معن البياري
وحده التريّث الأنسب لأن نزاوله بشأن بناء تصوّرات (وسيناريوهات) لما ستتدحرج إليه الوقائع المتسارعة في شمال سورية وبعض وسطها، ذلك أن من غير اليسير أن يقبض واحدُنا على الممكنات الأكثر ترجيحاً أن تستجدّ، فبقدر ما قد تطرأ من مفاجآت سارّة (مزيد من اهتزاز النظام)، واردٌ أيضاً أن ينتكس زحف قوى المعارضة السورية (في مقدّمتها هيئة تحرير الشام). على أن هذا التريّث المدعوّ إليه هنا لا يحرم أحداً تفسيرَ ما يحدُث، ويحرّك ملفّ سورية المهمل منذ سنوات، مع انهيارات منظومات النظام، العسكرية والأمنية، في حلب وإدلب وجوارهما ومواضع أخرى، وإنْ مع نوبات شجاعةٍ متقطّعةٍ لديه يواكبها عونٌ روسيٌّ. أما السؤال “لماذا في هذا الوقت بالذات؟” … فبديهيٌّ أن لكل حادثةٍ معطياتٍ تيسّر حدوثها، وما تنقلُه الشاشاتُ من أريافٍ ومدنٍ وبلداتٍ في الشمال السوري يسّرته أضواء تركية خضراء، وبإسنادٍ تسليحيٍّ ولوجستي، لا بدّ، وفّرته أنقرة، لرهاناتٍ لديها تقاطعت مع ظرفٍ إقليمي رأته مؤاتياً.
أخذاً بالتريّث الموصى به أعلاه، ينصرف صاحب هذه الكلمات عن هذه التفاصيل الميدانية، المتدافعة منذ خمسة أيام، ويقول إن سورية، في لحظتها شديدة الحساسية هذه، تحتاج إلى فئةٍ مخلصةٍ، ذات حسّ عالي المسؤولية، في الجيش، يقودُها رجلٌ من قماشة السوداني الراحل عبد الرحمن سوار الذهب الذي كان قائداً للقوات المسلحة في بلاده، لمّا التقط لحظة انتفاضة إبريل (1985) الشعبية على جعفر نميري ودكتاتوريّته، فحرّك قطعاتٍ من الجيش في انقلابٍ عسكري، لا حرج من وصفِه بأنه كان انقلاباً حميداً، وهيّأ السودان نحو عام لسلطةٍ مدنيّةٍ منتخبةٍ نقل إليها السلطة، ثم غادر الحكم إلى العمل الإغاثي والإنساني والدعوي الإسلامي.
ولئن يبقى ثقيلاً على النفس، أن يتبنّى صحافي دعوةً إلى انقلابٍ عسكريٍّ في بلد عربي، سيّما وأن صاحبَها هنا ناهضَ الانقلاب العسكري إيّاه في مصر (2013)، ها هو تأخذُانه، حماستُه للثورة السورية وشعبها وبغضاءُ يكنّها تجاه نظام عائلة الأسد، إلى تحبيذ إعلان ضابطٍ رفيع، في جيش البلاد، على مناقبيّةٍ كالتي كان عليها طيّب الذكر سوار الذهب، تولّيه المسؤولية فترةً انتقالية، تتحرّر فيها سورية من الاحتلالات، وتلتقط أنفاسها، وتتهيّأ لانعطافتها المشتهاة نحو تمرينٍ ديمقراطيٍّ ومسارٍ ينتشلها، ما أمكن، من قيعان الخراب الاجتماعي والاقتصادي التي ارتدّت إليها في 14 عاماً مضت، بفعل النظام وجرائمه، والإرهاب الذي تمادى، فجعلا سورية ملعباً مستباحاً لكل من أراد أن يلعب. … أكرّر، إن الدعوة إلى انقلابٍ عسكريٍّ في دمشق، وإنْ بقيادة سوار ذهبٍ سوري، ثقيلةٌ على النفس، غير أن ما يسوّغها، بل ما يوجب ضرورتها، أن الحديث هنا عن دولةٍ عالمثالثية، تُشابه نظيراتٍ لها عربياتٍ في أن جيوشَها صاحبة أدوار مركزية وحاسمة، في التحوّلات إلى هذه الوجهة أو تلك. ولنتذكّر أن ثورة يناير المصرية ما كان في مقدورها أن تطيح حسني مبارك لولا الفعل المعلوم الذي بادر إليه الجيش. ولسببٍ كهذا وغيره، ليس مستنكراً أنْ يتمنّى واحدُنا من وطنيين في الجيش السوري مبادرةً شجاعةً، محسوبةً لا ريب، تطرُد بشّار الأسد من قصر المهاجرين، وتبشّر الناس بخلاصٍ وإنقاذٍ متدرّجيْن، وتطلب من العالم مساعدتها في غير شأن، وتجمع الكفاءات السورية، الفكرية والقانونية، لإعمار مؤسّسةٍ للحكم في الدولة التي تهتّكت وانتُهكت.
بدا أستاذُنا وصديقُنا برهان غليون حذراً من أن يتبنّى تسمية الانقلاب الذي دعا إليه عسكرياً، في تدوينةٍ اعتبر فيها خياراً وحيداً، لتجنّب الوقوع في المخاطر في اللحظة الراهنة، “أن تظهر في دمشق من داخل النظام حركةٌ تلاقي حركة الفصائل، وتعلن الانقلاب على الأسد، وتعلن استعدادَها للعمل مع الفصائل لقيادة عملية الانتقال السياسي المؤجّل في سورية منذ 14 عاماً، والبدء بالتعاون مع الدول المعنيّة، وتحت مظلّةٍ دوليةٍ، وبرعاية الدول المشاركة، على تشكيل هيئة حاكمة انتقالية وتعديل الدستور وتشكيل حكومةٍ انتقاليةٍ بانتظار انتخاباتٍ خلال فترة سنة أو أكثر”. يرى هذا “المخرَج الأفضل للأزمة التي فتحها التقدّم المذهل للفصائل والتفاعل الكبير للجمهور السوري معها”.
أمّا وأنّ داعية الديمقراطية العتيد، برهان غليون، لم يبُقّ البحصة كلها، فتُختَتم هذه السطور بأن سورية في حاجةٍ إلى انقلابٍ عسكريٍ صريح، يقودُه ضابطٌ زاهدٌ من طينة عبد الرحمن سوار الذهب.
المصدر: العربي الجديد