أدهم مناصرة
“حدث دراماتيكي”، “تاريخي جداً”، “في 7 أكتوبر احتفل بمذبحة الغلاف.. واليوم تم القضاء عليه”.. هذه أبرز عناوين الإعلام العبري المرئي والمكتوب في معرض تناوله لخبر اغتيال نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري في استهداف لمكتبه في الضاحية الجنوبية ببيروت.
وتعددت القراءات الإعلامية الإسرائيلية لواقعة اغتيال العاروري، بوصفه “صيداً ثميناً لإسرائيل”، رغم أن الاحتلال التزم الصمت، ولم يعلن رسمياً مسؤوليته عن الاغتيال، لكن الفاعل معلوم لجميع الأطراف.
وسيلة للحرب الواسعة
ورصدت “المدن” إفادة للمراسل العسكري لتلفزيون “مكان” العبري، إيال عاليما، مفادها أن القيادة العسكرية الإسرائيلية عندما اتخذت القرار، درست كل الاحتمالات والافتراضات مسبقاً، مشيراً إلى أن افتراضها الأوليّ عند اتخاذها قراراً باغتيال العاروري، هو أنّ حزب الله لن يتجه إلى تصعيد واسع، وإن فعل ذلك وصعّد، فإن “إسرائيل تعتبرها فرصة للتخلص من تهديد الجبهة الشمالية”.
الواقع أن ما قاله إيال ليس تحليلاً، وإنما ما استمده من معطيات ومعلومات لدى الدوائر الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وهو ما يعني أن الاحتلال يتعامل مع فرضية اشتعال حرب واسعة على الجبهة الشمالية كـ”فرصة مهمة لا بد إنجازها؛ لأنها لن تتكرر”.
ويُستشف من إفادة إيال أن هدف الاحتلال يبدو مركباً من اغتيال العاروري، فمن جهة تعتقد إسرائيل أنها أنهت حساباً مع شخص طاردته ووضعته على رأس لائحة الاغتيال منذ سنوات طويلة، بحجة إدارته عمليات ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية.. ومن جهة ثانية، تجدها فرصة للتدحرج دراماتيكياً نحو الحرب الواسعة مع حزب الله، بدليل أنها أخرجت في الأيام الأخيرة ألوية عسكرية من قطاع غزة، وحركت بعضها باتجاه الجبهة الشمالية.
وخلص عاليما بحديثه إلى اعتبار الحدث “إنجازاً بالنسبة لإسرائيل رغم عدم قدرتها على تصفية قيادة حماس في غزة حتى الآن”، مشيراً إلى أنه تنفيذ لتهديد إسرائيلي سابق.
وحدة “المراقبة والهجوم”
وبينما لم يحسم بعض المراسلين العسكريين الإسرائيليين وسيلة الاغتيال، وما إذا كانت مُسيّرة مفخخة أم استهداف جوي، تحدثت هيئة البث الإسرائيلية عن طبيعة المبنى الذي تواجد فيه العاروري برفقة قياديين آخرين من كتائب “القسام”، إذ قالت إن المبنى مكون من ثلاثة طوابق، وأن الانفجار وقع في الطابقين الأول والثاني.
الحال أن واقعة الاغتيال سبقها بيومين نشر تقرير مطول لتلفزيون “مكان” العبري عن وحدة خاصة في جيش الاحتلال تتبع لواء المظليين، ومرجعيتها الاستخبارات، مهمتها مراقبة نشاط حزب الله في الجانب الآخر من الحدود، والهجوم على خلاياه.
ولعلّ هكذا نوع من التقارير المصورة يكون بإيعاز من الرقابة العسكرية وما هو أعلى منها؛ لأن التقرير رصد بـ”دقة” طبيعة عمل هذه الوحدة، وعناصرها مكشوفي الوجه، وواكب ببث حي ومباشر لحظة تعقب مقاتلين لحزب الله في العمق اللبناني، ومراقبتهم عبر نوافذ مبنى، ثم استهدافهم داخل شقق ومباني، وأيضاً في شوارع وبين أشجار، وفق الزعم الإسرائيلي.
وليس من المُستبعد أن تكون هذه الوحدة هي المسؤول التقني والتنفيذي عن اغتيال العاروري عبر المُسيّرة المفخخة، أو إطلاق مقذوف متفجر عبر هكذا نوع من الطائرات، نظراً لامتلاكها قدرات عالية على التحكم بهذا النوع من المسيّرات، واستخدامها في الكشف و”اصطياد الهدف”.
وبدا أن الهدف من التقرير هو دعاية نفسية ممزوجة بتحذير موجه لحزب الله، ومفاده أن “إسرائيل تمتلك كافة الأدوات للذهاب نحو ما هو أبعد من التصعيد الحالي، وأن الحزب مكشوف أمام التكنولوجية الإسرائيلية”.
الاغتيال.. رسالة إلى الحزب؟
وذهبت بعض وسائل الإعلام العبرية إلى اعتبار العاروري “هدفاً ثميناً”، لكن الرسالة أيضاً موجهة لحزب الله، بعنوان “إذا صعد الحزب، فإن إسرائيل قادرة على الوصول إلى قيادة الحزب في عمق الضاحية الجنوبية”.
وتساءل محللون ومذيعون في نشرات أخبار التلفزيونات العبرية بشأن ماذا يمكن لحزب الله أن يفعل في الساعات القريبة؟ واستذكروا هنا تهديداً سابقاً أطلقه أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، تجاه إسرائيل في حال التعرض للعاروري أو غيره.
واعتبر مذيعون إسرائيليون في تغطيتهم التلفزيونية للحدث، أن حماس لم تصدق أن العاروري سيُغتال في الضاحية الجنوبية الذي يُعد أكثر الأحياء التي تشهد حراسة دقيقة على مسؤولي حماس”.
بينما زعمت قراءات عسكرية إسرائيلية إن اغتيال العاروري يندرج ضمن خطة إسرائيلية لاستهداف قيادات “صقور حماس أينما وُجدت”.
“بروفايل” العاروري
وكانت واقعة الاغتيال فرصة أمام محللين إسرائيليين متخصصين بالملف الفلسطيني كي يسردوا “ملف بروفايل” عن صالح العاروري، فتحدثوا عن مولده في بلدة عارورة برام الله وسط الضفة الغربية، وعن عمره الخمسيني، وعن سنين أسره الطويلة في سجون الاحتلال، حتى أُفرج عنه قبل أربعة عشر عاماً بشرط إبعاده إلى خارج فلسطين. ومكث أولاً في دمشق، ثم خرج منها بعد اندلاع الثورة السورية، واستقر في تركيا بعض الوقت، ثم انتقل منها لأسباب أمنية متجهاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد ورود تقارير عن محاولات تعقب إسرائيلية له.
واعتبر محلل الشؤون الفلسطينية للتلفزيون الإسرائيلي أن العاروري أكثر قيادي في حماس يُعد فعالاً ويمتلك قدرات في إدارة الشؤون العسكرية والأمنية. واستذكر التلفزيون العبري أيضاً صورة نشرها العاروري له بزيّ عسكري في مكتبه ببيروت وأمامه سلاح رشاش قبل أشهر، رداً على تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باغتياله، في إشارة إلى أنه لا يخشى الاغتيال.
وكان الاحتلال الإسرائيلي هدم منزل العاوري في بلدته عارورة برام الله قبل نحو شهرين، ضمن حملة الانتقام الإسرائيلية بعد هجوم “القسام” على منطقة الغلاف.
المصدر: المدن
FNUPXxHCVMetAjQi