ليث أبي نادر
مع عودة الأجواء الدافئة، شهدت ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، في جنوب سورية، توافد المحتجين من القرى والبلدات والمدن في المحافظة، حيث عاد الحراك ليستعيد زخمه بصورة ملحوظة. وحملت هذه الجمعة عنواناً عريضاً (سورية موحدة أرضاً وشعباً. سورية لينا وما هي لبيت الأسد)، والفعالية نظمتها النساء. وعدد من نساء الحراك نظّمن الساحة، إذ بدأن التحضير للفعالية الاحتجاجية من الصباح الباكر، من خلال تهيئة أزهار متناثرة ونفناف، وتوزيع البطاقات واللافتات، ما أضفى على الساحة مناظر جميلة وحالة من الفرح.
وشهدت الفعالية حضوراً للشعارات السياسية التي تطالب بالتغيير السلمي والانتقال السياسي، إضافة إلى التعبير عن وحدة السوريين ومصيرهم المشترك، فقد هتفت سيدات الحراك لمصلحة جميع المحافظات السورية، مع إبراز الخصوصيات التي تميز كل واحدة منها، لكن، تعرضت شبكات الهاتف الخلوي لتشويش، مما منع استمرار بث الفيديو المباشر من ساحة الكرامة، وفقاً لتقارير شبكة الراصد المحلية في السويداء. ويعتبر النشطاء أن هذا التشويش يعكس يأس السلطة الحاكمة من استمرار التظاهرات ونجاح الثورة، ولذلك لم يبق لها حل سوى التدخل في تشويش الاتصالات.
في سياق متصل، شهدت السويداء، الأسبوع الماضي، محاولات من السلطة للتفاوض مع مجموعة من المحتجين من الحراك، والذي يميزه الطابع الشبابي النخبوي. وقد أرسل اللواء حسام لوقا، أحد أبرز ضباط الجهات الأمنية في النظام، مبعوثاً لمقابلة الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، للتفاوض حول مطالب الحراك، لكن الهجري رفض الحديث عن الشأن السياسي، وطلب من مبعوث السلطة مقابلة مجموعة من شباب الحراك.
وفقاً لمصادر مطلعة، جرى اللقاء بين الشبان ومبعوث النظام في أحد مقاهي المدينة، حيث أكدت المجموعة تمسكها بخيار رحيل النظام الحالي وتحقيق انتقال سياسي سلميّ يخدم مصلحة الشعب السوري، الذي تعرض لقتل وتهجير وإفقار. هذا الرأي أثار استفزاز مبعوث النظام بوضوح. وبحسب المصادر، سجل أحد مرافقي المبعوث جزءاً من الحوار وبثه بغرض تحريض المحتجين ضد مجموعة الشبان، إلا أن هذا الهدف فشل.
وبعد ثمانية أشهر من الاحتجاجات وترديد الشعارات المناهضة للنظام، وبعد تأسيس عدد من الهيئات السياسية والمدنية، يرى العديد من النشطاء أن لا تقدم ملموساً في مسار الحراك السياسي، معبرين عن تخوفهم من اضمحلال الانتفاضة قبل أن تحقق أي نتائج عملية. ويعتبر الناشط الإعلامي هاني عزام، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن حركة السويداء لم تستفد حتى الآن من الإنجازات المعنوية التي حققتها خلال الأشهر الثمانية الماضية. يرى أنها تعثرت في تحويل نفسها من حركة شعبية، كانت أحد أسباب فشل الثورة عام 2011، إلى حركة نخبوية يجب أن تكون الرائدة في الساحة السياسية، بدلاً من مجرد الانضمام إليها، ويجب أن تؤسس لحوار محلي ودولي.
ويقترح عزام أن يتخلى حراك السويداء عن استخدام الشعارات التي أصبحت تتعارض بعضها مع بعض، و”عليه أن يسعى لتشكيل هيئة سياسية في أقرب وقت ممكن، ثم يعمل على تشكيل تحالفات واتفاقيات وطنية مع جميع المكونات الوطنية السورية، ويسعى لتحقيق بعض الأهداف من خلال الضغط الشعبي والحوار”، ويعتقد أن ذلك “سيخدم مصالح الشعب السوري عموماً”.
أما عضو الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني عدنان أبو عاصي فيقول لـ”العربي الجديد” إن “ضحالة تجربة العمل السياسي والتنظيمي في مجتمعنا ساهمت في تأخر الوصول الى تمثيل سياسي مشترك وجسم موحد للحراك الشعبي، وهذا أحد نقاط ضعف النخبة والتجربة، بالإضافة إلى العوائق الأمنية والتخريبية الكبيرة، لكن يبدو أننا أصبحنا على أبواب إعلان جسم سياسي موحد ذي طابع وطني وديمقراطي، يحمل مبادئ وأهدافاً جامعة لكل الشعب السوري، وهذا الجسم سيكون الخطوة الأولى في توحيد الموقف الوطني، وفي تمثيل المبادئ الحرة للشعب السوري في كل مكان. وقبل أن نصل إلى هذا الجسم، قمنا بالحوار الداخلي والتشاور مع معظم القوى الوطنية السورية في داخل الوطن وخارجه”.
بدوره، يرى الناشط المدني علي حرب أن “الجسم السياسي المقبل الذي يحاول بعض الشخصيات الاعتبارية والسياسية استثماره لمصلحتهم لا يجدي نفعاً”، ويشدد على أنه “لن يكون مقبولاً بين بعض أطياف الحراك ونقاطه؛ لأن الأشخاص الذين جرى اختيارهم وانتخابهم لم يتم اختيارهم استناداً إلى جميع النقاط الاحتجاجية في المحافظة”. يقول: “لكي يكون الجسم مقبولاً، يجب أن يمثل الجميع دون أي اختزال”. ويدعو المتحدث ذاته جميع مكونات السويداء إلى “إجراء انتخابات فعلية في جميع النقاط للخروج بجسم سياسي لا يسيطر عليه أحد، بل يمثل المحافظة تمثيلاً حقيقياً وشاملاً”.
المصدر: العربي الجديد