سلام الكواكبي
حكم القضاء الفرنسي على قيادي نقابي يساري بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، إضافة إلى دفع تعويض مالي لجمعية يهودية فرنسية تقدّمت بالدعوى ضده بتهمة “الدفاع عن الإرهاب”. ويأتي هذا الحكم، بعد مرور أشهر على نشر جان بول ديليسكو، أمين عام الكونفدرالية العامة للشغيّلة في الإقليم الشمالي، بيان تضامن باسم فرع نقابته إثر عملية 7 تشرين الأول ضد غلاف غزة. وقد اعتبر النقابي / المتهم في هذا البيان، بأن ما حصل هو نتيجة موضوعية لعقود من الاحتلال ومن الاستيطان ومن التطهير العرقي المنفّذ بحق الشعب الفلسطيني. وقد ورد حرفيًا في البيان التالي: “فظائع الاحتلال غير الشرعي تعاقبت وتراكمت. وهي تتلقى، منذ السابع من تشرين الأول، أجوبة على ما حرّضت عليه”. وقد اعتبر المدعي العام، ووافق القضاة على هذه التهمة بإصدارهم الحكم الصارم والسريع، على أن ما ورد في هذه الجملة ليس هو إلا “دفاعٌ عن الإرهاب”.
لقد صار من شبه الطبيعي أن ينال أي مؤيد علنيًا للقضية الفلسطينية عقابًا قانونيًا أو تشهيرًا إعلاميًا ومجتمعيًا. وفي هذا الإطار، ندّدت صوفي بينيت، وهي الأمينة العامة للنقابة الأكبر في فرنسا، والتي يرأس فرعها الشمالي هذا المتهم / البريء، بالإجراءات القضائية المُسيّسة التي تنفّذ بحقه. مشيرة إلى أن البيان الصادر عنه، والذي أودى به إلى هذا المصير، يقول بوضوح “أن العنف يولّد العنف”. كما أن الاحتلال القائم منذ عقود “يؤدي، للأسف، إلى العنف. وأن النقابة تتألم لكل الضحايا”. بالمقابل، فقد أصرّت المدعية العامة على أن البيان يتحدث عن فظائع 7 تشرين الأول كما لو ان لها تبريرات ولا يكتفي بالتنديد بها كما هو مطالب به من كل الناس بطريقة صارت مدعاة للسخرية.
من جهتها، تلقت الحقوقية الفرنسية ـ الفلسطينية ريما حسن قبل يومين، استدعاء من قبل جهاز الشرطة للتحقيق معها بتهمة “الدفاع عن الإرهاب” بسبب كتاباتها على وسائل التواصل في الفترة الزمنية التي أعقبت عملية حركة حماس. وهذه الشابة الجديدة في عالم السياسة، ترشّحت على قائمة حزب “فرنسا الأبية” اليساري في انتخابات البرلمان الأوروبي المزمع اجراؤها في حزيران المقبل. وقد انهالت عليها الاتهامات بجميع الموبقات السياسية الممكنة حاليًا في بلاد الغال، والتي تنحصر على ما يبدو في يومنا هذا بالاتهام بمعاداة السامية، إذا جرى الهجوم على السياسة الإسرائيلية او السخرية منها، أو حتى انتقادها بكلمات. وربما سيضاف اليها تشريعيًا، في القريب ليس بالبعيد، تهمة فريدة من نوعها، وهي معاداة الصهيونية كمرادف لمعاداة السامية. وسيصبح هذا الاجتهاد القانوني، إن أُقرّ، حريًّا بالأنظمة الشمولية التي حرّمت انتقاد حزبٍ حاكمٍ أو عائلة حاكمة أو عقيدة حاكمة. قانون تعسفي ومعادٍ لحرية التعبير تدفع بعض مجموعات الضغط المقرّبة من الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية إقراره بدايةً في فرنسا، كحقل تجارب، ليُصار بعد اجتياز مرحلة التجربة بفأر المختبر المطيع، أن يجري تعميمه على بقية الدول الأوروبية.
هناك اذًا مناخٌ ترهيبيٌ يتفاقم في فرنسا، وبدرجة مشابهة في ألمانيا، يدفع بمن يريد التعبير عن موقف سياسي أو حتى أخلاقي وإنساني، أن يدفع برأيه أولاً للعبور على مكتب أكثر من رقيبٍ داخلي / ذاتي. ومن ثم، يستعرضها صاحبها، بترقّب يسوده التوتر الشديد، مع المقرّبين ليتأكد من خلوّها مما يمكن لعين الرقيب المُبرمج المتيقظة في منظمات وجمعيات ـ همّها الأول والأخير الدفاع عن صورة الدولة المتطرفة في تل أبيب ـ من أن تلتقطه من حجج واهية ربما تودي بصاحب الكلمات الى غياهب المسارات القضائية والاعتداءات الإعلامية والمقاطعة الأكاديمية.
بدأ الحديث حول ريما حسن يتصاعد مع عملية السابع من تشرين، حيث انهالت الشتائم عليها لكتابتها بعض التغريدات التي عبّرت من خلالها عن مواقفها من الاحتلال ومن الاستيطان ومن الترحيل المنهجي للفلسطينيين، وهي ابنة هذا المسار، حيث أمضت طفولتها في مخيمات مدينة حلب السورية. ولقد اشتدّت هذه الحملة، عند بروز ريما حسن إعلاميًا في فرنسا وقبل أن يجري ترشيحها على قائمة آخر أحزاب اليسار. وهي الحملة التي دعمها ـ دون دراية حتمًا ـ بعضٌ من السوريين للأسف الشديد بحجة أنهم لم يسمعوا يومًا بأنها أدانت جرائم النظام السوري بحق شعبه، خصوصًا، وهي المحسوبة على المدينة الشهيدة حلب. ولهذه الجزئية فرصة قادمة للتناول في مقال مخصص.
أحد نجوم برامج المنوعات التلفزيونية الملقب بـ “آرتور”، اتهمها حتى بمعاداة السامية لحديثها عن دولة من النهر الى البحر. وبالتالي، فقد استنتج بأنها تتحدث عن دولة فلسطين مما يُستنتج منه أنها “سترمي” بالإسرائيليين في البحر وتقضي على دولتهم “المعترف بها دوليًا”. ولقد تعزّز الخوف من القانونية الشابة عندما أشارت في الإعلام إلى استحالة “حلّ الدولتين” في ظل الاستيطان القائم وفي ظل قيام سلطة فلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو الفاشلة في المهد لتقضي على أية إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية.
هل سنسمع قريبًا بمحاكمات سياسية في فرنسا؟
المصدر: المدن