أحمد مظهر سعدو
مهما قيل عن انتصار الفصائل السورية المسلحة، وقدرتها المبهرة على الوصول إلى العاصمة دمشق، خلال 11 يوماً فقط من بدء عملية ردع العدوان، فإن الحقيقة تقول إن ثوار سورية، وبجهد ميداني طويل، ومعاناة لا تنقطع، وشهداء على مذبح الحرية، جاوزوا المليون ونيف، تمكنوا وبعد ما يقرب من 14عاماً من أن يصلوا إلى دمشق، العاصمة الأموية العريقة، وينعموا بهواء قاسيون العليل. وبذلك، يكون الأمل قد عاد، ليس للسوريين فحسب، بل لجميع نشطاء ثورات الربيع العربي، التي انتكست خلال السنوات المنصرمة، وأصابت الشعوب باليأس، ويكون الواقع السوري قد أثبت، بالممارسة والملموس، أن الشعوب فيما لو ظل الأمل والعمل والاستمرار في اشتغالها الجدّي، سوف تصل إلى مبتغاها، وتنجز الكثير، وها هي ثورة الشعب السوري، ثورة الحرية والكرامة تنتصر وتقتلع أركان النظام الطغياني الاستبدادي الطائفي بدوره الوظيفي القذر، وترميه إلى مزابل التاريخ، فيفر هارباً إلى موسكو تحت جنح الظلام، وهو الذي كان وأدواته يمسكون برقاب الشعب السوري وأنفاسه، ويمعنون في تقتيل الناس، من سوريين ولبنانيين وفلسطينيين، ويزجّونهم في غياهب السجون، حتى بلغ من تم إدخاله إلى معتقلات بشار الأسد وأقبيته، حسب تقديرات لمنظمّات حقوقية أممية ما يقرب من 900 ألف معتقل، منذ بدء الثورة السورية في 15 مارس/ آذار 2011، وحتى لحظة سقوط نظام الأسد المدوي، ومنهم من قتل في السجون، ومنهم من خرج للحرية، ومنهم ممن ما زال مغيباً حتى اللحظة، لا يعرف أهلوه أي خبر عنه.
سقط هذا النظام/العصابة مع صبيحة 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وهو تاريخ سيسجل في مؤرّخات العالم ومعارفه، وليس لدى السوريين فقط، لأهميته التاريخية، إذ أزيلَ النظام الديكتاتوري الفاشي، الذي يصنّف من أعتى الأنظمة وأقذرها في العالم أجمع.
تجاوز خط الفقر في سورية عتبة 90%، وأصبح المواطن السوري لا يكفيه دخله أكثر من أسبوع في أحسن الحالات
أما وأن حكومة انتقالية قد تشكّلت في دمشق، وهي التي جاءت من الشمال السوري لتدير المرحلة الانتقالية المحددة حتى مارس/آذار المقبل، فإنه ما يزال أمامها مهام كثيرة ومعوقات وصعوبات عديدة، وهي تحتاج إلى الإسراع في وضع الحلول العاجلة لعشرات من الملفات التي لا تحتمل المماطلة والتأجيل، لعل أهمها الملف الأمني، الذي سيكون من أولى أولويات الحكومة الانتقالية ليعطي الاستقرار والأمان للناس، كي تطمئن قلوبهم وحيواتهم، ثم يتشجع ويعود من الخارج والشمال السوري أكثر من ١٤ مليون سوري هُجّروا قسريًا على يد نظام الفاشيست الأسدي، وهم في الواقع لا يمكن أن يعودوا في معظمهم، إلا إذا شعروا بأن البيئة الآمنة، التي تحدث عنها قرار مجلس الأمن 2254 سابقاً، أضحت ناجزة، وهي مهمّة صعبة التحقيق في ظل تفلت السلاح، وكثرة أنواعه، التي سبق وقام بتمليكها وتوزيعها النظام البائد لشبّيحته وزبانيته، كي يحموه بها، ويشبّحون على كل السوريين، وهي اليوم تشكل الخطر الأكبر على نهارات السوريين وأيامهم، خشية من عودة شبح الثورة المضادة، كما يقال.
ويبدو أن حكومة محمد البشير الجديدة تنبهت جديًا لخطورة ذلك، وبدأت العمل عليه، وهو ما أعطى أجواء من الحالة المدنية الطبيعية لدمشق، ولكل المحافظات وهذا يشي بإنجاز الحياة التي طالما حلم بها السوريون. كما لا بد من الإسراع في حلحلة ملفات مهمة أخرى مثل الخدمات اليومية للناس، والتي حرموا منها أيام النظام المخلوع، ومنها الكهرباء والمحروقات، في ظل الشتاء القاسي والصعب المقبل على سورية، وأيضاً تحقيق الأمن الغذائي والصحي، إذ تفتقد سورية (بعد أن أصبحت دولة فاشلة على يد المجرم بشّار الأسد وأبيه من قبله)، إلى مقومات وضرورات الصحة والدواء والغذاء، ناهيك عن حالة العوز المعيشي، فقد تجاوز خط الفقر في سورية عتبة 90%، وأصبح المواطن السوري لا يكفيه دخله أكثر من أسبوع في أحسن الحالات، وهذا يفترض مهمة كبرى على الحكومة الانتقالية، وهي تأمين فرص عمل وتحسين أوضاع الليرة السورية المنهارة كليًا، والتي أضحت بلا قيمة شرائية البتة. فضلًا عن موضوع طالما كان يؤرق السوريين، انتظارهم ساعات طوال على أبواب الأفران من أجل الحصول على ربطة خبز تقي أسرهم الجوع. وهذه المسألة هي اليوم من المهام العاجلة والضرورية جدًّا.
العقد الاجتماعي الوطني السوري الجامع يحقق وحدة سورية ويمنع تحرّكات العابثين في النسيج المجتمعي السوري
العمل الخدمي للوزارة الانتقالية، غاية في الأهمية، ولا بد أن يتم إنجازه، كي يشعر المواطن السوري أن الحكومة مهتمة به، وتحترم معاناته السابقة مع نظام القهر الأسدي البائد. علاوة على ذلك، موضوع التواصل العاجل مع المجتمع الدولي والعربي الرسمي والتعامل الدولي مع الدول الكبرى وكذلك الأمم المتحدة، لوقف حالة التعدّي العدواني الصهيوني على الجغرافيا السورية والعتاد العسكري للجيش السوري، والانسحاب الفوري من الأراضي السورية التي احتلتها بعد سقوط بشار الأسد، قضية غاية في الأهمية، إذ تصر إسرائيل على أن تترك سورية بعد الأسد بلا أنياب، فقد كانت إسرائيل تشعر بالأمان مع وجود نظام الأسد، بينما هي اليوم لم تعد تشعر به إبان استلام السوريين الدولة بعد الأسد.
أما عن المهام الأكبر، والتي يفترض أن تشتغل عليها القيادات السياسية للثورة السورية، فهي مهامّ جسام، وتأخذ وقتًا كثيرًا، ولا أعتقد أنها تدخل ضمن مهام الوزارة الانتقالية، بل يجب أن تشغل عليها كل القوى السياسية الفاعلة في الثورة السورية بلا استثناء، وهي تشكيل أو انتخاب جمعية تأسيسية وطنية سورية، من مهامها التأسيس للانتقال السياسي وصياغة الدستور السوري الوطني، وتحديث القوانين التي علاها الصدأ، وإجراء انتخابات حرّة بإشراف دولي، وفتح حوار وطني واسع على كثير من القضايا المقلقة للسوريين، لعل من أهمها إنجاز العقد الاجتماعي السوري الجامع، الذي لا بد منه، لتوحيد سورية، وليضم كل أطياف وكل مكونات الشعب السوري الإثنية والطائفية والأيديولوجية، وقطع الطريق نهائيًا على كل من تسول له نفسه العمل على تقسيم سورية، وتفتيتها إلى دويلات، أو أقاليم فيدرالية سياسية خارج إطار الفيدرالية الإدارية، بل في تناقض معها، من أجل تحقيق ما عملت عليه بعض المكونات بدعم خارجي، إذ أن العقد الاجتماعي الوطني السوري الجامع يحقق وحدة سورية ويمنع تحرّكات العابثين في النسيج المجتمعي السوري من العمل السلبي والتفتيتي داخل أنساق المجتمع السوري وأطره.
المصدر: العربي الجديد