يتابع نظام الأسد سياسة الاعتقال التعسفي في صفوف الشعبين السوري والفلسطيني، وتستمر الانتهاكات يومًا بعد يوم، حيث أعلنت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية أن النظام السوري يخفي قسريًا أكثر من 1700 معتقلاً فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء وكبار في السن. وأوضح فريق الرصد في المجموعة التي تتخذ من لندن مقرًا لها، أنه وثّق 1696 معتقلًا و558 ضحية من اللاجئين الفلسطينيين قضوا تحت التعذيب، مشيرًا إلى أن العدد الحقيقي للمعتقلين ولضحايا التعذيب أكبر مما تم توثيقه، وذلك بسبب تكتم النظام السوري عن أسماء ومعلومات المعتقلين لديه، إضافة إلى تخوف ذوي الضحايا من الإعلان عن وفاة أبنائهم تحت التعذيب خشية الملاحقة من قبل النظام السوري.
وكشفت مجموعة العمل في تقرير لها أنها وثّقت سقوط 205 ضحايا فلسطينيين خلال العام الماضي منهم 12 لاجئًا قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري من مجمل المعتقلين ليرتفع عدد ضحايا التعذيب والاختفاء القسري خلال الثورة السورية إلى 585 ضحية. وأشارت إلى أن المعتقلين في سجون النظام يتعرضون لأسوأ أشكال التعذيب.
وهذا ما دفع جيرون إلى سؤال بعض الحقوقيين والكتاب الفلسطينيين المهتمين وسألناهم: من يتحمل مسؤولية الصمت عن كل هذا الإجرام بحق المعتقلين الفلسطينيين والسوريين الذين قضوا في سجون الطاغية؟ وهل يمكن للمنظمات الفلسطينية أو المنظمات الحقوقية المختصة، أن تتحرك من أجل ذلك؟
الباحث والمحامي الفلسطيني أيمن أبو هاشم أكد لجيرون بقوله ” يتحمل النظام السوري المسؤولية الأساسية والمباشرة عن إخفاء وتعذيب وقتل المئات من المعتقلين الفلسطينيين، وهي مسؤولية قانونية وأخلاقية، تستوجب إثارة المساءلة القانونية الجنائية، عن قيام مسؤولين من النظام ومرؤوسين تابعين لهم في ارتكاب تلك الجرائم التي توصف بالقانون الدولي، بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وبعد ثبوت مسؤولية النظام عنها بالعديد من الأدلة الدامغة، وأهمها ما يعرف بملف قيصر الذي يتضمن الآلاف من الصور المسربة عن معتقلين قضوا في سجون النظام بسبب التعذيب، ومن بينها صور لمعتقلين فلسطينيين قضوا بنفس الطرق الوحشية التي يتبعها النظام تجاه المعتقلين عمومًا.” وأضاف أبو هاشم “بالطبع هذا لا يجوز أن يحجب بدوره مسؤولية المجتمع الدولي ومنظماته المعنية بقضايا حقوق الإنسان، عن واجباتهم في وقف تلك الجرائم، لاسيما بعد صدور العديد من القرارات الدولية المتعلقة بالقضية السورية، والتي طالبت النظام بضرورة وقف الاعتقالات التعسفية خارج القانون، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث منذ عام 2011. فعليًا ربما أعداد المغيبين قسريًا من فلسطينيي سورية تتجاوز الأرقام التي أوردها التقرير الأخير لمجموعة العمل، ويعود ذلك إلى سياسات الإنكار والترهيب التي يحاول من خلالها النظام التعتيم على الأعداد الحقيقية من ضحايا الإخفاء والتعذيب في سجونه”. ثم نوه قائلًا ” في حالة المعتقلين الفلسطينيين فإن استمرار سياسات الفصائل الفلسطينية في الصمت والتنكر حيال هذا الملف الإنساني، شجع النظام على التمادي في جرائمه وانتهاكاته، وهناك شعور بالغضب والاستياء من الموقف غير الأخلاقي للفصائل تجاه الضحايا الفلسطينيين، والمفارقة المؤلمة أن هذه الفصائل التي تدعو اللاجئين الفلسطينيين للتمسك بمخيماتهم وبحق العودة، وقفت تتفرج، ومنها من تواطئ مع النظام في تهجير الفلسطينيين بوسائل مختلفة، ومنها خوفهم من الاعتقال والتصفية وهروبهم بسبب ذلك خارج الأراضي السورية، وعلينا أن نتذكر أن سياسات الاعتقال والقتل تحت التعذيب طالت كفاءات فلسطينية في مختلف المجالات العلمية الثقافية والفنية والرياضية، وهي ليست بعيدة عن مخطط تصفية الكوادر الفلسطينية التي لعبت دوراً في فضح جرائم النظام تجاه الشعبين الفلسطيني والسوري. وفي ضوء ذلك فإن ملف المعتقلين الفلسطينيين هو جزء لا ينفصل عن ملف المعتقلين السوريين، ويجب على المنظمات الحقوقية الدولية التحرك العاجل والجدي لتحريك آليات ملاحقة النظام في المحاكم الدولية، وبذل ضغوط كبيرة من خلال الرأي العام العالمي، لإجبار النظام عن كشف مصير آلاف من المغيبين وإطلاق سراحهم، فقد آن الأوان كي تتحرك الضمائر لوقف هذه المأساة المروعة، وإنقاذ شباب ونساء وكهول وأطفال يعانون الموت كل لحظة في مسالخ الموت الأسدي.”
أما المحامي الفلسطيني يحيى محمود فقد قال لجيرون ” من الصعب تناول موضوع المختفين الفلسطينيين قسرًا بمنأى عن إخوانهم السوريين والعرب، وذلك لوحدة الجلاد والأسلوب والمكان وديناميكية وأسباب الاعتقال .و أرى أن المجتمع الدولي ومنظماته بشتى ألوانها وأشكالها هم من يتصدر المسؤولية المهملة لاستمرار وتفاقم هذه الظاهرة ، بل وإطلاق يد المجرمين ليوغلوا أكثر في طغيانهم وجورهم وهمجيتهم ” .أما عن المنظمات الفلسطينية فقال ” أصبحت لا تعدو عن ظاهرة صوتية اصطفافيه فإنها بحكم اللا موجودة عمليًا ولا يتجاوز دورها عن رفع الأعلام والرايات وترديد الهتافات بمناسبات أصبحت من غبار الزمن . ودعني أكون أقسى بل أوضح بأن التنظيمات الفلسطينية قد فقدت مبرر وجودها. فكيف لمثلها أن تحرك ساكنًا لمعتقل في سجون النظام الأسدي، والذي يعكس الوجه الآخر لحليفه الصهيوني ومعتقلاته؟ وأخيرًا لدي وثائق تثبت بأن عدد من قضوا تحت التعذيب هو أكبر بكثير مما أُعلن أو ورد “.
الكاتبة والناشطة الفلسطينية كفاح كيال أكدت لجيرون أن النظام السوري ” أعمل تاريخيًا سكين سطوته ضد ثوار وفدائي فلسطين وسجله مليء بجرائم تصفيات قادة فلسطينيين، ومجازر فلسطينية، ولعل أبرزها تل الزعتر والبداوي وجرائم الحرب التي يقوم بها ضد كل الأسرى السوريين والفلسطينيين، وهناك لبنانيين وأحوازيين وغيرهم من الجنسيات، وهي جزء من ممارسات هذا النظام الذي سبق الفاشية في إرهابه وتنكيله بالشعب السوري والشعب الفلسطيني واللبناني.” وأضافت أن ” المؤلم والمعيب هو الصمت المتواطئ مع نظام العمالة الأسدي حيال جرائمه ضد المعتقلين والمفقودين عمومًا وخاصة المعتقلين الفلسطينيين، وتتحمل مسؤوليته كل الجهات الرسمية والشعبية العربية والفلسطينية على وجه الخصوص، وفي هذا السياق لا بد من التركيز على بعض النقاط: أولها – إن بطش النظام بالفلسطينيين على هذا النحو يعطي للاحتلال الصهيوني الضوء الأخطر من تصعيد إجراءاته بحق كل الفلسطينيين خاصة في المعتقلات الصهيونية، والمتتبع للأمر يرى مدى هذا التصعيد الصهيوني منذ انطلاقة الثورة السورية. والنقطة الثانية- مسؤولية هؤلاء المعتقلين والمعتقلات وخاصة ما نسمعه من انتهاكات واعتداءات على كرامتهم كبشر واغتصاب النساء، مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثل للشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، وكافة مؤسسات حقوق الإنسان، فأهلنا الفلسطينيون في سورية هم جزء أصيل من شعبنا الفلسطيني وعلى كل المؤسسات صاحبة العلاقة أخذ دورها وتحمل مسؤولياتها النقطة الثالثة هي هذه الممارسات الإرهابية للنظام الأسدي، وهي جرائم حرب يجب رفعها للجنايات الدولية ” وانتهت كيال إلى القول ” إن قضية المعتقلين في سجون النظام السوري سواء كانوا فلسطينيين أم سوريين على حد سواء مسؤولية قومية ووطنية ودينية وإنسانية وثورية ويجب على كل المؤسسات الفلسطينية والعربية ذات الاختصاص تحمل مسؤوليتها والقيام بدورها. فالصمت عن هذه الجرائم هو تواطؤ ومشاركة بهذه الجرائم. الحرية لكل أسرى الحرية وعاشت الثورة السورية رافعة تحرير فلسطين”.
المصدر: جيرون