أحمد مظهر سعدو
يبدو أنه من القضايا التي طالها النسيان والتهميش في المسألة السورية، وفي كثير من الأحيان أصابها الإهمال، وكذلك قلة الحيلة، هو واقع مخيم الركبان الذي يضم ما يقرب من ثلاثة آلاف لاجئ أو نازح، حسب المرصد السوري لحقوق الانسان، وهو العدد الذي تبقي منه بعد موجات متتابعة، ونزيف مستمر أدى إلى الهروب خارجه أو الرحيل إلى عالم الأموات، عبر مزيد من حالات تفشي الأمراض وأيضًا شح الغذاء إن لم يكن ندرته، وبالتالي صعوبة الحياة واستحالتها في صحراء سورية قاحلة لا زرع فيها ولا ضرع.
حيث يعتبر مخيم الركبان الذي يقع بالقرب من المثلث العراقي الأردني السوري، وضمن بادية الشام القاحلة، وهو من المخيمات السورية داخل الحدود السورية الباقية ضمن ظروف حياتية غاية في الصعوبة، وواقع مؤلم من الحصار لا سابق له، تجاوز العشر سنوات خلت، وعبر معاناة تلاحق القاطنين فيه، رغمًا عنهم، من خلال أسوار تعلوا وتعلوا فقد أتت وتم تفعيلها من قبل جهات الدنيا الأربع، فمن جهة الداخل السوري تحاصر المخيم سلطة النظام السوري، وتقيم عليهم سطوة الاعتقال، أو ملاقاة الله جل في علاه، عبر حالات انعدام الصحة والغذاء، لأن النظام السوري ما انفك يحسب هؤلاء الذين يعيشون في المخيم، على المعارضة السورية، ويعتبرهم من الحاضنة الشعبية للمعارضة، لذلك فهو يقيم عليهم الحد، ويمنع عنهم الكساء والماء والغذاء والصحة، بما يشبه تمامًا ما يفعله هو بالمعتقلين السوريين، الذين تم القبض عليهم وزجهم ضمن معتقلاته أو سجونه التي لا تعد ولا تحصى، ولعل أقربها إليهم كان سجن تدمر/ سيء الصيت والسمعة .
كما تساهم في هذا الحصار الدائم والممض قوات حرس الحدود الأردنية، التي كانت ومازالت تتخوف من أن يفر هؤلاء المحاصرين باتجاه الأراضي الأردنية، حيث تضيق الحكومة الأردنية بما لديها في الجغرافيا الأردنية من مهجرين سوريين سواء في مخيم الزعتري، أو سواه من المدن والأرياف الأردنية، ولا تريد بل وتمنع الأردن أن تستقبل أي وافد أو مهجر سوري جديد، سيضاف إلى المليون مهجر سوري، الذين تضمهم الأراضي الأردنية، في ظل تمنع نظام دمشق عن عودة اللاجئين السوريين، من الأردن رغم كل الضغوط العربية والأردنية، دون احتمالات تلبية لهذه المتطلبات العربية بعودة اللاجئين خارج سوريا منذ ثلاثة عشر سنة مضت.
يضاف إلى ذلك أن حكومة العراق لن تقبل أي تسلل جديد من السوريين نحوها في ظل وجود مليشيات الحشد الشعبي، التي تنظر لهؤلاء السوريين من منطلق أنهم يتماهون ويتساوقون مع المعارضة السورية التي يجري محاربتها من قبل إيران/ الملالي على الأرض السورية، التي تدعم هذه المليشيات العراقية ، ووحدها القاعدة الأميركية في (التنف) هي التي تسمح بين الفينة والأخرى لبعض المعونات الغذائية والصحيةـ أن يتم تمريرها للمحاصرين في مخيم الركبان، وبالطبع وفق الشروط الأميركية، ومن خلال بعض المنظمات السورية التي لا تعارض السياسات الأميركية ولا تناهضها بالضرورة.
وإذا كان هذا هو حال السوريين في مخيم الركبان، وضمن كل هذه المعاناة، فهل عجزت المعارضة السورية، وكل دول المحيط الإقليمي، وكل ما كان يسمى أصدقاء الشعب السوري عن مد يد العون لآلاف السوريين في مخيم الركبان، الذين ينتظرهم الموت إن لم يتم عاجلًا غير آجل، إنهاء حالة الحصار عليهم وإعادتهم إلى بلداتهم وقراهم، حيث سبق وتم تهجيرهم منها، إبان سيطرة قوات النظام السوري، على مدينة حمص، ثم تدمر وما حولها، حيث قتل النظام والمليشيات التي ترافقه ما قتل، وهجر ما بقي على قيد الحياة إلى الركبان وسواه.
رب قائل يقول: وأين هو تموضع الدور الأهم والمفترض للمعارضة السورية الرسمية، التي لم تحرك ساكنًا لإنقاذ هؤلاء السوريين المحاصرين من براثن الموت مرضًا أو جوعًا أو بردًا أو حتى عطشًا. وهو سؤال موضوعي ومهم يمكن الاجابة عليه كما يلي:
لقد انشغلت المعارضة الرسمية السورية بكل تكويناتها ومنصاتها بمصالحها ومحاصصاتها البينية، كما انشغلت في أتون رحلة (الشتاء والصيف) إلى اجتماعات جنيف التي رعت اللجنة الدستورية والتي توقفت بأمر روسي، دون تحقيق أي حالة وصول نحو صياغة حتى مادة واحدة في الدستور السوري المفترض. كما أن بعض فصائل المعارضة المسلحة السورية، انشغلت بمناكداتها البينية، أو اقتتالها الداخلي، ثم بمسار أستانا، الذي ساهم من حيث يدري أو لا يدري في قوننة قضم المناطق لصالح النظام السوري، عبر سياسات ما سمي (خفض التصعيد) ومناطقها. علاوة على ان المعارضة السورية الرسمية تعودت على نسيان الكثير من المسائل المهمة ومنها قضية المعتقلين السوريين المعلقة على الرف، والتي طالها النسيان هي الأخرى دون تحريك ساكن فيها، أو على طريقها بذريعة أنها مسؤولية الدول الإقليمية والكبرى، التي تغرد بعيدًا، ولا تهتم بأرواح الناس في سجون الطغيان الأسدي، أو في أرواح من يعيش على حافة الموت في مخيم الركبان موضوعنا المقلق لكل السوريين اليوم.
إن ما يعانيه السوريين في مخيم الركبان، وحالة التهميش الكبرى، التي يعيشونها تدفع الجميع إلى قرع ناقوس الخطر، وتحيل الأمور إلى تكوين وعي أخلاقي وإنساني بأهمية تحريك هذا الملف، وإعادة إحياء مسألة المطالبة بحل موضوعي وإنساني نهائي له، وهي مهمة المعارضة السورية أولًا، ومعها كل من مازال يعترف بإنسانية الإنسان، وكل الذين مازالوا يعتقدون أن حل المشاكل المعلقة، لم يعد في جو مواتي من الارتياح والرفاهية، لأن أرواح الناس في مخيم الركبان وغيره ليست مجالًا للمقامرة، وليست في موقع التخطي والتجاوز أبدًا، ولا القبول بإدخالها في أجواء وحيثيات المصالح الأنوية للمعارضة الرسمية السورية على كل الأوجه وضمن كل المسارات والمعايير.
أوضاع مخيم الركبان غاية في الصعوبة وتحتاج بذل كل الجهود لإنهاء هذه المعاناة اليومية والقاسية، وتتحمل المعارضة السورية الرسمية المسؤولية الأولى في ذلك، يضاف إليها الدول الإقليمية التي مازالت تتفرج على الموت البطيء للسوريين المحاصرين في مخيم الركبان فهل من يلبي النداء؟.
المصدر: الوعي السوري