تباينت مواقف القوى المعارضة المسلحة في إدلب حول الاتفاق التركي–الروسي، الذي نص على بنود متعددة أبرزها؛ نزع السلاح الثقيل، وإنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح “الثقيل والخفيف” على أطراف ادلب بعرض 15–20 كيلومتراً. وكما تتباين مواقف المعارضة، تختلف مناطق سيطرتها وانتشارها في أطراف ادلب، بالقرب من خطوط التماس حيث تمر المنطقة منزوعة السلاح.
وتتصدر “هيئة تحرير الشام” قائمة القوى المسلحة من حيث السيطرة الفعلية، والانتشار والتوزع على خطوط التماس مع النظام، إذ لها وجود على كامل خطوط الجبهات المحيطة بإدلب؛ في أرياف حماة الشمالي والغربي واللاذقية وحلب الشمالي والغربي. وتليها “الجبهة الوطنية للتحرير”، والتي تملك خطوط تماس طويلة في مختلف أطراف ادلب، ثم يأتي “جيش العزة” في المرتبة الثالثة، و”الحزب الإسلامي التركستاني” في المرتبة الرابعة، وأخيراً “تنظيم حراس الدين” التابع لـ”القاعدة”.
في ضواحي حلب الشمالية تحتفظ “هيئة تحرير الشام” بمواقع ونقاط رباط طويلة مع مليشيات النظام في حريتان وأسيا وكفر حمرة، وتتشارك مع “الجبهة الوطنية للتحرير”، مناصفة، خطوط التماس هناك. ويتمتع الطرفان في ضواحي حلب الشمالية بوجود عدد كبير من العناصر المحليين من أبناء المدن والبلدات في صفوفهما. ويفترض أن تضم المنطقة العازلة كامل الضواحي الشمالية، والتي لا يزيد عرضها عن سبعة كيلومترات تحيط بالطريق الدولي حلب–غازي عينتاب من الجانبين بطول 12 كيلومتراً تقريباً، من أطراف المدينة شمالاً حتى مشارف بلدتي نبل والزهراء، واللتين ستدخلان بالكامل نطاق المنطقة منزوعة السلاح.
وتكاد تكون ضواحي حلب الغربية بشكل شبه كامل تحت سيطرة “حركة الزنكي” التابعة لـ”الجبهة الوطنية”، وهي جبهات مهمة كانت قد خسرتها “هيئة تحرير الشام” في الاقتتال الأخير لصالح “الزنكي” وانسحبت مجبرة نحو ريف حلب الجنوبي والجنوبي الغربي. المنطقة العازلة في الجبهات غربي حلب، يُفترض أن تضمّ الضواحي الغربية والجمعيات السكنية المتصلة بحلب.
وتسيطر “الهيئة” على 70 في المائة من خطوط التماس في ريف حلب الجنوبي حيث ينتشر “جيش النخبة” و”جيش البادية”، التابعين لها. وعلى بقية خط التماس ينتشر “جيش الأحرار” و”فيلق الشام” من “الجبهة الوطنية”. خطوط التماس في ريف حلب الجنوبي تمتد من خان طومان شمالاً حتى جزرايا جنوباً قرب الحدود الإدارية لمحافظة ادلب، بطول 33 كيلومتراً تقريباً.
وفي جبهات ريف ادلب الشرقي والجنوبي الشرقي الممتد من تل السلطان شمالاً حتى سكيك جنوباً، وبطول 55 كيلومتراً تقريباً، تحتفظ “الهيئة” بالسيطرة الأكبر على خط التماس، ويشاركها “الحزب الإسلامي التركستاني” و”الجبهة الوطنية” بشكل أقل.
وفي جبهات ريف حماة الشمالي، يتقاسم “جيش العزة” السيطرة على خط التماس بمشاركة “الهيئة” و”الجبهة الوطنية”، لكنه يحتفظ بالحصة الأكبر منها. ويمتد الخط من جنوبي سكيك مروراً بتل حوير، واللحايا والبويضة، ومعركبة جنوبي مورك، والمناطق جنوبي اللطامنة وحصرايا، والزكاة والأربعين والصخر، وصولاً إلى كفر نبودة.
وفي سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي تسيطر “الجبهة الوطنية” على القسم الجنوبي منه، وتتقاسم “الهيئة” و”حراس الدين” و”الإسلامي التركستاني” السهل الأعلى حتى كبانة في الشمال. والتوزع ذاته يستمر في الجبهات جنوب غربي جسر الشغور حتى جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، مع انتشار لا بأس به لـ”الجبهة الوطنية” في المنطقة.
ولا يبدو موقف “الجبهة الوطنية” موحداً من الاتفاق الروسي التركي، والمنطقة منزوعة السلاح. “حركة الزنكي”، لم تصرح رسمياً عن موقفها، لكن أنصارها قلقون من البنود والتفاصيل اللاحقة للاتفاق، ويشككون في وفاء النظام وروسيا بتعهداتهم بوقف القصف والاجتياح في حال تم تطبيق البنود الرئيسية؛ سحب السلاح الثقيل، والتخلي عن خطوط التماس. الموقف ذاته عبر عنه أنصار “أحرار الشام” و”صقور الشام” و”جيش الأحرار”، ومعهم “تجمع دمشق”، فالفصائل الأربعة لن تقف عائقاً أمام إنشاء المنطقة العازلة لكنها لن تسلم سلاحها الثقيل بتلك السهولة، وربما سوف تنأى بنفسها عن المشاركة في قتال التنظيمات الرافضة لتطبيق الاتفاق في مرحلة لاحقة بطلب تركي.
أنصار “فيلق الشام” وبقية الفصائل في “الجبهة الوطنية”، كانوا أكثر دفاعاً عن الاتفاق، وقللوا من أهمية البنود الخاصة بنزع السلاح الثقيل، وأكدوا أن الحال لن يتغير كثيراً، وكل ما في الأمر هو الابتعاد كيلومترات عن خطوط التماس لإنشاء المنطقة العازلة. ويعتبر هؤلاء أن الاتفاق هو الخيار الأمثل لرص الصفوف من جديد والبناء على أسس صلبة لمرحلة جديدة من الثورة السورية. وشارك في الدفاع عن الاتفاق أيضاً منظرون من التيار الإسلامي المناهض لـ”الهيئة”، والمنشقين عنها، كذلك منظرون مقربون من “الاخوان المسلمين”.
موقف “هيئة تحرير الشام” كان أكثر وضوحاً، إذ عبّر قادة وأعضاء مجلس الشورى فيها، وأنصارهم من التيار الجهادي، عن رفضهم القاطع لتسليم سلاحهم، وترك جبهات القتال التي حصنوها خلال الأشهر الماضية، وشككوا بمصداقية النظام وروسيا في تطبيق الاتفاق، واعتبروا أن الاتفاق مقدمة لإنهاء الثورة، و”الجهاد”، ما سيسهل عودة إدلب للنظام من دون أن يتكلف عناء القتال.
ولمّح أنصار “الهيئة” إلى مواجهة محتملة بين الفصائل في ادلب في حال قرر بعضها تسليم السلاح والالتزام بتطبيق بنود الاتفاق. ورغم الرفض الأولي للاتفاق، من قبل “الهيئة”، بشكل غير رسمي، إلا أن أنصارها لم يهاجموا كل بنوده، ولم يلمحوا لأي مواجهة محتملة مع تركيا. وقد تتصاعد حدة موقف “الهيئة” الرافض للاتفاق، خلال الأيام القليلة القادمة، وسط انقسام داخل صفوفها. المهاجرون، قادة وعناصر، يرفضون الاتفاق بشكل قطعي.
ويبدو موقف “جيش العزة” متناغماً مع موقف “الهيئة”، لكنه لا يقوى على اتخاذ قرار الرفض وحيداً. وفي الغالب لن يكون “الجيش” عائقاً أمام تطبيق الاتفاق والابتعاد عن خطوط التماس في ريف حماة الشمالي. “الجيش” سيشارك في النأي بنفسه عن أي مواجهة محتملة مع التنظيمات الرافضة للاتفاق.
“الإسلامي التركستاني” لا يملك قراره على الأرض بشكل فعلي، إذ لتركيا نفوذ كبير عليه. في حين يأتي “تنظيم حراس الدين” في مقدمة القوى المسلحة الرافضة للاتفاق، لكنه لا يملك القوة والانتشار الكافيين لتعطيل إنشاء منطقة عازلة في حال وافقت كل القوى المسلحة على ذلك. أما إذا شاركته “الهيئة” في قرار الرفض، فسيكون القوة الضاربة معها لمنع تطبيق الاتفاق، ومنع إنشاء منطقة عازلة في أطراف ادلب، وربما المواجهة مع فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا.
المصدر: المدن