بعد أن انتهى تدمير مخيم اليرموك والحجر الأسود المحاصرين من النظام السوري لأكثر من سبع سنوات، حيث استطاع النظام السوري ومن معه من روس وايرانيين، وميليشيات طائفية، تدمير ما فيه من حياة، وسط صمت العالم (المتحضر)! اليوم تخرج (داعش) وكل المدنيين من اليرموك. ويتمكن النظام السوري، من بسط سيطرته على محيط دمشق كاملًا، لكن ما جرى في مخيم اليرموك، يطرح تساؤلات عدة، كان لابد من طرحها على بعض الكتاب والباحثين وصولًا إلى وقفة موضوعية، على مجمل الحالة، لما للمخيم من بعد وجداني لدى الشعب الفلسطيني، وكل الشارع السوري الوطني، الذي يعرف حقًا ماذا يعني مخيم اليرموك.
جيرون سألت عن مآلات المخيم بعد كل هذا الدمار والتهجير لأهله؟ وإلى أين المسير؟ وهل يعود كما كان؟ ولماذا كان كل هذا الاستهداف لليرموك؟
الكاتب الفلسطيني أكرم عطوة قال ” لا أحد يستطيع أن يتحدث عن المآلات المستقبلية لمخيم اليرموك بمعزل عن الوضع المستقبلي في سورية، أقصد السياسي والشعبي لكنني أجزم بأنه لوتُرك الأمر للنظام الأسدي، فسيصبح مخيم اليرموك جزءً من تاريخ دمشق المنصرم ليس إلا، فالنظام يعرف تمامًا أن مخيم اليرموك هو من المخيمات الفلسطينية التي التحقت بالفعل الثوري منذ البدايات، أي منذ أن فجّر الشعب السوري ثورة الحرية والكرامة، وكان هذا المخيم هو ومخيم درعا والرمل من المخيمات التي احتضنت الناشطين من الثوار الأوائل، وما يوضح موقف النظام من مخيم اليرموك هو ما تعرض له الفلسطينيون ْمن أعمال قتل واعتقال وتعذيب وتهجير من قبل هذا النظام، إضافة إلى بعض الإجراءات القانونية بحقهم، والتي لا تنسجم مع الوضع القانوني للوجود الفلسطيني في سورية، مثل استثناء الفلسطينيين من إعلان توظيف قدمته وزارة التربية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2012، واستثناء الفلسطينيين من الاستفادة من مرسوم الابتعاث العلمي لسنة 2013 الذي كان معمولاً به في السابق” وأضاف عطوة ” كل هذا قد يعني استعدادًا من قبل هذا النظام لاتخاذ إجراءات تعسفية بحق الفلسطينيين لإعادة النظر في وضعهم القانوني، من هنا أؤكد أنه إذا استطاع النظام أن يعود إلى هيمنته السابقة على دمشق وضواحيها (كما كان الوضع قبل الثورة) فمخيم اليرموك صار في خبر كان، لكنني ومن منطلق رؤيتي الخاصة والمتفائلة لمستقبل الأوضاع في سورية، فإنني أعتقد مع الذين يعتقدون أن النظام الأسدي سيتم ترحيله واستبداله بنظام آخر، أقل استبدادًا وفسادًا، وحتى إذا استمر هذا النظام في الحكم، فستكون سطوته وهيمنته أقل، ودوره على الأغلب هامشي، لذا وانطلاقًا من هذا التصور أعتقد أنه سيتم إعادة إعمار مخيم اليرموك وكافة المخيمات المدمرة، مثلما سيتم إعادة إعمار المدن والقرى السورية المدمرة، وسيعود معظم أبناء المخيم من السوريين والفلسطينيين إليه.
الباحث السوري خالد صالح تحدث لجيرون بقوله ” إذا كان شعار مكافحة الإرهاب قاسمًا مشتركًا تلتقي عنده مختلف الأطراف الدولية والإقليمية( إضافة إلى النظام السوري) وهو ذريعة لتبرير العمل العسكري لتحقيق مصالحها، لكنها الذريعة(بحكم الضرورة) وهذا ما يفسر تغذيته، استثمار تربته، والاستثمار فيه وإطالة معاناة السوريين، وتحويلها إلى(أزمة) ومن ثم إدارتها ريثما تنضج الشروط لبلورة الأهداف وتحقيقها كذلك، فإن شعار(سورية المفيدة والمتجانسة) ،أصبح قاسمًا مشتركًا لكل الأطراف(رغم تناقضاتها)مع تنوع وتباين(التجانس) وفق ما يناسبها، وأهمية(الموقع الجغرافي)، وهذا ما يفسر الأسئلة التي تثار حول الأمكنة والمدن والأحياء والمواقع الحدودية. التي طالها الدمار، التهجير، التسفير، وتفسير شدته وحجمه أيضًا”. ويتساءل صالح ” هل ثمة خصوصية ل (مخيم اليرموك) ربما قربه من العاصمة (جزء منها)، كثافته السكانية مع غلبة فلسطينية! طبيعة توزع البيوت وتداخلها، جعلت منه، وبامتياز مدخلًا ضروريًا لإعادة البناء، لإكمال هندسة (المفيد والمتجانس) هذه الخصوصية، استدعت (داعش) في فصلها الأخير لإضفاء المشروعية وتبرير ما جرى، وما سيجري لاحقًا مع تطبيق الإجراءات التي تقتضيها مخططات البناء الجديدة”.
أما الكاتب الفلسطيني تيسير الخطيب فقال لجيرون ” لقد شن النظام المجرم حربه على الشعب السوري العظيم تحت الشعار المضلل محاربة الإرهاب، لكي يستطيع أن ينهي ثورة الشعب الذي طلب الحرية والديموقراطية، بثورة سلمية شعبية عارمة، ولم يكن مخيم اليرموك إلا موقعًا مثل باقي مدن وبلدات وقرى سورية، التي طالها القصف والتدمير الإجرامي الأسدي، ولكن مخيم اليرموك أساسًا وغيره من المخيمات الفلسطينية الأخرى المدمرة في سورية، والتي جرى استهدافها من قبل النظام المجرم، لها رمزيتها الخاصة ودلالاتها، سواء على صعيد الصراع الداخلي في سورية، أو على صعيد الصراع العربي الصهيوني، أو على صعيد محاولات النظام للإندراج في إطار دولي، لما يسمى مكافحة الإرهاب، بهدف إنهاء الثورة السورية المباركة، فمنذ الأيام الأولى لانفجار الثورة السورية، في أولى المدن الثائرة درعا، صبت الناطقة الاعلامية باسم النظام المجرم بثينة شعبان جام غضبها على المخيمات، واتهمت مخيم درعا بافتعال الأحداث، واتهمت مسلحين خرجوا من المخيم وأطلقوا النار على قوات الأمن والمتظاهرين كما قالت، وهذا الكلام يحمل رسالتين داخلية وخارجية، وكلتاهما تخدم بقاء النظام وقيامه في دوره المشبوه، فالرسالة الداخلية كانت تريد أن تقول للشعب السوري العظيم، أن من فجر( الفتنة) هم الفلسطينيون وما عليكم ( أي الشعب السوري) إلا الانتقام من المخيمات، والرسال الخارجية موجهة إلى الكيان الصهيوني، بأن النظام مستعد أن يقدم للكيان ما يريد، بشأن المخيمات إن هي سكتت عن إجرامه وبقائه في السلطة، وفي كافة محطات الصراع استكمل المخيم إجرامه بمحاولة وضع المخيمات أمام خيارات صعبة، إما أن تكون مع النظام، وإما أن تكون ضده، وبالتالي مصيرها التدمير، فقام بتدمير مخيم درعا وقصف مخيم اللاذقية بالرشاشات الثقيلة والزوارق الحربية، ودمر مخيم حندرات، وكذلك لم تسلم مخيمات ريف دمشق الجنوبي الست زينب والحسينية وغيرها من التدمير، وحاصر مخيم خان الشيخ لعدة سنوات، وقتل أكثر من ثلاثمائة فلسطيني فيه “. كما أكد الخطيب أن ” النظام المجرم قام بإقحام مجموعات موالية له من بعض الفصائل الفلسطينية، للاشتراك في قمع الثائرين السورين لمحاولة ضرب وحدة الشعبين التي باتت تخيف النظام والفصائل التابعة له، وأمام كل تلك الأحداث لا يمكن تفسير ما حصل في مخيم اليرموك بعيدًا عن هذا السياق، الذي قدم نفسه فيه على أنه ضد الارهاب وأنه ضد الارهاب الفلسطيني أيضًا لاسترضاء اسرائيل، وما المعركة الاعلامية والتحريضية التي خاضها النظام واتهامها بمساعدة وتدريب الثوار السوريين، إلا خطوات في نفس الاتجاه، وتصب في خانة خدمة اسرائيل وحلفها، فقصف اليرموك بالطائرات يوم17/12/2012 كان هو التعبير الصارخ عن فشل سياساته اتجاه المخيمات التي أبدى سكانها تعاطفهم ومشاركتهم إخوتهم السوريين، آمالهم وطموحاتهم منذ اليوم الأول للثورة، فمشهد المظاهرات في بعض المخيمات ومخيم اليرموك بشكل خاص، أرعب النظام لأن من شأن تصاعدها وحصولها على مزيد من المؤيدين أن يسقط ادعاءات النظام الزائفة بالمقاومة والممانعة والشعارات الكبيرة الأخرى الكاذبة، فجاء الحصار الذي حاول النظام من خلاله كسر إرادة الجماهير وتدفعهم ثمنًا باهظًا لمواقفها المؤيدة عمومًا لثورة السوري العظيم، فهذا القصف وهذا الحصار لم يكن حدثًا طارئًا أو منفصلًا عن سياسة ثابتة للنظام اتجاه المخيمات واتجاه القضية الفلسطينية، الذي لم يراها يومًا قضية نضالية مركزية لشعبنا وأمتنا، بل كان يراها دائمًا ورقة في جيبه وعلى مائدة مساوماته، فسبق له أن دمر مخيم تل الزعتر عندما انحاز إلى الجبهة اللبنانية الفاشية، وسبق له أن تسبب من خلال خلق ظاهرة فتح الاسلام من تدمير مخيم نهر البارد، وها هو اليوم يضع مخيم اليرموك أيضًا في بازار مساوماته مع العدو الصهيوني”. لكنه أشار أيضًا إلى أن ” تدمير مخيم اليرموك وغيره يسقط ورقة التوت عن النظام الاجرامي القاتل، وعن الفصائل التي دعمته ويسقط كل ادعاءاته حول القضية الفلسطينية، التي يريدها دائمًا ورقة في جيبه، على مذبح بقائه في السلطة حاكمًا ومتسلطًا على رقاب الشعب، تدمير مخيم اليرموك هدف صهيوني معلن، فهو كان خزان الثورة الفلسطينية، قبل أن يتحول إلى هدف للنظام الطاغية، فمخيم اليرموك أكبر كتلة بشرية فلسطينية في الشتات، بعد النكبة واحتضن قيادات الثورة الفلسطينية لعشرات السنوات، قبل أن يخرجهم النظام منها، وتحتوي مقابره على جثامين ألوف الشهداء جرى تدميره بشكل وحشي، واعتقل من أبنائه الآلاف وقتل نتيجة الجوع والحصار المئات، فهل يكفي كل هذا للدلالة على أن هدف النظام أكبر وأخطر من استهداف داعش الارهابية والتي وجدت أساسًا لتقاتل الثورة، وتسيء إليها وما قتالها ضد النظام إلا شيئًا عرضيًا لم يكن في أولويات داعش ولا النظام الذي سهل لها وساهم في إنشائها، فداعش كانت التهمة المتنقلة التي بسببها يتم تدمير أي منطقة سورية يريدها النظام، والأغرب من ذلك أن داعش تخرج منها سالمة وتنتقل إلى منطقة أخرى واليوم تخرج بجلدها سالمة بينما تم تهجير سكان مخيم اليرموك ومحيطه تحت عنوان الهندسة الديموغرافية التي طبقها النظام في كل مناطق ريف دمشق “. وأضاف ” حصار مخيم اليرموك وتدميره على يد داعش والنظام أسفر عن تهجير قرابة مئتي ألف فلسطيني خارج سورية ونزوح أكثر من مائة وخمسين ألفًا آخرين، واستشهاد أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني منهم ما يقارب الخمسمائة داخل سجون النظام المجرم، ومع ذلك يستمر هذا النظام في زيفه وكذبه وادعاءاته، من أنه مع قضية فلسطين ومع الشعب الفلسطيني ونجد أن بعض الفصائل المحسوبة على الفلسطينيين، لا تعدو كونها أدوات رخيصة في يد النظام”. وعن مستقبل المخيم قال ” لا أعتقد أن هذا المخيم يمكن أن يكون صالحًا للحياة البشرية بعد الآن وإن كان النظام سيلجأ إلى شتى الحيل والألاعيب للإيحاء بأن الحياة ستعود إلى المخيم استرضاء لفصائل الخزي والعار، التي ساهمت في تدمير المخيم، وسيسجل التاريخ هذه الجريمة البشعة في سجله الأسود، لكل من شارك وعمل وسكت على تدمير سورية، وتدمير مخيم اليرموك، إن وحدة الشعبين المعمدة بالدم ووحدة القضيتين لن يستطيع مجرم حاقد أو متسلق عميل أن يسيء إليها أو يفصلها”.
الكاتب السوري عبد الرحيم خليفة قال ” لمخيم اليرموك رمزية كبيرة في الوجدان والضمير، للسوريين والفلسطينيين معًا، واستهدافه بهذا الشكل هو لمحو جزء من الذاكرة والتاريخ، وفي إطار التغيير الديمغرافي لدمشق ومحيطها وريفها الذي لم يعد خافيًا على أحد. أعتقد أن المخيم لن يعود كما كان حتى لو تمت تسوية ما وترتب عليها إعادة إعمار ما خربته حرب الطغمة على شعبها، فقد مثل المخيم على الدوام إرادة التحدي والتغيير للطرفين السوري والفلسطيني والحاضنة لكافة قوى المعارضة السورية، وخصوصًا اليسارية والقومية منها، والثورة الفلسطينية بعمقها الشعبي الذي بقي على الدوام مصادمًا لسياسات الأسدين، وخصوصًا في مرحلة الأب قبل الانحراف الكبير والخطير لبعض المنظمات الفلسطينية.”. وأضاف خليفة ” مخيم اليرموك حالة مصغرة عن سورية الثورة وشعبها، وأعتقد أن ما تعرض له سيمثل تحولًا كبيرًا، وانطلاقة جديدة ومهمة في معركة تحرير الأرض والانسان، وليس حدثًا وانتهى دون نتائج، وستمتد مفاعيل ما حصل بعيدًا عن جغرافية المخيم ذاته”.
المصدر: جيرون