عبد العظيم المغربل
بعد سقوط النظام المخلوع، برزت أسئلة كثيرة حول ماهية القطاعات الاقتصادية التي يمكن الاعتماد عليها في التنمية الاقتصادية والنهوض الاقتصادي في سوريا وإعادة الإعمار بعد سنوات من الحرب. وفي هذا الإطار، وضمن مقابلة مع تلفزيون سوريا بتاريخ 3 شباط/فبراير 2025، قال الرئيس السوري أحمد الشرع إنه يتم تشكيل فريق اقتصادي يضم خبرات سورية من داخل البلاد وخارجها. يعمل هذا الفريق على تحليل البيانات المتوفرة حول الاقتصاد السوري وإعداد خطة إصلاح اقتصادية تمتد لعشر سنوات، تهدف إلى تحويل سوريا إلى بيئة استثمارية جاذبة.
تتألف هذه الخطة من ثلاث مراحل: إسعافية على المدى القصير، متوسطة المدى، وبعيدة المدى، وتركز على إعادة هيكلة الاقتصاد وتعزيز الإنتاج المحلي. وأشار الرئيس الشرع أيضاً إلى أن الاقتصاد السوري يعتمد بشكل أساسي على الزراعة ثم الصناعة، إلى جانب أهمية العمل على تطوير البنية التحتية من اتصالات ونقل وكهرباء ومياه. كما أن تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد يعدان من الأولويات لتحقيق الاكتفاء الذاتي للاقتصاد السوري.
وشدد الرئيس على أهمية تعزيز الأمن، لما لهذا العامل من دور في جذب الاستثمارات إلى البلاد، حيث تأتي هذه الخطوات في إطار نهج مؤسسي يهدف إلى بناء اقتصاد مستدام لسوريا، ويسهم في تطوير القطاع الخاص وخلق فرص عمل جديدة تسهم في تخفيض معدلات البطالة.
وفي تعليقه على سؤال حول ماهية القطاعات الاقتصادية التي يمكن الاعتماد عليها في التنمية الاقتصادية لسوريا، قال الباحث الاقتصادي مخلص الناظر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: “يمكن الاعتماد على قطاعي الزراعة والصناعة كركيزتين أساسيتين في نهوض الاقتصاد السوري، ولكن بشرط تبني استراتيجيات تنموية فعالة. تاريخياً، كان هذان القطاعان يشكلان جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي لسوريا، حيث تمتلك البلاد موارد طبيعية وزراعية غنية، بالإضافة إلى قاعدة صناعية يمكن إعادة تأهيلها وتطويرها. ومع ذلك، فإن الاعتماد الحصري عليهما قد لا يكون كافياً، إذ يجب دمجهما مع قطاعات أخرى مثل التجارة والخدمات والتكنولوجيا لتحقيق تنمية شاملة”.
دور القطاع الزراعي في النهوض الاقتصادي
يعد القطاع الزراعي أحد الدعائم الأساسية للاقتصاد السوري، حيث كان يمثل أكثر من 19% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2011، وفقاً لمنظمة FAO، على الرغم من تقدم بعض القطاعات الأخرى. كما يعمل به أكثر من 25% من القوى العاملة في سوريا، وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة حوالي 32% من إجمالي مساحة البلاد، أي ما يعادل 6.5 ملايين هكتار، مما يجعله قطاعاً استراتيجياً في إعادة النشاط الاقتصادي وتحقيق الأمن الغذائي. إلا أن المساحات المستغلة فعلياً شهدت انخفاضاً ملحوظاً بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وتراجع الدعم الحكومي خلال العقد الماضي، وهجرة اليد العاملة نتيجة للحملات العسكرية التي شنها النظام البائد على المدن والأرياف. كما يعد نقص الموارد المائية أحد أكبر التحديات التي تواجه القطاع الزراعي، حيث انخفضت حصة الفرد من المياه بنسبة 40% خلال العقدين الماضيين نتيجة التغيرات المناخية وتضرر شبكات الري، وفقاً لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
وفي تصريحه لتلفزيون سوريا، قال الدكتور مخلص الناظر: “تُقدَّر أهمية قطاعي الزراعة والصناعة بنسبة كبيرة في إعادة بناء الاقتصاد السوري، ولكن هذه النسبة تعتمد على مدى توفر الظروف الملائمة للاستثمار والإنتاج. يمكن تقدير أهمية هذين القطاعين وفق عدة معايير، فالزراعة يمكن أن تساهم في تنمية الاقتصاد السوري بنسبة 35-40%، حيث تعد من أكثر القطاعات الواعدة، خاصة أن سوريا تتمتع بتربة خصبة، ومناخ متنوع، ووفرة في الموارد المائية رغم التحديات المتعلقة بشح المياه في بعض المناطق. الاستثمار في هذا القطاع يعزز الأمن الغذائي، ويخلق فرص عمل، ويقلل الاعتماد على الاستيراد”.
ما هي مقترحات النهوض بالقطاع الزراعي في سوريا؟
يعد النهوض بالقطاع الزراعي في سوريا ضرورة اقتصادية واستراتيجية تتطلب معالجة شاملة لمختلف التحديات التي واجهها القطاع خلال سنوات الحرب. ولتحقيق ذلك، يجب تبني نهج متكامل يقوم على إعادة تأهيل البنية التحتية، وتعزيز القيمة المضافة عبر الصناعات التحويلية، وتحقيق الأمن الغذائي والاستدامة الاقتصادية. ويشكل كل محور من هذه المحاور ركيزة أساسية في استعادة الدور الريادي للزراعة في دعم الاقتصاد السوري، وذلك من خلال ما يلي:
إعادة تأهيل البنية التحتية الزراعية وتحسين الإنتاجية
تعرضت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في سوريا للتلف نتيجة للحرب، فقد تضررت شبكات الري التقليدية، وانخفضت كفاءة الأراضي المنتجة بسبب الإهمال وندرة المدخلات الزراعية. وفقاً للتقارير، فقد تضرر ما يقارب 50% من أنظمة الري بشكل جزئي أو كلي، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي بنسبة كبيرة.
لذلك، فإن إعادة تأهيل شبكات الري وتحديثها باستخدام أنظمة الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط والري المحوري، تعد خطوة أساسية لتحسين الإنتاجية الزراعية وتقليل الهدر المائي. بالإضافة إلى ذلك، يجب تقديم حوافز للمزارعين لتشجيعهم على العودة إلى العمل الزراعي، من خلال تيسير الحصول على البذور والأسمدة المحسنة، وإعادة تأهيل الطرق الزراعية لتسهيل نقل المنتجات من المناطق الريفية إلى الأسواق المحلية والموانئ التصديرية. كما أن إدخال التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد، يمكن أن يسهم في تحسين التخطيط الزراعي، ورصد الإنتاج، وتوجيه الموارد بشكل أكثر كفاءة.
دعم الصناعات الزراعية التحويلية وزيادة القيمة المضافة
لا يقتصر تطوير القطاع الزراعي على زيادة الإنتاج فقط، بل يجب تعزيز الصناعات التحويلية الزراعية لتحقيق أقصى استفادة من المحاصيل المنتجة. تُعد سوريا غنية بالموارد الزراعية التي يمكن معالجتها محلياً بدلاً من تصديرها كمواد خام، فقد تراجعت صادرات المنتجات الزراعية بنسبة 60% خلال العقد الماضي نتيجة لانخفاض القدرة الإنتاجية وضعف سلاسل التوريد.
لذلك، يتعين إعادة تأهيل أو إنشاء مصانع للمنتجات الزراعية التحويلية مثل مطاحن القمح، ومعاصر الزيتون، ومصانع التعليب والتجفيف، بهدف زيادة القيمة المضافة وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات السورية في الأسواق الإقليمية والدولية. كما أن دعم الابتكار في الصناعات الغذائية، مثل إنتاج الأغذية العضوية والمنتجات الطبيعية الموجهة للأسواق الأوروبية والخليجية، يمكن أن يفتح فرصاً جديدة للصادرات ويخلق وظائف إضافية في الاقتصاد المحلي.
تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد
يعد تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي من الأولويات الاستراتيجية، لا سيما مع ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً وتزايد الضغوط على الميزان التجاري السوري الخاسر منذ سنوات. ويكمن الحل في تعزيز زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح، والشعير، والقطن، والذرة، والبقوليات، حيث تتمتع سوريا بقدرة إنتاجية عالية في هذه القطاعات، فضلاً عن الخبرات المحلية المتراكمة في زراعتها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تبني سياسات زراعية داعمة، مثل تقديم الدعم المباشر للمزارعين، وضبط أسعار المدخلات الزراعية، وتحسين خدمات التسويق والتوزيع الداخلي. كما أن تنويع الإنتاج الزراعي ليشمل زراعات جديدة مثل النباتات الطبية والعطرية، والمنتجات العضوية، يمكن أن يعزز التنوع الاقتصادي ويوفر مصادر دخل إضافية للمزارعين.
خلق بيئة استثمارية جاذبة في القطاع الزراعي
يمثل تطوير القطاع الزراعي فرصة هامة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، خاصة في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بالاستثمار في الزراعة المستدامة والتكنولوجيا الزراعية الحديثة. فهناك اهتمام متزايد من المستثمرين الدوليين بالمشاريع الزراعية التي تعتمد على التقنيات الذكية، مثل أنظمة الري بالطاقة الشمسية، والزراعة العمودية، والمزارع الذكية، التي تعزز الإنتاج وتقلل من استهلاك الموارد الطبيعية.
كما يمكن للحكومة السورية تقديم حوافز استثمارية، مثل منح تسهيلات ضريبية للمستثمرين في القطاع الزراعي، وتمويل المشاريع الزراعية عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص، ودعم إنشاء مناطق زراعية متخصصة، مما يضمن استدامة الاستثمارات ويسهم في تطوير البنية الاقتصادية للبلاد.
ثانياً: دور القطاع الصناعي في النهوض الاقتصادي
يُعدّ القطاع الصناعي أحد أهم محركات الاقتصاد السوري، إذ كان يسهم بحوالي 34% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2010، ويُعتقد أنه انخفض إلى 24% عام 2021، ليتنافس مع القطاع الزراعي على المرتبة الأولى، في حين كانت نسبة العاملين فيه تشكل جزءاً هاماً من القوى العاملة، خصوصاً في المدن الصناعية الكبرى مثل حلب ودمشق وحمص. وتمتلك سوريا قاعدة صناعية متنوعة تشمل الصناعات التحويلية، والنسيجية، والدوائية، والبتروكيماوية، والصناعات الغذائية، والتي كانت تسهم في تأمين احتياجات السوق المحلي وتعزيز الصادرات.
إلا أن الحرب أدت إلى أضرار واسعة في القطاع الصناعي، حيث قدّرت وزارة الصناعة السورية في عام 2021 أن الخسائر التي لحقت بالمصانع والمنشآت الصناعية بلغت أكثر من 600 تريليون ليرة سورية (حوالي 150 مليار دولار). كما أن الأضرار المباشرة وغير المباشرة للقطاع حتى عام 2019 قُدّرت بحوالي 23.5 مليار دولار. هذه الأضرار شملت تدمير البنية التحتية، وتوقف الإنتاج، ونقص الإمدادات اللوجستية، وخسارة الأسواق التصديرية، مما أدى إلى تراجع كبير في القدرة الصناعية والإنتاجية للبلاد.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور الناظر لتلفزيون سوريا: “يمكن أن تلعب الصناعة دوراً بنسبة 30-40% في تنمية الاقتصاد السوري، حيث يمكن للصناعة، وخاصة الصناعات التحويلية والمواد الغذائية والنسيجية، أن تؤدي دوراً مهماً في تحريك عجلة الإنتاج وزيادة الصادرات، خاصة إذا تم توفير بنية تحتية حديثة وتحفيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة”.
ما هي مقترحات النهوض بالقطاع الصناعي في سوريا؟
إعادة إحياء القطاع الصناعي تتطلب تبنّي سياسات شاملة تستهدف إعادة تأهيل البنية التحتية، وتحفيز الصناعات التحويلية، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين بيئة الاستثمار الصناعي، وذلك من خلال ما يلي:
إعادة تأهيل البنية التحتية الصناعية وتعزيز الإنتاجية: تعرضت آلاف المنشآت الصناعية لأضرار جسيمة، خصوصاً في المدن الصناعية الكبرى مثل حلب وريف دمشق وحمص، حيث تضرر أكثر من 50% من المصانع بشكل جزئي أو كلي، مما أدى إلى تعطيل سلاسل الإنتاج والتوزيع. ولإعادة تنشيط القطاع الصناعي، يجب إصلاح المدن الصناعية الكبرى مثل مدينة عدرا الصناعية (ريف دمشق)، والشيخ نجار (حلب)، وحسياء (حمص)، وذلك من خلال توفير البنية التحتية اللازمة، وإعادة تأهيل شبكات الكهرباء والمياه، وتحسين الخدمات اللوجستية التي تسهّل نقل المواد الأولية والمنتجات النهائية. كما أن توفير الطاقة بأسعار معقولة يُعدّ أحد العوامل الحاسمة في إعادة تشغيل المصانع، فقد أدى نقص الكهرباء والوقود إلى توقف العديد من خطوط الإنتاج. لذلك، فإن الاستثمار في الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن يوفر حلولاً مؤقتة للمصانع ويقلل من تكاليف التشغيل.
تحفيز الصناعات التحويلية وزيادة القيمة المضافة: تعتمد سوريا على الصناعات التحويلية التي تشمل النسيج، والمنتجات الغذائية، والأدوية، والكيماويات، والإسمنت، إلا أن هذه الصناعات شهدت انخفاضاً حاداً في الإنتاج والتصدير بسبب الحرب. ولإعادة تنشيط هذا القطاع، يجب التركيز على تحفيز الصناعات التي تعتمد على المواد الأولية المحلية والتي يمكن الاعتماد عليها من القطاع الزراعي على سبيل المثال، مثل صناعة النسيج المستندة إلى القطن السوري، ومعاصر الزيتون، والمصانع الغذائية، مما يقلل الحاجة إلى الاستيراد ويعزز القيمة المضافة محلياً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تحديث خطوط الإنتاج عبر إدخال تقنيات حديثة في التصنيع، وتسهيل استيراد المعدات الصناعية، ودعم البحوث والابتكار في الإنتاج، يمكن أن يرفع جودة المنتجات السورية ويجعلها أكثر تنافسية في الأسواق الإقليمية والعالمية.
تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات: قبل الحرب، كانت سوريا تتمتع بقاعدة صناعية قوية توفر معظم احتياجات السوق المحلي، إلا أن تضرر الإنتاج أدى إلى ارتفاع نسبة الاستيراد إلى أكثر من 70% من إجمالي الاستهلاك المحلي، مما زاد من الضغط على الميزان التجاري الخاسر. لذلك، يجب التركيز على إعادة تشغيل المصانع المغلقة، ودعم إنشاء مصانع جديدة في القطاعات الأساسية مثل الحديد، والإسمنت، والبلاستيك، والبتروكيماويات، والصناعات الغذائية، وذلك عبر تقديم تسهيلات حكومية وخفض الرسوم الجمركية على المواد الأولية اللازمة للصناعة. كما أن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المجال الصناعي يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تعزيز الإنتاج المحلي، إذ تسهم هذه المشاريع في خلق فرص عمل جديدة، وزيادة مرونة الاقتصاد، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
تحسين بيئة الاستثمار وجذب الاستثمارات الصناعية: لضمان استدامة الانتعاش الصناعي، لا بد من تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاع، حيث إن العديد من المستثمرين يبحثون عن فرص صناعية جديدة في سوريا، خصوصاً في ظل الكلفة المنخفضة نسبياً لليد العاملة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم حوافز استثمارية، مثل تخفيض الضرائب، وتوفير الأراضي بأسعار مخفضة، وإنشاء شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل صناديق استثمارية. إضافة إلى ذلك، فإن إنشاء مناطق صناعية متخصصة يمكن أن يسهم في تنويع الاقتصاد، مثل مناطق التكنولوجيا المتقدمة، والصناعات الدوائية، والمعدات الطبية، وغيرها، مما يعزز قدرة سوريا على مواكبة التطورات التكنولوجية وجذب استثمارات نوعية.
ثالثاً: دور بقية القطاعات في النهوض الاقتصادي
إلى جانب الزراعة والصناعة، تلعب قطاعات التكنولوجيا، التعليم، النقل، الطاقة، السياحة، الصحة، الخدمات، والتجارة دوراً أساسياً في إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحقيق التنمية الاقتصادية؛ إذ يُعدّ قطاع التكنولوجيا من أكثر المجالات الواعدة، نظراً للنقص الحاد في البنية التحتية الرقمية نتيجة للعقوبات المفروضة على البلاد، إضافةً إلى القيود التي فرضها النظام السابق على احتكار التكنولوجيا لصالحه.
لذا، يمكن للتكنولوجيا أن تسهم في رقمنة الخدمات الحكومية، وتطوير قطاع الاتصالات، وتعزيز ريادة الأعمال في البرمجيات والتجارة الإلكترونية، مما يرفع كفاءة الإنتاج ويفتح آفاقاً جديدة لسوق العمل، لا سيما مع تزايد الطلب العالمي على الحلول التقنية.
أما قطاع التعليم، فهو حجر الأساس لبناء رأس مال بشري مؤهل لقيادة الاقتصاد، إذ يتطلب الواقع الحالي إصلاحاً شاملاً للمنظومة التعليمية، وإعادة تأهيل المدارس والجامعات، وربط المناهج بسوق العمل الحديث. وهذا يسهم في رفع مستوى الإنتاجية، والحد من معدلات البطالة بين الشباب، وتحفيز البحث العلمي والتطوير، مما يعزز تنافسية الاقتصاد السوري في المستقبل.
من جهة أخرى، يُعد قطاع النقل عنصراً مهماً في تحفيز الأنشطة الاقتصادية، إذ إن إعادة تأهيل شبكات الطرق، وتحديث السكك الحديدية، وتطوير الموانئ والمطارات ستُمكّن من تقليل تكاليف الإنتاج، وتحسين تدفق السلع والخدمات، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية، مما يسهم في استقطاب الاستثمارات وزيادة حركة التجارة الداخلية والخارجية.
ويُعد قطاع الطاقة ركيزة أساسية لأي عملية تنموية، إذ إن إعادة تأهيل محطات الكهرباء، وتحسين شبكات التوزيع، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لا يضمن فقط استقرار الإنتاج الصناعي والزراعي، بل يعزز كذلك مناخ الاستثمار، ويقلل من الاعتماد على الوقود المستورد، ويخفف الضغط على خزانة الدولة.
أما قطاع السياحة، فهو من أكثر القطاعات الواعدة نظراً للإرث الثقافي والتاريخي الغني لسوريا، والذي يشمل مواقع أثرية مهمة في دمشق وحلب وحمص، ومناطق سياحية خلابة في الساحل السوري. لذا، فإن إعادة تأهيل البنية التحتية السياحية، وتحسين الأمن، وتشجيع الاستثمارات الفندقية يمكن أن يسهم في جذب السياح مجدداً، وزيادة العوائد المالية، وتنشيط قطاع الخدمات والتوظيف.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور مخلص الناظر لتلفزيون سوريا: “يمكن أن تساهم قطاعات أخرى مثل التجارة، السياحة، والخدمات بنسبة 20-30% في التنمية الاقتصادية، والتي يمكن أن تدعم الزراعة والصناعة من خلال توفير أسواق للمنتجات والبنية التحتية اللوجستية”.
بشكل عام، يعتمد النهوض الاقتصادي في سوريا خلال السنوات القادمة على ما تمتلكه البلاد من خبرات وإمكانات في قطاعات الزراعة والصناعة بشكل رئيسي، ثم على قطاعات التكنولوجيا، التعليم، والنقل. وعبر إعادة تنشيط هذه القطاعات، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتحفيز الاستثمارات، وتعزيز الإنتاج المحلي، وضمان الأمن والاستقرار السياسي، يمكن لسوريا إعادة تنمية اقتصادها، وتوفير فرص عمل، وتحسين مستوى المعيشة.
هذا يعتمد على سياسات اقتصادية متوازنة، ودعم القطاع الخاص، والاستفادة من الخبرات المحلية والدولية في بناء اقتصاد حديث للبلاد يعتمد على نموذج السوق الحر، بعيدًا عن النموذج الاشتراكي والمختلط الذي اتبعه نظام الأسد البائد في الاقتصاد السوري لعقود.
المصدر: تلفزيون سوريا