هل صار من الممكن الحديث عن خسارة إيرانية في سورية؟ من المبكر قول ذلك، لكن ثمة مؤشرات تدفع المرء إلى استشراف بداية ما لهذه الفكرة، أو على الأقل توقع أن يكون عائد طهران من مشاركتها في الحرب السورية أقل من الاستثمار الهائل الذي أقدمت عليه فيها. ففي موازاة الهزيمة المدوية لفصائل المعارضة السورية في معظم بؤر الحرب هناك، يجري أيضاً تهميش للخصم الأبرز لهذه الفصائل، أي إيران، وأشكال حضورها المتفاوت في الساحات السورية. ما جرى في جنوب سورية نموذج لاختبار هذه الفكرة. الأطراف الفاعلة في «نصر» النظام وفي تقدمه وصولاً إلى الحدود مع الأردن ومع إسرائيل، لا يصح أن تكون طهران جزءاً منها. فاذا كانت موسكو قائد أوركسترا هذا النصر، فإن عازفين رئيسيين فيها وهم شركاء كبار، كان الدافع من وراء مشاركتهم دفع طهران إلى خارج المعادلات التي يمليها «النصر». إسرائيل هي شريك موسكو الأول في هذا «النصر». رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو رافق تقدم جيش النظام السوري نحو أهدافه في الجنوب مع كثير من الرشاقة. سافر إلى موسكو وعقد اجتماعات مع فلاديمير بوتين، وخفض منسوب غارات جيشه، وأطلق كلاماً ودوداً حيال «نظام آل الأسد». واشنطن أيضاً شريك كبير في هذا الحدث. فالوقائع تجري ليس بعيداً عن قواعد جيشها في البادية السورية وخلف الحدود مع الأردن، والمتغيرات لم تمل تبديلاً في هذه المواقع. وواشنطن تولت إبلاغ فصائل المعارضة بانتهاء مرحلة خفض التوتر، لا بل أبلغتهم أنها رفعت الغطاء عنهم وأن عليهم تسليم السلاح والمغادرة. واشنطن كانت جزءاً من غرفة العمليات. عمان أيضاً لم تُستبعد من حركة العرض والطلب «الديبلوماسية» التي رافقت تقدم جيش النظام السوري، ووافقت على أن تستلم حكومة النظام المعابر الحدودية معها. في ظل هذا المشهد من الصعب القول إن طهران مرتاحة لـ «النصر» الذي حققه حليفها في جنوب سورية. ليس ما أعلنه نتانياهو، لجهة أن الإتفاق أبعد الحرس الثوري عشرات الكيلومترات عن الحدود، وحده ما يدفع إلى هذا الإعتقاد. والأرجح أيضاً أن ما يجري من تسريبات عن اجتماعات لم تكن إيران بعيدة عنها، جرت في عمان وموسكو وشاركت فيها تل أبيب وواشنطن، ليس صحيحاً. فهذا الزمن هو زمن المواجهة بين واشنطن وطهران، وليس زمن عقد تفاهمات بينهما. تجيد طهران ابتلاع الهزائم وهضمها على نحو لا يطيح ماء وجهها. هذه حقيقة من القواعد الرئيسة لإداء النظام الإيراني. علينا هنا أن نتذكر معادلة «كأس السم» التي أطلقها المرشد الأول روح الله الخميني حين قبل بانهاء الحرب العراقية الإيرانية. اليوم ثمة ما يوحي بأمر مشابه. طهران ليست في أحسن أحوالها. الحصار الأميركي ونظام العقوبات بدأ يضيق عليها الخناق. موسكو أبدت قدراً من عدم الوفاء لحليفها الميداني في سورية، وفتحت أبوابها لطموحات نتانياهو. الزهو باد على وجه رئيس الحكومة الإسرائيلية، وحين تبدأ وسائل إعلام الممانعة بالحديث عن «نصر» ما، علينا أن نبحث عن هزيمة يجري استباقها بـ «نصر». الـ «نصر» في جنوب سورية أكبر من أن يقتصر المهزوم فيه على فصائل مقاتلة متعثرة ولم تكن يوماً حائلاً دون تقدم قوات النظام. هذه الفصائل كانت واجهة لمعادلة إقليمية تقول إن على طهران البقاء بعيداً عن الحدود مع تل أبيب ومع عمان. خطوط القتال كانت مرتسمة وفق هذه المعادلة. واليوم أتيح لبشار الأسد الإقتراب من هذه الحدود وفق نفس المعادلة. نتانياهو قال قبل توجهه إلى موسكو إن طموحاته بإبعاد طهران لن تقف عند حدود الجنوب السوري. وقال إن على طهران أن تخرج من كل سورية، وإلا فإن غارات جيشه ستستمر. طهران اليوم ليست في أحسن أحوالها. اختناق في الداخل جراء العقوبات، وخذلان موسكو لها، ومؤشرات في سورية. ثمة «كأس سم» يلوح في الأفق. ليس هزيمة ما ينتظرها. الأرجح أن يكون انكفاء تمليه شروط اللعبة الجديدة، وهي إذ تجيد ابتلاع الكؤوس، ستبحث عن واجهة لهذا الانكفاء. الأرجح أن يكون انقضاضًا جديداً على مواطنيها من المحتجين الجدد على سوء أوضاعهم
المصدر: الحياة |
سري القدوة حزرت تقارير دولية من صعوبة الأوضاع التي يعيشها السكان في قطاع غزة وقالت عبر بيانات نشرت مؤخرا ان...
Read more