بسام شلبي
لا يستطيع الغرب الأنجلوسكسوني فهم او تفسير الخطوة التي قامت بها جنوب افريقيا بتقديم دعوى جنائية ضد الكيا..ن.
لأنها وفق كل الحسابات المنطقية للمعاير الغربية لا تحقق أي مصلحة لهذه الدولة لا سياسية و لا اقتصادية.. و من جميع النواحي خسائرها أكبر بكثير من فوائدها على المديين القريب و البعيد (من وجهة نظر الغرب طبعا) و لذلك يبدو لهم هذا القرار خاطئ و متهور
بالأخص الفصل الثالث من الدعوى المتعلق باتهام و تجريم الدول الداعمة للكيا**ن.. و هذا يعني الاصطدام المباشر مع الولايات المتحدة “القوة الاكبر في العالم” لأنه في حال نجحت المحكمة في إثبات جريمة الابادة الجماعية على الكيا..ن (و ما قدمه الفريق القانوني الافريقي كان فيه دلائل قانونية دامغة وفق منهجية القانون الدولي المعتمد..) فإن أمريكا عندها بالضرورة و بحكم القانون الدولي ستكون مدانة بتهم المشاركة في الجريمة بالأخص لدى استخدام الفيتو في مجلس الأمن و التصويت السلبي في الأمم المتحدة.. و الاستمرار في توريد السلاح.. وغيرها
طبعا لا نريد أن يأخذنا الوهم والأحلام لأبعد مما تفرضه الواقعية السياسية بمفهومها الايجابي البناء
فرغم أن تركيبة النظام الدولي القائم حاليا بزعامة الولايات المتحدة لن يسمح بالوصول بالقضية إلى ما هو أبعد مما تحتمله التوازنات الدولية وفق مراكز القوى.. وبحيث ستتمكن من الاحتواء النسبي لمفاعيل النتائج مهما كانت و من ثم محاولة تمييعها او تجميد اثارها.. كما فعلت مع تقرير جولد ستون قبل سنوات..
لكن رغم ذلك تبقى المحاولة الجنوب أفريقية -بغض النظر عن النتائج- نفخرة تستحق الاحترام والتقدير و الدعم وهي أهم ضربة يتلقاها النظام الدولي القائم على الظلم و الاستغلال و تغليب المصالح على الاخلاق..
في الخمسينات عندما التقى د محمود فوزي وزير خارجية مصر مع دالس وزير خارجية امريكا انذاك سأله: لماذا كنتم تصفون سياسة عدم الانحياز في يوغسلافيا بأنها سياسة اخلاقية وعندما قررنا ان ننتهج نفس السياسة اصبح اعلامكم يصفها بأنها سياسة غير أخلاقية؟؟
فأجابه: بأن عدم انحياز يوغسلافيا يفرق كتلة اعداء لذلك فهي اخلاقية.. اما عدم انحياز مصر يفرق كتلة اصدقاء لذلك فهي غير اخلاقية..
و هذا نص كاشف لبنية نظام دولي كامل قائم و متجذر و لكنه متهافت و آن الآوان لتغيره بشكل جذري و هذا لا يمكن ان يتم دفعة واحدة دون اقتلاع جذوره الفاسدة واحدا تلو الاخر و اظن ان جرأة جنوب افريقيا اقتلعت واحدا من اقوى هذه الجذور و فتحت ثغرة كبيرة في جداره الصلب فشكرا لها من القلب.
المصدر: صفحة بسام شلبي