كان الفتى مصطفى صلاح الشحنة قد نجا من القصف الجوي الروسي الذي قتل أفراد عائلته الستة، والذي كان قد استهدف منزلهم الواقع بين خان شيخون والتمانعة جنوب إدلب في تشرين الأول عام 2015. لكن مصطفى فارق الحياة قبل ثلاثة أيام، مع 17 شاباً آخراً من منتسبي فصيل جيش العزة التابع للجيش السوري الحر، كانوا قد حاولوا مؤازرة رفاقهم أثناء هجوم مباغت لقوات النظام على نقطة لهم في قرية الزلاقيات شمال مدينة حماة، على الرغم من الاتفاق الذي وقع عليه في أيلول الفائت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح الثقيل، وإلزام النظام والمعارضة بوقف إطلاق النار.
وكان جيش العزة قد رفض العديد من تفاصيل الاتفاق آنذاك، وخاصة بند تسيير دوريات روسية في المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة، وطالب بأن تكون المنطقة العازلة مناصفة بين النظام والمعارضة، وأبدى حينها عدم ثقته بروسيا التي يُفترض أنها الطرف الضامن لقوات النظام، والتي كانت تبادر بنفسها إلى خرق الاتفاقات السابقة، وخاصة اتفاق مناطق «خفض التصعيد» الذي استغلته لتهجير معارضي النظام من الغوطة وأرياف حمص وحماة ودرعا والقنيطرة إلى الشمال السوري.
واتهم العقيد مصطفى بكور، المتحدث باسم جيش العزة، في حديث له مع الجمهورية القوات الروسية بالتغطية على العملية التي نفّذتها ميليشيات تابعة للنظام وعناصر تابعون لحزب الله، وهو يقول إن روسيا سيّرت طائرة أنتونوف لمسح المواقع الجغرافية الخاضعة لفصيل جيش العزة بشكل دقيق، وذلك قبل يوم واحد فقط من عملية التسلل، وأنها «زوّدت مجموعة الاقتحام بالمعلومات وطريقة التسلل، وأن القوات المهاجمة استخدمت قناصات ليلية أثناء تقدّمها، قبل أن يتمكن الفصيل من استعادة النقاط وقتل أربعة عناصر من القوة المتسللة». ويضيف أنه إثر الحادثة «وصل وفد عسكري تركي إلى المنطقة، وبحث مع قيادة جيش العزة تسيير دوريات تركية في مناطق التماس مع قوات النظام».
يقول البكور إن جيش العزة لم يكن واثقاً من التعهدات الروسية منذ بداية الاتفاق، وإن «الفصيل سيرد على هذا الهجوم الغادر في المكان والزمان المناسبين، طالما لم يتدخل الضامنان التركي والروسي، ولم يعلقا حتى على ما جرى». واعتبر في الوقت نفسه أن ما سيقوم به سيكون رداً على خرق الاتفاق، وهو حق تضمنه كافة الاتفاقات.
وكان اتفاق سوتشي، الذي أفضى إلى إيقاف هجوم النظام الذي بدا وشيكاً على إدلب وأريافها وريف حماة الشمالي، قد جاء نتيجة توافق مصالح روسية -تركية، وبضغط دولي ومباركة أميركية وأوروبية، لكنه بدا كما لو أنه إقصاءٌ لإيران، بعد أن كانت من الثلاثي الضامن لاتفاقات أستانة جميعها، ولجمٌ لمطامح النظام الذي كان قد أعلن مراراً أنه سيستعيد إدلب بالحرب أو السلم. ويرى الصحفي أحمد مظهر سعدو أن «النظام وجد نفسه نتيجة هذه الظروف غير قادر على الحراك، لكنه وبتحريض إيراني راح بين الفينة والأخرى يعمل على تهديد الاتفاق، فكانت اختراقاته المتكررة في أطراف إدلب وريف حلب، ثم كان هذا العدوان الواضح أخيراً على عناصر جيش العزة».
يشير سعدو إلى أن «التقارب التركي الأميركي الأخير ربما يكون قد أزعج الروس، وشعروا أنه من الممكن أن يستدير الأتراك باتجاه مصالحهم الأرحب والأقدم مع الإدارة الأميركية، ما دفعهم لتشجيع النظام السوري للانقضاض على الاتفاق في حماة وغيرها، وهي سياسة ليست بعيدة عن مسارات سياسية روسية سابقة». ولكن على الرغم مما تقدم، يرى سعدو أن هذا الاتفاق ليس على وشك أن يفشل بالكامل، وذلك لأن التخلي عنه لا يزال صعباً ولأن من مصلحة الجميع بقاؤه، أما هذه الهجمات والخروقات فإنها «لا تعدو كونها رسائل سياسية بين الأطراف، إذ يمارس الروس ومن خلفهم الميليشيات التابعة للنظام الضغوط العسكرية هنا وهناك، وتقابلهم تركيا بغضّ البصر عن هجمات هيئة تحرير الشام التي تلت الاتفاق».
وكانت هيئة تحرير الشام قد نفذت هجوماً على قوات النظام في نقطة الترابيع شمال حماة، في اليوم الذي تلا الهجوم على جيش العزة، وأعلنت أنها قتلت خلاله 18 عنصراً، قالت إن من بينهم سبعة جنود روس. ويبدو صمت تركيا على هذا الهجوم كما لو أنه ردٌّ على صمت روسيا على هجوم النظام في الزلاقيات، ليبدو الأمر كما لو أنه مناوشات غير مباشرة بين ضامني الاتفاق، دون أن يعني أننا بصدد انهيار كامل للاتفاق بين الطرفين. وفي هذا السياق يقول النقيب حذيفة مصطفى، الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير، إن «المصلحة من بقاء الاتفاق أكبر من فشله، وقد أشارت الجبهة في بيان سابق إلى أن الأتراك ضمنوا لها حق الرد، وأنها سترد على أي خرق تقوم به قوات النظام وميليشياته، لكنها لن تكون المبادرة، وستلتزم به ما التزمت به تلك القوات، حقناً لأرواح ملايين المدنيين في إدلب».
بالمقابل، يرى الناشط المحلي جابر أبو محمد أن «روسيا لن تسكت على هجوم هيئة تحرير الشام الذي استهدف موقعاً يتواجد فيه جنود روس، وأنها ستحرض ميليشيات النظام على الردّ»، ويشير وفقاً لمصادر خاصة به إلى أن «روسيا أبلغت تركيا أنها تحقق في ذلك الهجوم، وأكد ضباط روس أنهم لن يسمحوا بمروره دون عقاب».
ويقول أبو محمد إن «تركيا عرضت البدء بتسيير دوريات على طول المنطقة منزوعة السلاح الثقيل، إلا أن روسيا لم توافق على هذا المقترح، وأصرّت على أن تكون الدوريات مشتركة وبالتنسيق معها، الأمر الذي اعتبرته تركيا محاولة التفاف على مقترحها، مبررة ذلك باحتمال أن تستغل الميليشيات الأوقات التي لا تتواجد فيها الدوريات كي تشنّ هجمات مماثلة».
على الرغم من التحليلات التي يذهب معظمها إلى أن هذه الخروقات لن تؤدي إلى إنهاء الاتفاق في المدى المنظور، إلا إن اتفاق سوتشي حول شمال غربي سورية بات مهدداً اليوم أكثر من أي وقت مضى، إذ تشهد خطوط التماس احتقاناً كبيراً، وتستمر قوات النظام في تنفيذ رمايات مدفعية على مناطق في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، فيما تتحدث الأنباء عن أن هيئة تحرير الشام تحشد قواتها على تخوم المنطقة منزوعة السلاح الثقيل، ترقباً لأي هجوم مباغت مشابه لذلك الذي حصل مع جيش العزة، بالتزامن مع أنباء عن نقل قوات جديدة تابعة للنظام إلى قرية أبو دالي جنوب شرقي إدلب.
المصدر: الجمهورية نت