تكتسب الزيارة المقررة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى أنقرة، يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، أهمية كبيرة لمستقبل الملف السوري. ويوحي توقيت زيارة لافروف، مع ارتفاع حدة تهديدات الروس والنظام السوري ضد إدلب، ومع اقتراب شهر سبتمبر/أيلول المقبل الذي ينتظر أن يكون حاسماً لعدد من الملفات السورية العالقة، بما يرجح أن يتصدر جدول أعمال لقاءات المسؤول الروسي مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو وربما مع الرئيس رجب طيب أردوغان المرجح أن يلتقيه.
ويسود الاعتقاد بأن تتمحور اللقاءات حول أربعة ملفات حاسمة. الأول ما يتعلق بمصير إدلب، التي تعد من أهم الملفات بالنسبة لتركيا التي تتمسك بالملف السوري عبر دعم فصائل المعارضة هناك والاستمرار كلاعب مهم على الأرض، وتشكيل ند قوي لإيران.
والملف الثاني يتعلق بعودة اللاجئين والمهجرين السوريين، وهو بالنسبة لروسيا من أهم الملفات وتوليه أهمية سعياً لتدفق الأموال إلى سورية بشعار إعادة الإعمار، إذ تبتز موسكو العالم بمعادلة إعادة المهجرين في مقابل تقديم عواصم العرب والغرب الأموال لإعادة الإعمار. والملف الثالث هو اللجنة الدستورية التي ستعمل في جنيف بعد إقرارها المتوقع في سبتمبر المقبل، والملف الأخير، هو ملف المعتقلين، وجميع هذه الملفات مرتبطة بمصير إدلب.
روسيا سبق أن طلبت في اجتماع سوتشي الأخير، وبشكل واضح من المعارضة، مدة زمنية لحل مشكلة تواجد “هيئة تحرير الشام” (التي تشكّل جبهة النصرة عمودها الفقري) في إدلب، وهي التي تشكل الخاصرة النازفة للمعارضة وتركيا في المنطقة، إذ إن “النصرة” معتبرة كتنظيم إرهابي وفق قرار أممي، وأي تدخل يعتبر مشروعاً هناك، فما كان من المعارضة إلا أن طلبت ستة أشهر مهلة زمنية للقيام بذلك، الأمر الذي اعتبره الروس مدة طويلة، مطالبين بتقليل هذه المدة.
ويبدو عامل الوقت ضاغطاً خصوصاً أن منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية، تنتهي مدتها في شهر سبتمبر المقبل، ما دعا البعض إلى تفسير ذلك بأن المهلة الممنوحة للأتراك والمعارضة للقيام بـ”واجبها” تنتهي في سبتمبر.
من جهتها تؤكد تركيا أن تواجدها العسكري يمنع أي هجوم محتمل للنظام وحلفائه على المحافظة. رغم ذلك كان أردوغان قد صرح بأنه تجب مناقشة الوضع حول إدلب، وبعد لقائه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنوب أفريقيا قبل أسبوعين، جرى الحديث عن قمة رباعية تركية ألمانية روسية فرنسية ينتظر أن يتصدرها موضوع عودة اللاجئين.
وتشير التحليلات إلى أن روسيا، على ما يبدو، تساوم تركيا على موضوع ضمان أمن إدلب، مقابل المساهمة التركية في ملف عودة اللاجئين، ولذلك فإن زيارة لافروف لأنقرة ستكون مهمة للتحضير للقمة، ومعرفة مصير كل من إدلب وعودة اللاجئين. ولذلك وافقت تركيا على إدراج موضوع عودة اللاجئين في بيان سوتشي الختامي، وإذا ما تمكنت تركيا من انتزاع تعهدات روسية حول إدلب فإنها ستدعم بقوة عودة اللاجئين وهي أكثر دولة تستضيفهم، وهو ما بدا في إعلان خطة المائة يوم لأردوغان والتي تضمنت أن تتم إعادة 200 ألف سوري إلى بلادهم مجدداً.
أما على الجانب الميداني، فلم ترشح حتى الآن معطيات عن شكل تعاطي تركيا والمعارضة مع تواجد جبهة النصرة في محافظة إدلب، وإن كانت جميع التحركات تنصب على محاولة حقن الدماء وإجبار النصرة على حل نفسها، وإيجاد حل للمقاتلين الأجانب. وربما سيطلب لافروف من الجانب التركي الاستماع لخطتهم في هذا السياق، حيث ظهرت بوادر ذلك بتوحيد قوى المعارضة في كيان جديد باسم الجبهة الوطنية للإنقاذ ويضم عشرات الآلاف من المقاتلين.
أما في ما يخص ملف عودة المهجرين واللاجئين، فمن الطبيعي أن تطرحه روسيا بقوة كبيرة سعياً لتعويض الأموال التي دفعتها جراء تدخلها في سورية، ولا يمكن استعادة هذه الأموال إلا بدفع ملف إعادة الإعمار ليمضي قدماً. مع العلم أن الدول المانحة تحديداً الغربية ربطت ذلك بوجود الحل السياسي الذي لم يحصل فيه أي تقدم. ونظم الاتحاد الأوروبي مؤتمرات عديدة في بروكسل حول إعادة الإعمار، خصوصاً بعد انحسار مساحة سيطرة المعارضة، وتوسع مساحة سيطرة النظام ميدانياً، مع استكمال عمليات التهجير القسري في جنوب البلاد ومحيط العاصمة دمشق، وقرب إعلان انتهاء المعارك في البلاد.
وردت تركيا على ذلك بالتركيز على التناقض الروسي، إذ تهدد موسكو إدلب بما في ذلك تهجير الناس منها، في حين تطالب بالمقابل بعودة اللاجئين. وهو ما أوصل المساومة التركية الروسية إلى هذا المستوى.
ومن الواضح أن لافروف سيقدم شرحاً عن الرؤية الروسية لعودة اللاجئين، ويستمع لوجهة النظر التركية حول ذلك، والتحضير لإقناع ألمانيا وفرنسا، اللتين تقودان الاتحاد الأوروبي في ما يخص إعادة الإعمار، خلال القمة التي من المقرر أن تُجرى في 7 سبتمبر/أيلول وفق ما أعلن أردوغان قبل نحو أسبوعين، خلال عودته من جنوب أفريقيا.
وهذا الملف مرتبط بشكل وثيق بملف إدلب، فأي خطر يتهدد إدلب سيخلط الأوراق مجدداً ويساهم بمواجهة روسية تركية في المنطقة، وتصطف إيران إلى جانب روسيا، وهو ما تريده لقضم إدلب أيضاً، فيما سعي تركيا لمنع تدفق موجات جديدة من اللاجئين باتجاه أراضيها يجعلها تتمسك بالحفاظ على إدلب.
أما ثالث الملفات فهو ملف اللجنة الدستورية، وإن كان هذا الملف ليس بأهمية الملف الأول والثاني لكل من تركيا وروسيا على التوالي، إلا أنه مهم أيضاً لجهة حرص روسيا على إظهار أنه يوجد تقدم في ملف العملية السياسية. فالدول الغربية التي اشترطت بدء إعادة الإعمار في سورية، ترغب بأن ترى تقدماً في العملية السياسية، وهو ما سيكون متجسداً في تقدم عمل اللجنة الدستورية في جنيف، تحت مظلة الأمم المتحدة. وخلال اجتماع سوتشي الأخير، جرى التوافق على لوائح المرشحين للمشاركة في أعمال اللجنة الدستورية، وهي لائحتان من النظام والمعارضة بواقع 50 اسماً لكل لائحة، فضلاً عن السعي للائحة ثالثة من المستقلين عملت عليها الأمم المتحدة مع الدول الضامنة، وهي تتألف من 45 أو 48 اسماً. ويبدو أن التفاهمات التي أنجزت حول هذا الملف في سوتشي مهدت الطريق أمام الأمم المتحدة لتنتقل عبر مبعوثها ستيفان دي ميستورا، إلى مرحلة بحث عمل هذه اللجنة. ولهذا دعت الأمم المتحدة الدول الضامنة لاجتماع مطلع سبتمبر المقبل لوضع اللمسات النهائية لهذه اللجنة والبدء بعملها.
ووفقاً لما سبق يبدو أن المخطط الروسي الساعي للانفراد بالملف السوري، سيكتسب زخماً الشهر المقبل، بإقناع الغرب والحليف التركي بوجهات نظره، وهي بدء العملية السياسية، ومنح المعارضة مزيداً من الوقت في إدلب مقابل الدفع بعملية إعادة الإعمار وعودة المهجرين، وهذه ما سيركز عليها لافروف بشكل كبير في زيارته، ليهندس الفترة المقبلة في الملف السوري.
أما رابع الملفات فيرتبط بالمعتقلين، والمشروع التجريبي الذي يتحدث عن مجموعة صغيرة من المحتجزين لدى الطرفين يتم تبادلها بين النظام والمعارضة. وحتى الآن لا توجد أي معلومات عن هوية المحتجزين وفئتهم وعددهم وسبب اعتقالهم وأماكن تبادلهم، إذ ترك الأمر لمجموعة العمل الخاصة التي ستجتمع في طهران خلال الشهر المقبل أيضاً. وتتبنى تركيا ملف المعتقلين وترى أنه ليس عادلاً معالجته بهذه الطريقة، لكن “المشروع التجريبي” خطوة مطلوبة لبناء الثقة بين الطرفين المتنازعين. من جهتها شككت المعارضة بجدية النظام، وشعرت بخيبة كبيرة جراء المساواة في هذا الملف بين النظام والمعارضة، في وقت ينفرد فيه النظام بالاعتقال والإخفاء القسري، والأكثر من ذلك تسليمه قوائم بأسماء قتلى من المعتقلين، تقدر أوساط المعارضة أعدادهم حتى الآن بنحو 7 آلاف، وهو ما يعني تخلص النظام من هذا الملف لأنه يدينه، في ظل تستر روسي على الأمر.
ملف المعتقلين مرتبط بمصير الاجتماعات الحاصلة في مسار أستانة، وهذا المسار مرتبط مصيره بمصير منطقة خفض التصعيد في إدلب، فإن أي هجوم على المنطقة هذه سينسف المسار والعملية السياسية وينهي تواجد المعارضة، في ظل غياب أميركي كامل عن دعم المعارضة، وحصر موقف أميركا بحماية حدود إسرائيل، وتفضيل الأخيرة للنظام بدلاً عن أي قوى أخرى لحماية حدودها.
المصدر: العربي الجديد