سمر يزبك
ما بين الصورة الشهيرة لجورج إبراهيم عبد الله التي التقطتها وكالة رويترز عام 1986، وتُظهره وهو يُقتاد إلى محكمةٍ في ليون (فرنسا)، وسط إجراءاتٍ أمنيّة مشدّدة، والصورة الثانية في سجن “لانمزان” على سفوح جبال البيرنيه في عشرينيات القرن الواحد والعشرين، استعاراتٌ لا تتوقف أن تكونا مجرّد شهادتيْن بصريتيْن لرجلٍ تفوح منه رائحة الماضي، بل نصوصٌ تفتحُ المجال لتأويلاتٍ لا تنتهي، يحمل جورج عبد الله بينهما قصةَ زمنٍ، وصراعٍ، وتحوّلٍ مستمرٍّ في الذّات وفي العالم. بين هاتين الصورتين مسافةٌ أكبرُ من أربعين عاماً. إنّها المسافةُ بين زمنٍ كان العالم فيه يناضل من أجل المساواة والعدالة وزمنٍ أصبح العالم فيه يسابق نفسه نحو التفكّك. الزمن الأوّل كان مُمتلئاً، مليئاً بالسرديات الكُبرى، بالأيديولوجيات، بالأحلامِ التي كانت تقاتل بعضها بعضاً، كان زمناً يمكن فيه للإنسان أن يقول: لديّ قضية. الزمنُ الآخر، مختلفٌ، خفيفٌ، مائعٌ، لا مكانَ فيه للأفكار الثقيلة، ولا للأحلام الصلبة. إنّه زمنٌ يسخر من كلّ شيء، حتّى من فكرة الحريّة ذاتها.
في الصورةِ الأولى في طريقه إلى المحكمة، يبدو جورج عبد الله بكامل أناقته، يُشيح بعينيه بعيداً عن الكاميرا في نظرةٍ حادةّ، أعطتْها لحيته الكثّة وشَعرُه المصفوف بعنايةٍ مشهد الأيقونات النضاليّة الرومانسية الموصوفة بدقةٍّ في سرديات اليسار، جسدٌ رياضيّ مشدودٌ تحت بزّة رسميّة وربطة عنقٍ مقلّمةٍ بخطوط مائلة، يحيط به حشدٌ من رجال الأمن المسلحين، يسير واثقاً في الشارع، بينما ينظر إليه المارّة من بعيدٍ ومن شرفات المنازل. جوهرٌ مشعٌّ بداخله غير قابلٍ للاختزال، التحدّي في عينيه يبدو موهبةً شخصيّةً أكثر من أيّ شيء آخر، لا شيء أكثرَ من هذا احتفالاً بالمعنى، مشهدٌ حداثيٌّ بإتقانٍ لصورة ثائر.
الصورةُ هنا لا تتوقف أن تكونَ شاهداً على حضورٍ مزدوج: لحظةٌ مُحْكمةٌ تحوّلت إلى رمزٍ للمقاومة، لكنها تحمل أيضاً غياباً مُستقبليّاً، حيث إنّ هذا التحدّي قد لا يُكتب له الاستمرار أمام قسوة الزمن والسلطة. الأثرُ هنا يُجسّد ما ضاع من طموحات عبد الله وما بقي، حيثُ توثّق الصورة “الآن” الذي كان يحمل وعداً لم يتحقّق بالكامل. تُظهر الكاميرا جسد عبد الله موضوعاً للنضال، وهو تحدٍّ للسلطة التي تحاول تثبيته أداةً للهيمنة. الكاميرا تلتقطُ التّحدي، لكنّها في الوقت ذاته تُخضعه عبر توثيقه جزءاً من خطاب السلطة. ورُغم كلّ شيء، تبقى الصّورة هنا تجسيداً ناصعاً للمثاليّة الثوريّة في مواجهة العالم.
جورج عبد الله: “إذا كان الشعبُ لم يمنحني شرف المشاركة في هذه الأعمال المعادية للإمبريالية التي تنسبونها إليّ، فعلى الأقل يُشرفني أن أكون متّهماً بها”
في الصورة الثانيّة، يبدو جورج وكأنّه أصبح أكثر أُلفةً مع المكان –الزّنزانة- حتّى وإن امتلأتْ بكلّ ما يرمز لتحدّي الأسباب التي أبقته قسراً هناك أربعين سنةً؛ خريطةُ فلسطين بحدودها التاريخيّة، صورةٌ كبيرةٌ لجيفارا فوق خلفيةٍ حمراءَ كتعويذةٍ تُغطي الجدار، كتبٌ ومنشورات تَشي بما فيها بوضوحٍ من دون الحاجة إلى تصفّحها، كوفيّةٌ تُحيط بالرقبة وابتسامةٌ عذبةٌ ارتسمت على وجهٍ فاض بالشّيب، العينان اللتان تنظران مباشرة في الكاميرا بخلافِ الصّورة الأولى واللحية التي أصبحَت أكثر تهذيباً، تحكيان معنى التعب والإرهاق رُغم كلّ مُحاولات المقاومة. هذه الصورة الثانية في السّجن مع الكتب، تُعيد تشكيل الأثر، تعمل وكأنها “إعادة إنتاجٍ للذات” في أدائيّة الجسد وفي عُزلة السجن. الكتب التي تحيط بجورج لا تحملُ المعاني ذاتها التي كانت لها في الثمانينيات. في ظلّ خُفوت الأفكار اليسارية، تُصبح هذه الكتب أشبه بسرديّاتٍ مُنهكةٍ لا تحمل قوّة التحدّي التي كانت تشعُّ من عينيه في الصورة الأولى. الكتب، كأشياءَ مادّية، قد تبدو أدواتٍ للمعرفة أو للمقاومة، لكنّها هُنا تُصبح أدواتٍ رمزيّةً للعزل الزمنيّ. هذه الصورةُ لا تعكسُ فقط التغيير في ذات جورج عبد الله، بل التغيير في العالم الذي أعاد تشكيل مَعاني النضال. حيث يتحوّل الجسد إلى نصّ يعكس ثِقل الزمن والهزائم، لكنّه في الوقت نفسه يحمل أيضاً بقايا الأداء النضاليّ مقاوَمةً خافتةً لسلطة الزمن. السجنُ هنا ليس فقط مادياً، بل هو سجنٌ رمزيٌّ يجعل وجوده مرتبطاً بسياقٍ سياسيٍّ لم يعدْ قادراً على تحقيق الحلم الأصلي. والزمن هنا لا يُكرّر المعاني ذاتها، بل يُعيد إنتاجها بشكلٍ مختلفٍ، حيث يظهر جورج شخصاً عاديّاً، ليس لأنّه لم يعد مُناضلاً، بل لأنّ الزمن جعل النضال ذاته يبدو خارج سياقه الأصلي. العاديةُ التي تظهر في عينيه ليست استسلاماً، لكنّها تُجسد “تحوّلاً للمعنى” بفعل الزمن.
…
في مارس/ آذارَ 2020، ومن أجل تخفيفِ الازدحام في السجون الفرنسيّة بسبب الأخطار التي قد يُسبّبها وباء كوفيد، أمرت وزيرةُ العدل الفرنسيّة، نيكول بيلوبيه، بالإفراج عن 13500 سجينٍ، هم في الأصلِ المُدانون الذين قضوا مُعظم عقوبتهم، في ذلك الوقت، كان سجن “لانيميزان” يؤوي جورج إبراهيم عبد الله، واستثنته الوزيرة نفسها من أمر الإفراج المُبكر، رغم أنّه أكمل كامل عقوبته منذ العام 1999، وفسّرت عدم الإفراج وسط تفشي الوباء بأنّها استثنت المُجرمين المُدانين بجرائم الإرهاب، على الرغم من أنّ جورج عبد الله الذي انتهت عقوبته كان محكوماً بجُرمِ المشاركة في عملية اغتيال، ولم يكن محكوماً بجرائم إرهابٍ كالتي حدّدها القانون الفرنسي، وتشمل أفعالاً مثل “الهجمات العشوائية على المدنيين وزرع القنابل في الشوارع…”.
بدأتِ الحكايةُ في زمن نهاية المرحلة التي سُمّيت “سنواتُ الرصاص”، وهي التسمية التي اعتاد عليها صحافيو الغرب لوصفِ الزمن الأوروبي المُمتدّ من نهاية الستينيات حتّى مُنتصف الثمانينيات من القرن الماضي. كانت منظماتٌ مثل “الألوية الحمراء” الإيطاليّة و”العمل المباشر” (Action Directe) الفرنسيّة و”بادر ماينهوف” الألمانيّة وغيرها في ذُروة نشاطها “الثوري” في تلك الفترة، وكلّها على علاقة وثيقةٍ بالجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وبالتحديد بالفرع الخارجيّ لها، الذي كان يُؤمن، في تلك المرحلة، بأهميّة العمل الثوري الخارجي وسيلةً لتعريف العالم بالمأساة الفلسطينيّة. التقت تلك التنظيماتُ الماركسية على فكرة العنف الثوريّ وسيلةً للنضال. وفي خضم ذلك، وقعت أعمالُ عنفٍ كثيرة، منها هجماتٌ على أهدافٍ إسرائيليّة في أوروبا الغربية. إحدى تلك الهجمات كان اغتيالَ دبلوماسيٍّ أميركي ورجل استخباراتٍ إسرائيلي في باريس عام 1982، تحدّث الشهودُ عن رجلٍ قصير القامة قتلَ الأوّل، في حين اغتال الثاني امرأةٌ ترتدي قبعةً واختفت في محطة المترو. بعد سنتين، ألقت الشرطة الفرنسيّة القبض على شابٍّ في مدينة ليون يسكن في شقة تعود لامرأةٍ قيل إنّها تُدعى فريال ضاهر، ألقت الشرطة الإيطاليّة القبض عليها على حدود يوغسلافيا وهي تحمل حقيبةً مملوءة بأسلحة. هذا الشابّ ذو الثلاثة والثلاثين عاماً هو جورج إبراهيم عبد الله، وقد احتجزته الشرطة الفرنسية وحُكم عليه بالسّجن أربع سنواتٍ بتهمة تزوير وثائق شخصيّة لعثورهم بحوزته على وثائق سفرٍ جزائريّة ومالطيّة. ثمّ صادفَ أن ألقت الشرطة الفرنسيّة في 1985 القبض على شابّ آخر، عُثر في بيته على الأسلحة التي نُفذت بها عمليتا الاغتيال السابقتان، ليُكتشف لاحقاً أن أُجرة هذا البيت مدفوعةٌ من حسابٍ مصرفيّ يعود إلى أحد الأسماءِ المُستعارة لجورج عبد الله، وكان هذا، برأي الادّعاء الفرنسي، سببٌ كافٍ لتوجيه تُهمة الاشتراك في عملية الاغتيال.
لقد جعل أحفاد الثورة الفرنسيّة التوبة مفهوماً قانونيّاً أكثر منه دينيّاً أو أخلاقيّاً
شهدت فرنسا في منتصف الثمانينيات استقطاباً سياسيّاً حادًاً أدّى إلى انتخاباتٍ في عام 1986، جاءت بيمينٍ أكثر جرأةً ليشارك الرئيس الاشتراكي، فرانسوا ميتران، الحكم. منذ ذلك الوقت، تغيّر التعامل مع الناشطين السياسيين، خصوصاً من اليسار، حيث قدّم وقتها رئيسُ الوزراء اليميني، جاك شيراك، أوّل قانونٍ فرنسيٍ حديثٍ لمكافحة الإرهاب، وأُُنشئت بموجب هذا القانون محاكمُ للإرهاب، لا يتمتع فيها المتّهمون “بضماناتِ محاكمةٍ عادلةٍ”. وكان جورح عبد الله أوّل من يُدان بموجب هذه القوانين، إلى درجة أنّ القضاة تجاوزوا عقوبة السجن عشرَ سنين التي طالب بها الادّعاء، وأصدروا حكمهم بعقوبة السجن مدى الحياة بتهمة التّواطؤ في القتل العمد. ليردّ جورج عبد الله على الحكم وقتها وأمام قوس المحكمة بجملته الشهيرة: “إذا كان الشعبُ لم يمنحني شرف المشاركة في هذه الأعمال المعادية للإمبريالية التي تنسبونها إليّ، فعلى الأقل يُشرفني أن أكون متّهماً بها”.
وزير الداخليّة الفرنسي، شارل باسكوا، وقائد الشرطة، روبيرت باندرود، اعترفا، بعد بضع سنوات، بأنّهما ادّعيا بأنّ عائلة جورج عبد الله نفّذت أعمالاً إرهابيّة تزامن وقوعها في فرنسا وقتَ المحاكمة، فقط لأنّ شهوداً قالوا إنّ للمنفذ لحية، “معظم الفرنسيين يعتقدون أنّ المُلتحين من الشرق الأوسط متشابهون” هكذا قال الوزير الفرنسي ورئيس شرطته. كتب ألان مارسو، القاضي في محكمة الإرهاب التي أدانت جورج عبد الله، في مذكّراته، إنّ ذلك المتهم قد حُوكم جزئياً على أفعالٍ لم يرتكبها… اعترف جان بول مازورييه” محامي جورج عبد الله وقتَ الحكم عليه، في مقابلةٍ مع صحيفة ليبيراسيون، بأنّ أجهزة الاستخبارات الفرنسية جنّدته للعمل ضدّ موكله في أثناء المحاكمة؛ نعم! كان المحامي الفرنسيّ يتآمر على موكله مع المخابرات الفرنسيّة ويُفشي أسراره خلال التحقيق.
يعلّمنا جورج عبد الله أنّ الحريّة الحقيقية ليست وهماً يصنعه العالم السريع، بل هي اختيار البقاء في مواجهة الزوال
تَزامن انقضاءُ القرن العشرين مع انقضاء مدّة الحكم على جورج عبد الله، ذلك الحكم الذي لم يترك عيباً قانونياً إلّا واشتمل عليه، ورُغم ذلك لم يُطلق سراحه، لم تجد العدالةُ الفرنسيّة حرجاً في الإبقاء على سجينٍ أنهى فترة حُكمه من دون أيّ تفسير. بعد ما يزيد عن عقدٍ، جدّدت محكمةٌ فرنسيّةٌ الطلب من الحكومة إطلاق سراحه، ورغم ذلك بقي في السجن. وبعد عقدٍ ثانٍ، خضع جورج لاختبارٍ نفسيّ بغرض مناقشة إطلاق سراحه، ثمّ قرّرت اللجنة التي قابلته أن يبقى في السجن… هل يستطيع الخيال تصوّر مشاعرِ مَن يُفتح عليه باب السجن مرّة واحدةً كلّ عشر سنين ليُغلق عليه من جديد!؟ أُطلق سراح عشرات الآلاف من المجرمين من السجن بداعي خطر تفشي وباء كوفيد وبقي في السجن. كلّ قادة المنظّمات الماركسيّة المُدانين عن أحداثٍ وقعت في “سنوات الرصاص” نالوا أحكاماً مخفّفةً مُنتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكلّهم خرجوا من السجن لاحقاً، حتّى من أُدين منهم باغتيال رئيس الوزراء الإيطالي أو قتل رئيس شركة رينو للسيارات. وبقي جورج إبراهيم عبد الله في السجن، لم تقدّم الحكومة الفرنسيّة أيّ تفسير موضوعي، تمّ تجهيل الأسباب القانونيّة التي جعلته أقدم أسيرٍ سياسيٍّ في أوروبا بطريقةٍ ما بعد حداثية!
أظهرت وثائق ويكيليكس في ما يتعلق بسجلّ المُكالمات الخاصّ بوزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أنّها طلبت من وزير الخارجية الفرنسية الاشتراكي، لوران فابيوس، الإبقاء على جورج عبد الله في السجن. أمّا اللجنة التي قابلته العام الماضي فقد توصلت إلى قناعةٍ (بحسب محاميه) بأنّه غير نادمٍ على أفعاله، وأوصَت ببقائه في سجنه لأنّه لم يطلب التوبة… لقد جعل أحفاد الثورة الفرنسيّة التوبة مفهوماً قانونيّاً أكثر منه دينيّاً أو أخلاقيّاً.
….
يكون الزمن كسولاً داخل السجن، حبيسَ الجدران مثل ساكنيه. الزمن بطءٌ مطلقٌ عند السجين، لكنّ العالم خارج الزنزانة، منذ الثمانينيات حتّى منتصف القرن الواحد والعشرين، صار زمناً مُفرط السرعة، يتجاوز الأفراد، ويستهلك الأحلام. انهارت جدران الأيديولوجيات الكبرى التي آمن بها جورج عبد الله، وسقطت اليوتوبيا مع سقوط جدار برلين وما تلاه وانعكاساته على منطقتنا في ما مثّلته نتائجُ حرب الخليج الأولى ومعاهدات السلام وتغوّل أنظمة الاستبداد العربية بعدما أُطلقت يدها تماماً على شعوبها بعد استسلامها لما سُمّيت وقتها نهاية التاريخ. صعدت قِيم السوق مكان قيم الثورة، وتصدّعت الفكرةُ الثوريّة نفسها.
تَزامن انقضاءُ القرن العشرين مع انقضاء مدّة الحكم على جورج عبد الله، ذلك الحكم الذي لم يترك عيباً قانونياً إلّا واشتمل عليه
في زمن السجن البطيء، يُصبح الماضي هو الحاضر؛ لكنّ العالم الذي تحرّر من قيم الماضي لا يحترمُ إلّا الحاضرَ المؤقت، الحاضرَ السائل، كما وصفه زيغمونت باومان؛ كيف سيتصالح جورج عبد الله مع زمنين متناقضين لحظة خروجه التي نأمل أن تتحقّقَ هذه المرّة؟! وكيف يجد معنىً لحرّيته المؤجلة في زمنٍ صار “ما بعد حداثيّ”، حيثُ لا معنى لأيّ شيءٍ إلّا استهلاكُ المعنى؟. … جورج عبد الله هنا ليس شخصيةً نضاليةً لها حكايتها فقط، بل كان استعارةً لنا؛ للشعوب التي حلمت ثم استُلبت. هو صوت الفكرة الثوريّة حين تحترق في امتحان الزمن. لكنّه أيضاً يعلّمنا أنّ الحريّة الحقيقية ليست وهماً يصنعه العالم السريع، بل هي اختيار البقاء في مواجهة الزوال.
بقي شيءٌ أخير: كيف أمضى أربعين عاماً في السجن؟!. كيف يفعلُ من يكون في سباقٍ مستمرٍّ من دون خطوط نهاية! من أمضى أربعين عاماً ينظر إلى ساعةٍ معطوبةٍ في الجدار، تشير إلى الصباح فيما الظلام يملأ باحة السجن!. تعلّم السجين لغة البطء، تصالح معها. أعاد تعريف الزمن باعتباره فعلَ مقاومة، كصمودٍ صامتٍ في وجه سرعة العالم. صار الزمن لديه دائرةً مغلقة، الحريّة ليست إلّا مقاومةً ضدّ كلّ نظامٍ يحاول أن يصوغك وفق نموذجه. في السجن، قاوم النظام بجسده. قاوم الانفصال، قاوم اللامعنى، امتلك الأمل، ذلك الشيء الذي لا يتركُ للروح الحرّة فرصةً للموت.
المصدر: العربي الجديد