رغم وجود عدد لا بأس به من أقاربي البعيدين وأهل قريتي به، لكنّني لم أزر يوماً مخيّم العائدين (الذين لم يعودوا) بحماة، المخيّم الملقى على أطراف نهر العاصي، المنسيّ إلاّ من أبنائه الطيّبين المتحدّرين من جليل فلسطين. الليلة الماضية فردتُ جناحي لاجئ متعبٍ أنهكه الشتات، رفرفتُ بهما قليلاً محاولاً استعادة بعض قوّةٍ استهلكتها رتابة المنافي، تعثّرت وسقطت، وتعثّرتُ وسقطت، حتّى تمكّنت أخيراً من الطيران وأنا بين الحلم واليقظة، حلّقتُ عالياً جنوباً وشرقاً، جنوباً وشرقاً، قطعتُ البراري والبحار إلى أن هبطتُ فوق أسطحة بيوته البسيطة مثل سرب حماماتٍ بُحَّ صوتُ هديلها من فيوض الوجد، ثمّ نزلت السلالم والجدران متسلّلاً إلى زقاقاته الضيّقة المفتوحة بوسعها على الحلم والحريّة تجوّلت بخطاي المتثاقلة المتحفّزة بين عتمة الحارات وحلكة الزواريب، كانت بيوت المخيّم كلّها غارقة في سكون الليل خالية من أيّة إضاءة، خلا سبعة عشر بيتاً فوق كلٍّ منها قمرٌ يتدلّى من الأعالي بخيوطٍ نحيلةٍ من أنين، يتصاعد حتّى يكاد يغيب في غياهب السماء العاشرة، ويهبط فارشًا نوره على خدّ الأرض المنبسطة مثل كفّ صبيّة في ليلة عرسها، جلتُ على تلك البيوت جميعها، توقفّت طويلاً عند أبوابها، ركعت بجسدي المنهك على أعتابها، أصغيتُ بملء قلبي لنحيب جدرانها، ثمّة نشيجٌ يشلع القلب من جذوره كان يتسرّب إليّ من دواخلها عبر شقوق الحكايات .. مع السلامة وين رايح .. مع السلامة يا مسِك فايح .. استجمعتُ ما ظلّ من شجاعتي، لكنّي لم أجرؤ على طرق أيٍّ منها، تركت على كلّ عتبة دمعة .. وألف آه، وعندما أردت الرجوع بحثتُ عنّي .. فلم أجدني •
محمد عصام علوش رُوي أنَّ هذه العبارة وردت أوَّلَ ما وردت على لسان الشَّاعر أبي الفتح محمد بن محمود بن...
Read more