يتركز الحديث في الآونة الأخيرة على التنظيمات المتشددة وتحديداً “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) بعد فشل المفاوضات التي قادها الجانب التركي من أجل إقناعها بحل نفسها وتسليم سلاحها بهدف تجنيب محافظة إدلب عملية عسكرية. في موازاة ذلك تبرز عقدة تنظيمات أخرى تصنف بأنها أكثر تطرفاً من الهيئة لها وجود عسكري في محافظة إدلب، ويتوقع أن يتخذ منها النظام السوري وحلفاؤه ذريعة إضافية للضغط باتجاه العمل العسكري. هذه المجموعة من التنظيمات المتشددة، والتي نشأت في ظروف مختلفة، معظم عناصرها من غير السوريين، وأهمها في محافظة إدلب “جند الملاحم في بلاد الشام”، و”حراس الدين”، و”جند الأقصى”، و”الحزب التركستاني الإسلامي”. ويتوقع أن تتحالف مع هيئة تحرير الشام، التي تم تصنيفها كتنظيم إرهابي من قبل تركيا، في حال تعرض الهيئة لـ”خطر وجودي” بمعنى انطلاق عملية عسكرية في المحافظة للقضاء عليها. وبالرغم من العدد القليل نسبياً لعناصر هذه التنظيمات إلا أن خطورتها تكمن في العقلية الجهادية لدى عناصرها والتي تجعلها أكثر شراسة في القتال وأكثر استخداماً للأساليب غير التقليدية، بالإضافة إلى تواجدها في بعض المناطق الاستراتيجية التي تمكنها من المناورة.
ويبدو أنّ الانشغال بمصير هيئة تحرير الشام قد أجل الحديث عن مصير هذه التنظيمات التي بقيت على فكر تنظيم القاعدة، إلا أن شائعات سرت أخيراً لم يتم التأكد من صحتها تحدثت عن التوصل إلى تفاهم يخص الحزب التركستاني الإسلامي يقوم على نقل عناصره إلى بعض المناطق الجبلية في أفغانستان، فيما لم يرشح أي حديث جدي عن مصير هذه الفصائل إلا في إطار الحديث العام عن النصرة وأخواتها.
ويأتي تنظيم “حراس الدين” في مقدمة التنظيمات الأكثر تطرفاً من الهيئة لناحية العدد. فقد أعلن عن تأسيسه في نهاية فبراير/شباط وبداية مارس/آذار الماضي. وتقول مصادر إنه موال للقاعدة وتشكل من انشقاق مجموعة من المتشددين عن “فتح الشام” أو “جبهة النصرة” قبيل تأسيس “هيئة تحرير الشام”. ووفقاً لمصادر فإن قادة حراس الدين معظمهم من الجنسية الأردنية، ويضم التنظيم تحت رايته اليوم كل منا “جند الملاحم، جيش البادية، سرايا كابل، جيش الساحل، كتيبة أبو بكر الصديق، كتيبة أبو عبيدة بن الجراح، سرية عبد الرحمن بن عوف، كتيبة البتار”.
وأبرز قادة حراس الدين هم سامي العريدي، أبو جليبيب الأردني، أبو الهمام الشامي، أبو القاسم الأردني، أبو مالك التلي، أبو عبد الرحمن مكة، ولا تتوفر معلومات كثيرة عن أولئك القادة، الذين يعتقد أنهم موالون لتنظيم القاعدة.
ويقدر عدد مقاتلي “حراس الدين” بقرابة ألفين وخمسمائة مقاتل ثلثهم من غير السوريين. وظهر التنظيم عقب خلافات بين الشرعيين الأجانب في “فتح الشام” و”هيئة تحرير الشام” واعتقال عدد منهم من بينهم العريدي وأبو جليبيب. وفي نيسان/أبريل الماضي أصدر تنظيم “داعش” فتوى بتكفير “حراس الدين”، ووجه له اتهامات بالارتباط بحركة “طالبان”.
أما تنظيم “جند الملاحم في بلاد الشام” فهو تنظيم عسكري متشدد انشق عن “هيئة تحرير الشام” بعد الانضمام إليها إبان إنشائها في بداية عام2017، وذلك عقب الاقتتال بين الهيئة وفصائل المعارضة، ويضم التنظيم في صفوفه وفق مصادر قرابة ثمانمائة عنصر معظمهم غير سوريين وتعرض عدد من قياداته العسكرية للاغتيال في ظروف غامضة.
وتقول مصادر إن “جند الملاحم” كان فصيلاً ضمن “جبهة النصرة” قبل الانفصال عنها بعيد إعلان النصرة انفصالها عن القاعدة، ويعتبره البعض اليوم فرعاً من تنظيم “حراس الدين” ويتخذ من بلدات في جبل الزاوية بريف إدلب مقراً له.
أما تنظيم “جند الأقصى” فقد تأسس على يد محمد العثامنة المعروف بـ”أبو عبد العزيز القطري”. والأخير من مواليد العراق، وقتل في سورية خلال يناير/ كانون الثاني 2014. وكان العثامنة دخل سورية مع بدايات ثورتها، وانضم إلى جبهة النصرة (فتح الشام) ثم انشق عنها ليؤسس “جند الأقصى”.
نشأ “جند الأقصى” في ريف حماة واعتمد أساساً على تجنيد مقاتلين عرب ممن يسمون “المهاجرين”، وتوسع باتجاه ريف إدلب.
وتحالف “جند الأقصى” مع “جبهة النصرة” في القضاء على “جبهة ثوار سورية” في عام 2014. وحين تأسس تحالف “جيش الفتح”، يوم 24 مارس/آذار 2015، بتوحد سبع مجموعات كبرى من الفصائل المسلحة في الثورة السورية كان “جند الأقصى” ثالث أهم مكوناتها بعد كل من “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”. ثم غادر هذا التحالف إثر امتناعه عن مساعدتهما في قتال تنظيم “داعش”.
وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أعلن “جند الأقصى” انسحابه من “جيش الفتح” لأسباب عدة، من بينها -حسب قوله- تأييد بعض الفصائل المشاركة في جيش الفتح لمشاريع “مصادمة للشريعة الإسلامية”، كالتوقيع على بيان مبعوث الأمم المتحدة لسورية ستيفان دي ميستورا والترحيب بالتدخل التركي، إضافة إلى لضغط المستمر عليه للانخراط في قتال تنظيم “داعش”.
في أوائل سبتمبر/أيلول 2016 اندلعت اشتباكات عنيفة بين “جند الأقصى و”حركة أحرار الشام” في ريفي حماة وإدلب على خلفية اعتقالات متبادلة بينهما.
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016 أعلن جند الأقصى في بيان “مبايعته” لجبهة فتح الشام، وذلك بعد ساعات من إعلان ثمانية من كبرى الفصائل المعارضة وقوفها إلى جانب أحرار الشام ضده، مطالبة في بيان مشترك أن يعلن جند الأقصى معاداته لتنظيم “داعش”، وأن يسلم أعضاءه المتهمين بالانتماء لتنظيم الدولة والمتورطين في اغتيال قادة في المعارضة المسلحة.
وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أكدت “جبهة فتح الشام” أنها قبلت “بيعة جند الأقصى” وانضمامه إليها “حقناً للدماء”، بعد استنفاد كافة “الخطوات الشرعية” في إيقاف الاقتتال بينه وبين “حركة أحرار الشام”، ووعدت الجبهة بإحالة القضايا العالقة بين الطرفين إلى “قضاء شرعي” يُتفق عليه مع الجبهة.
وبعد معارك طويلة قتل فيها المئات من مقاتلي المعارضة غادرت مجموعات من “جند الأقصى” المنطقة إلى مناطق سيطرة “داعش” ولم يبق سوى خلايا صغيرة في المنطقة.
أما “الحزب الإسلامي التركستاني”، وهو تشكيل عسكري متشدد، أسسه مسلحون أويغور في غرب الصين قبل الانتقال إلى سورية تحت مسمى “الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام” وعلى الرغم من أنه تنظيم عقائدي مثله مثل “جبهة النصرة” فلم ينضم إلى صفوفها، وبقي مستقلاً، يتخذ من ريف إدلب الغربي وريف اللاذقية مقار له.
ولا معلومات دقيقة عن عدد عناصر التنظيم، ويعرف عنهم تفضيل العيش في بيئة منعزلة وعدم الانخراط في الحروب الداخلية بين الفصائل واقتصار معاركهم على جبهات النظام.
يعود ظهور التنظيم العلني في سورية إلى معركة السيطرة على مدينة جسر الشغور وعقبها معركة السيطرة على مطار أبو الظهور قبل قرابة ثلاثة أعوام. وينحدر معظم المسلحين المنخرطين في التنظيم من تركستان الشرقية (إقليم شينغيانغ)، غرب الصين.
المصدر: العربي الجديد