1916الشريف حسين يتحالف مع البريطانيين ويتفق معهم عل طرد العثمانيين من الحجاز وبلاد الشام مقابل وعد من البريطانيين بتسهيل إقامة دولة عربية واحدة تشمل بلاد الشام والحجاز تحت حكم الشريف حسين و أسرته .. ويقدم البريطانيون الدعم السياسي والعسكري اللازم للقوات التي يقودها الشريف حسين في سبيل الوصول إلى هذا الهدف … كانت هذه خلاصة الاتفاقية التي سميت ” محادثات حسين مكماهون ” .
قبل ذلك ، ووفقا لخطة مسبقة كانت بريطانيا قد وقعت اتفاقية سرية مع فرنسا – كشف اللثام عنها عام 1917 من قبل المخابرات الروسية التي كانت شاهدة عليها – سميت اتفاقية ” سايكس بيكو ” تفاهم فيها الطرفان على احتلال بلاد الشام وتقسيمها إلى مناطق نفوذ بين الدولتين والتهيئة الفعلية لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كما صرح بذلك علانية وعد بلفور المشؤوم عام 1917 .. ليتبين فيما بعد أن مراسلات ” حسين مكماهون ” لم تكن أكثر من مرحلة من مراحل وأداة من أدوات تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو دون أن يدري الشريف حسين..
تعاون الشريف حسين – بسذاجة – مع البريطانيين اعتمادا على وعودهم الكاذبة وتم طرد العثمانيين من الحجاز وبلاد الشام ، وجاء زمن الوفاء بالوعد البريطاني ليفاجئ الشريف حسين بأن البريطانيين قد قطعوا وعودا أكثر أهمية للفرنسيين واليهود تتعارض وتتناقض مع وعودهم للشريف حسين .. وانهارت أحلام الشريف حسين تدريجيا وتعرض لسلسلة من الصدمات وخيبات الامل المتوقعة لمن تحالف مع عدوه التاريخي والايديولوجي ووثق به، لينتهي الأمر به نفيا إلى قبرص وليعود قبيل وفاته إلى عمان ويموت فيها متحسرا على الفخ الذي أدخل نفسه والمنطقة فيه والذي كان باهظ التكاليف إلى درجة أن المنطقة ما زالت تدفع ثمن هذا الخطأ إلى اليوم ..
كان ” للثورة العربية الكبرى ” نتائج كارثية في المنظور الاستراتيجي على المنطقة بأكملها من أهمها :
1 – سقوط الخلافة الإسلامية والتي – رغم سلبياتها الكثيرة – كانت تشكل حاجزا أمام الحملات الصليبية المتكررة – والمستمرة حتى اليوم – للسيطرة على المنطقة وتغيير ملامحها على المستوى الأيديولوجي والثقافي وتحويلها إلى مستعمرة جديدة وخزانا بشريا يستخدم عند اللزوم لخدمة مصالحها .. كما شكلت الخلافة العثمانية الامتداد التاريخي للدولة الإسلامية القوية والمركز الذي يلجأ إليه المسلمون عند تعرضهم لظلم جماعي كما يحصل اليوم مثلا في العديد من أنحاء العالم ( الفيليبين .. بورما .. الصين .. فلسطين .. سوريا.. الخ ) دون وجود أي مرجعية يحتكمون إليها ويطلبون عونها وحمايتها بعد سقوط الخلافة ..
2 – تقسيم الشرق العربي والحجاز إلى دويلات صغيرة وكيانات متناحرة وايديولوجيات متربصة ببعضها ..
3 – فتح الباب على مصراعيه أمام دخول المستعمر الغربي إلى المنطقة وتقسيمها والتغلغل فيها اجتماعيا وثقافيا ومؤسساتيا وصناعة عملاء استراتيجيين يشغلون مراكز حساسة في الدولة والمجتمع يعملون لصالح الغرب وينفذون مخططاته ويأتمرون بأمره بحيث أصبحت المنطقة مكشوفة داخليا وفي العمق أمام الاستعمار الغربي يتحكم فيها عن بعد عبر أدواته التي سلمها مفاصل الحكم وأدوات التحكم ..
4 – افساح المجال أمام انشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين واعتبارها وطن قومي لليهود.
هذا ما يحصل عادة عندما يكون القرار بيد جهة لا تمتلك القدرة على قراءة الواقع والاستفادة من التاريخ واستقراء المستقبل، وتدخل ميدان السياسة دون أي خبرة أو إمكانات أو مشروع محدد مبني على خطط متينة يرسمها استراتيجيون قادرون عل تفكيك الأحداث وتركيبها بما يخدم بلادهم وشعوبهم .. ومع ذلك كان من الممكن إيجاد العديد من المبررات والأسباب الداعمة لفكرة الثورة العربية الكبرى في ذاك الزمان من ضمنها كون الأتراك مسيطرين على المنطقة العربية ومستأثرين بمفاصل الحكم والقرار فيها وما رافق ذلك من العديد من الممارسات الظالمة تجاه شعوبها .. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة ويضع الباحث في حيرة شديدة: ما المبرر اليوم لاستعداء الدولة التركية والعمل من قبل البعض – بالتعاون مع الصليبيين الجدد – على تقويض الحكم فيها ومحاصرتها ومحاولة تفكيكها في سيناريو شبيه لما حصل قبل قرن من الآن.. خاصة أنها اليوم لا تتحكم بالمنطقة العربية ولا تبدي أي عداء تجاهها .. بل على العكس من ذلك تماما .. فتركيا اليوم – تركيا العدالة والتنمية – ما زالت الحاجز الأهم أمام التمدد الصليبي جغرافيا نحو المنطقة ، وهي النموذج الإسلامي الديمقراطي المعتدل الوحيد الذي تمكن من كسب ثقة جماهيره إلى درجة الفوز بجميع الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية خلال السنوات الأخيرة وبأصوات لا تستند إلى مرجعية الحزب الحاكم ، والارتقاء ببلده بسرعة خيالية و تحقيق نهضة اقتصادية أذهلت العالم ، كما أنها اثبتت من خلال التسهيلات الهائلة التي قدمتها للسوريين النازحين اليها خلال سنوات الثورة – والتي لم تقدم مثلها أي دولة عربية – حسن نواياها تجاه جيرانها العرب ورغبتها بإقامة جسور من التعاون والتكامل والتنسيق معها.
كان من المفترض والحال كذلك أن تشكل نموذجا يحتذى لأصحاب القرار – لو كانوا فعلا أصحاب قرار – في دول الإقليم للسير على خطاها والإفادة من تجربتها في تحقيق النهضة الثقافية والاقتصادية والتي تعود بالخير على شعوب المنطقة ومد يد التعاون والتنسيق والعمل المشترك لحماية المنطقة من التدخلات الغربية وتشكيل كتلة إقليمية قوية تضمن درجة من الحماية والاستقلالية لجميع دول المنطقة ومكونات الإقليم .. فلماذا يميل البعض لتصدير فشله لجيرانه بدل استيراد نجاحهم اليه .. وما الداعي لتكرار التجربة الفاشلة والتي كسرت ظهر المنطقة لقرن كامل .. ألا نستفيد من تجارب الماضي .. وهل هي اليوم مجرد سذاجة سياسية وغياب الرؤية الاستراتيجية للأحداث المفصلية أم أنها أعمق من ذلك وأخطر ؟؟؟!!! .. هل علينا أن نقع في الحفرة عشر مرات حتى ندرك ضرورة الالتفاف عليها أو ردمها .. أليس من حقنا وواجبنا أن نتساءل .. ما الخطة الجديدة التي وضعها الغرب للمنطقة – بعد نجاحه في تخريب البيت التركي لا سمح الله – والتي ستفاجئ السذج – أو العملاء – الجدد الذين يساعدون على ذلك، وإلى أي منفى سترسلهم .. ما المراسلات الجديدة التي سيكشف عنها بعد حين ، وما الاتفاقيات الاستعمارية التي تحاول إعادة ترتيب المنطقة ولأي هدف .. ما الدول التي سيتم تقسيمها وما العروش التي سيتم تدميرها وما القوى الجديدة التي يتم تحضيرها للعمل المأجور في خدمة الغرب .. ألم ندرك بعد أن الغرب لم يتخل يوما عن الاستراتيجية الاستعمارية والتي تنظر إلينا كدول تابعة لا تملك قراراتها وبلاد مستباحة تنهب ثرواتها وسوق مفتوحة تصرف من خلالها بضائعها و حقل اختبار تجرب فيه أسلحتها ومنتجاتها وشعوب مقهورة تشكل خزانا بشريا احتياطيا تنتقي منه ما تحتاجه دولها من مهارات وكفاءات تنهض بمجتمعاتها وتسد عوزها.
إن الاستهداف المنظم لأي قوة إسلامية متماسكة – سياسية أو عسكرية أو ثقافية – في المنطقة يجعلنا نتوقع أن الخطة المرسومة والتي تشارك فيها أطراف كثيرة أكبر بكثير من أن تمر على أصحابها بداعي السذاجة السياسية، وأخطر بكثير من مجرد السيطرة على الجغرافيا والقرار السياسي والثروات .. إنها اليوم تستهدف الثقافة والتاريخ والوعي العام والذاكرة الجمعية لشعوب المنطقة .. إنها تتجه بمعاولها نحو الجذور .. فالفكرة هي منبع الحركة ، والثقافة هي القاعدة الضخمة المغمورة تحت سطح الماء للسلوك الذي يشكل قمة جبل الجليد الظاهر عل السطح ، والوعي الجمعي هو شرارة الحركات الثورية .. ويبدو أن الخطة الجديدة تحاول ضرب الفكرة واقتلاع الجذور وضرب القواعد .. ولن ينجحوا .. لأن كل أسلحتهم وأدواتهم لا تستطيع الوصول إلى موطن الفكرة .. القلب والعقل والوجدان والتاريخ والزمن ..
نعم .. ما أشبه اليوم بالبارحة .. ولكن على مستوى أصحاب القرار .. أما الشعوب فيومها لم يعد كأمسها ولا يمكن أن يعود .. صحيح أن الربيع العربي قد أُجهض ميدانيا إلى حد كبير .. لكن فكرة الثورة ورفض الظلم والتبعية باتت جمرة تحت رماد الفكر والوجدان .. لقد نجحت الثورات العربية في خلق حالة من الوعي الجماعي وبذرت في أعماق الوجدان العربي بذرة الحرية والكرامة والاستقلالية ورفض الهيمنة المطلقة ومقاومة الاستبداد والسخط على قرارات الحكام التي لا تراعي إرادة الشعوب ولا تلبي الحد الأدنى من طموحاتها .. وتركيا التي يحاول بعض حكام المنطقة – بالتعاون مع الغرب – تقويض استقرارها في تكرار أبله لمسار ” الثورة العربية الكبرى ” لها حضور قوي في وجدان الشعوب العربية التي باتت تدرك أن وراء مثل هذه الاتفاقات ” سايكس بيكو ” سري آخر سيأتي على ما تبقى من مكامن القوة والاستقلالية لشعوب هذه المنطقة .. إن الشعوب التي عايشت تفاصيل الربيع العربي لم يعد من السهل أبدًا ترويضها .. والحكام باتوا يدركون ذلك .. ويحسبون له ألف حساب ..
سري القدوة حزرت تقارير دولية من صعوبة الأوضاع التي يعيشها السكان في قطاع غزة وقالت عبر بيانات نشرت مؤخرا ان...
Read more