إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “الغارديان” مقابلة مع مدير “شين بيت” الإسرائيلية السابق عامي إيلون، أجرتها إيما غراهام- هاريسون وكويك قيصرزينباوم، دعا فيها الحكومة الإسرائيلية للتفاوض مع قائد الانتفاضة الثانية السجين، مروان البرغوثي، والإفراج عنه.
وأكد أن إسرائيل لن تنعم بالسلام طالما حرم الفلسطينيون من دولتهم.
وقال أيلون، الأدميرال المتقاعد، وكان قائداً للبحرية الإسرائيلية، إن تدمير “حماس” ليس هدفاً عسكرياً واقعياً، وإن العملية العسكرية الحالية في غزة تحمل مخاطر تمكين الحركة وترسيخ الدعم لها في القطاع.
وقال: “سنحصل، نحن الإسرائيليين، على الأمن عندما يكون للفلسطينيين أمل، وهذه هي المعادلة”.
وقال، في المقابلة التي عقدت في بيته: “دعيني أقولها بلغة عسكرية: لن تتمكن من ردع أحد، شخصاً كان أم جماعة، ما دام يعتقد أن ليس لديه ما يخسره”.
وقال إن الحرب الإسرائيلية في غزة عادلة، وجاءت بعد رعب 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومقتل 1,200، في هجمات “حماس”، وأخذ 240 رهينة، ولكن الكثير من الإسرائيليين لا يمكنهم القبول بحقيقة أن “حماس” لا تمثّل الفلسطينيين، أو أن لديهم مزاعم مشروعة على أرضهم. وقال أيلون إن معظم الإسرائيليين يعتقدون أن “كل الفلسطينيين هم حماس، أو من المتعاطفين معها” وأنهم، أي الإسرائيليين، لا يقبلون بالهوية الفلسطينية: “ننظر إليهم كشعب، وليس أنهم “شعب” أو أمة”، و”لا نستطيع القبول [بفكرة الشعب الفلسطيني] لأننا لو فعلنا هذا فستخلق عقبة أمام دولة إسرائيل”.
ويعتقد أن الإفراج عن مروان البرغوثي، السجين منذ عام 2002، وحكم عليه بالسجن المؤبد، هو خطوة ضرورية للتفاوض الحقيقي. وبحسب الاستطلاعات الأخيرة، فإنه يتفوق على زعيم “حماس”، إسماعيل هنية لو شاركا في انتخابات.
وقال: “انظري للانتخابات الأخيرة، فهو الشخص الوحيد الذي يمكنه قيادة الفلسطينيين لدولة إلى جانب إسرائيل. وأولاً، وقبل كل شيء، لأنه يؤمن بمفهوم حل الدولتين، وثانياً لأنه حصل على شرعيته بالإقامة في سجوننا”.
ويعترف أيلون بأن آراءه، في المناخ السياسي الحالي، لا تحظى بشعبية، وهذا يعني عدم وجود منظور حقيقي للاستماع إلى نصائحه مباشرة، في ظل تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي وعد بتدمير “حماس”.
ويقول: “في كل مرة أقول فيها الكراهية ليست خطة وليست سياسة، يغضب الناس”.
ويقول أيلون إن الدعم للبرغوثي يعكس أن الدعم الفلسطيني الحالي لـ “حماس” ليس متجذراً في حماسهم لأيديولوجيتها، ولكن لأنها الجماعة الوحيدة التي تقاتل وبنشاط من أجل الدولة الفلسطينية.
ولم تحقق حركة اللاعنف التي تبنّتها حركة “فتح” كوسيلة لتحقيق الدولة الفلسطينية، وذلك بسبب فشل الجهود الدبلوماسية، بناء الدولة الفلسطينية.
وتوصل أيلون لأفكاره الحالية، في المرحلة الأخيرة من حياته العسكرية، حيث كان العدو مجرد هدف للقتل. واقتضى عمله كمدير لـ “شين بيت” لقاء الفلسطينيين، بما فيها زيارات لزعيم “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات. وأقام صداقات مع مسؤول الأمن في السلطة الوطنية جبريل الرجوب وسري نسيبة، الأستاذ الجامعي والفيلسوف في القدس، الذي تعود جذور عائلته للقرن السابع، “فهل يمكنني القول، حسناً، هذه الأرض أرضي وأنت زائر؟ هذا كلام سخيف”.
ويرى أيلون أن محاولات التطبيع في الشرق الأوسط، بدون أن يكون للفلسطينيين دولة أو أمل، كانت من العوامل التي دفعت “حماس” لشن هجومها في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقال: “بطريقة ما فما أراد [ زعيم حماس البارز يحيى السنوار] عمله إخبار كل واحد في العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي، أمريكا، أوروبا: لن تستطيعوا تحقيق أي شيء في الشرق الأوسط حتى يكون الموضوع الفلسطيني على الطاولة”، و”المأساة هو أنه فعلها، وما عليك اليوم إلا أن تستمع إلى بايدن، فلا أحد يعتقد أننا نستطيع التوصل لواقع جيد إلا إذا قبلنا بواقع الدولتين”.
وقال إن الأمر الوحيد الذي يتفق عليه الجميع في المجتمع الدولي، أعداء وحلفاء إسرائيل، من الصين وروسيا والولايات المتحدة والقوى الإقليمية هو الحاجة لحل الدولتين. و”الخيار الآخر هو استمرار القتال، حيث نعرف أن الحروب أصبحت أكثر عنفاً، ونعرف اليوم أن العدو أصبح أكثر راديكالية”.
وأضاف أن طبيعة “حماس” تعني أن تدميرها هدفٌ مستحيل للجيش، مع أنه رفض التعليق على القيادة الإسرائيلية الحالية. فـ “حماس” ليست جماعة مسلحة، بل “هي أيديولوجية بمنظمة ومنظمة لها جناح عسكري”.
و”لا تستطيع تدمير الأيديولوجية باستخدام القوة العسكرية، وأحياناً تتجذر [الأيديولوجية] أعمق، لو حاولت”، و”هذا بالضبط ما نراه اليوم، فاليوم تدعم نسبة 75% حماس، مع أن النسبة كانت قبل الحرب 50%”.
و”لكي تحقق إسرائيل الأمن، على البلد أن يضع هدفاً عسكرياً واقعياً، مثل تدمير قدرات “حماس” العسكرية وموت أو نفي قادتها”، وعلى قادة إسرائيل مناقشة ما سيجري في غزة بعد انتهاء القتال، أو المخاطرة باستمرار الحرب لأجل غير مسمى: “أشعر بالغضب لعدم استعدادنا لمناقشة اليوم التالي، لأنني أعرف ما يحدث للحروب التي لا يكون لها هدفٌ سياسي. وتتحول الحرب إلى هدف بذاته، بدلاً من كونها وسيلة لتحقيق هدف سياسي”، و”نحن خبراء، هذا بالضبط ما حدث لنا في لبنان، وهو بالضبط ما يحدث لنا في الضفة الغربية، وأشعر بالخوف عما سيحدث لو واصلنا القتال بدون تعريف جوهر واضح للنصر، ما هو الانتصار؟”.
ولكن يعتقد أن التغيير يحدث نتيجة الضغط، ويعتقد أن 7 تشرين الأول/أكتوبر قد يكون لحظة تحول. ويتذكر عندما كان جندياً شاباً، ما قاله وزير الدفاع موشيه دايان، بأنه يفضّل عدم عقد اتفاق مع مصر والحفاظ على سيناء بدلاً من سلام يجبره على التخلي عن سيناء. وبعد عامين جاء سلام دائم عبر اتفاقيات كامب ديفيد. و”هذا بالضبط ما نقوله اليوم عندما يتعلق الأمر بالضفة الغربية، ونعتقد أن الأمن لن يتحقق إلا بالغزو أو بمواصلة الاحتلال، فقط بالقوة العسكرية. ولكن ماذا أثبتت [حرب] يوم كيبور لنا، هو أننا سنعاني العنف بسبب الاحتلال، فالاحتلال لن يجلب لنا الأمن، بل جَلَبَ لنا العنف والموت”.
المصدر: “القدس العربي”
amuvrn