمؤشر التقلب (يُعرف أيضاً بمؤشر الخوف “VIX”)، وهو مقياس يُستخدم على نطاق واسع للنفور من المخاطرة.
سيؤدي هذا إلى فقدان النمو العالمي 0.3 نقطة مئوية العام المقبل؛ ليصل حجم الناتج المفقود إلى 300 مليار دولار. ومن شأن ذلك أن يبطئ وتيرة النمو إلى 2.4%.
وباستبعاد أزمة كوفيد 2020 والركود العالمي في 2009، سيكون هذا أضعف نمو منذ ثلاثة عقود، كما تقول الوكالة.
ويمكن أن تتصاعد التوترات أيضاً في المنطقة الأوسع. خاصة أن مصر ولبنان وتونس تمر بحالة ركود اقتصادي وسياسي، كما أن رد إسرائيل على هجوم “حماس” قد يثير احتجاجات.
وتجدر الإشارة إلى أنه في الشارع العربي، فالخط الفاصل بين المسيرات المناهضة لإسرائيل والاضطرابات المناهضة للحكومة رفيع للغاية. وبالتالي فإن تكرار الربيع العربي –موجة الاحتجاجات والتمرد التي أطاحت بالحكومات في أوائل 2010– ليس مستبعداً، بحسب الوكالة.
السيناريو الثالث: حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل
وفق هذا السيناريو، يحدث تصعيد مباشر بين “العدوين الإقليمين اللدودين”، بحسب وصف الوكالة.
ورغم أن ذلك السيناريو منخفض الاحتمال، لكنه خطير، كما تقول “بلومبرج إيكونوميكس”.
في حالة المواجهة بين إسرائيل وإيران، من المرجح أن تسعى طهران إلى تفعيل كامل شبكتها من حلفائها في سوريا والعراق واليمن والبحرين. و”سيكون أمامها قائمة طويلة من الأهداف الغربية الصعبة والسهلة في المنطقة للاختيار من بينها”.
ووفق هذا السيناريو، فإن تزايد التوترات بين القوى العظمى من شأنه أن يزيد من الاضطرابات المتداخلة. فالولايات المتحدة حليف وثيق لإسرائيل، في حين تعمل الصين وروسيا على تعميق العلاقات مع إيران. يشعر المسؤولون الغربيون بالقلق من أن الصين وروسيا سوف تستغلان الصراع لتحويل الانتباه والموارد العسكرية عن أجزاء أخرى من العالم.
ومع حقيقة أن نحو خُمس إمدادات النفط العالمية تأتي من منطقة الخليج، فإن الأسعار سترتفع بشكل كبير. تكرار الهجوم على منشآت “أرامكو” من قبل المجموعات المسلحة الموالية لإيران مثلما حدث عام 2019، ما أدى إلى انقطاع ما يقرب من نصف إمدادات النفط السعودية، ليس أمراً مستبعداً.
سيناريو 1973
لكن التقرير يستبعد أن يتضاعف سعر النفط الخام أربع مرات، كما حدث عام 1973 عندما فرضت الدول العربية حظراً على النفط رداً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حرب أكتوبر. ولكن إذا تبادلت إسرائيل وإيران إطلاق الصواريخ، فقد ترتفع أسعار النفط إلى مستويات تماثل الفترة التي أعقبت غزو العراق للكويت عام 1990. وحيث إن أسعار النفط حالياً أعلى كثيراً، فإن ارتفاعاً بهذا الحجم قد يصعد بالأسعار إلى 150 دولاراً للبرميل.
من جانب آخر، لن تتمكن الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى السعودية والإمارات من إنقاذ الموقف في حال قررت إيران إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره خُمس إمدادات النفط العالمية يومياً. كما سيتضاعف العزوف عن المخاطرة في الأسواق المالية، بقدر ما حدث عام 1990، أي بارتفاع يوازي 16 نقطة في مؤشر الخوف (VIX).
وبجمع هذه الأرقام، يتوقع النموذج الإحصائي لـ”بلومبرغ إيكونوميكس” انخفاض النمو العالمي بمقدار نقطة مئوية واحدة في 2024 ليصل إلى 1.7%.
ومع استبعاد صدمات جائحة كوفيد والأزمة المالية العالمية، فإن هذا سيمثل أسوأ نمو منذ 1982، وهي الفترة التي رفع فيها الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لاحتواء التضخم الناتج عن الصدمة النفطية خلال السبعينيات.
إضافةً إلى ذلك، فصدمة نفطية بهذا الحجم من شأنها أن تعرقل الجهود العالمية لكبح جماح الأسعار، ما يترك معدل التضخم العالمي عند 6.7% العام المقبل.
المصدر: الخليج الجديد