تبدو عمليات التسلل الليلية أفضل طريقة بالنسبة للمعارضة المسلحة للرد على هجمات مليشيات النظام وخروقها الموجعة خلال الأيام القليلة الماضية في جبهات محيط ادلب. المعارضة ليست مضطرة لاستخدام أسلحة ثقيلة يُمنع استخدامها في “المنطقة العازلة”، فهي ترد على خروق المليشيات، وفي الوقت ذاته، لا تخرق اتفاق سوتشي.
وحاولت المعارضة تنفيذ عملية تسلل، ليل الأحد/الإثنين، في محور قرية الجديدة شمال غربي مدينة محردة في ريف حماة الشمالي. لكن المحاولة فشلت، واستعيض عنها باستهداف مواقع المليشيات بالرشاشات الثقيلة، للرد على القصف المسائي العنيف الذي شنته المليشيات بالمدفعية والصواريخ مستهدفة أكثر من 20 بلدة وقرية في ريفي حماة الشمالي وادلب الجنوبي.
وكانت “هيئة تحرير الشام”، قد نجحت قبل يومين في تنفيذ عملية تسلل استهدفت ثكنة عسكرية تابعة للمليشيات قرب قرية الترابيع، في عمق مناطق سيطرة المليشيات قرب مدينة اللطامنة، وعلى مسافة قريبة من نقطة المراقبة الروسية في محردة. وروجت “الهيئة” للعملية بأنها تأتي في إطار الرد السريع على عملية التسلل التي استهدفت “جيش العزة” في محور الزلاقيات، والتي خسر فيها “الجيش” 23 مقاتلاً.
وبالغت “الهيئة” في أعداد قتلى المليشيات الذين سقطوا في عملية التسلل، وقال أنصارها إن 30 عنصراً على الأقل بينهم ضباط روس وآخرين تابعين للمليشيات قتلوا. وقتل فعلياً 15 عنصراً للمليشيات وجرح آخرون بينهم عدد من الضباط. وتتوزع خسائر المليشيات بين “الفيلق الخامس” و”الدفاع الوطني” التابعة لـ”الفرقة الرابعة”. وهي ذاتها التي نفذت عميلة تسلل نحو نقاط “جيش العزة”. الثكنة المستهدفة بعملية “الهيئة” هي غرفة العمليات المشتركة للمليشيات التي انطلقت منها عملية التسلل.
غرفة العمليات المستهدفة بهجوم “الهيئة” تجمع قادة من المليشيات المدعومة من روسيا وإيران، ويفترض أن يتواجد فيها قادة من “حزب الله” اللبناني، وضباط روس خططوا للهجوم. وتتقاسم مليشيات إيرانية وروسية خطوط التماس مع المعارضة في ريف حماة الشمالي في المنطقة الواقعة بين نقطة المراقبة الإيرانية في صوران شرقاً، والنقطة الروسية في محردة غرباً، لكن خطوط التماس ذاتها تقع تحت السيطرة الروسية فعلياً.
العملية التي استهدفت “جيش العزة” كانت بموافقة روسية وتنفيذ مشترك. وكان للرصد والاستطلاع الذي قامت به نقاط المراقبة الروسية، وطائرات الاستطلاع التي حلقت لساعات طويلة في أجواء المنطقة الدور الأكبر في نجاح عملية المليشيات.
استفادت “الهيئة” إعلامياً من العملية لمهاجمة فصائل المعارضة التي وصفتها بالمتخاذلة، وروجت لمقاطع فيديو يظهر فيها مجموعات عسكرية من “قوات النخبة” يُطلق عليها اسم “العصائب الحمراء” ينسب لها تنفيذ عملية التسلل والتي توعدت بالمزيد من العمليات خلال الفترة المقبلة. تصعيد المليشيات واتهامات “الهيئة”، استفزت فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” التي لمحت إلى إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية ضد المليشيات مع المحافظة على استمرار الاتفاق التركي-الروسي. ويبدو أن فصائل المعارضة حصلت على ضوء أخضر تركي لتنفيذ عمليات نوعية بهدف الرد على رسائل الضغط الروسية في جبهات ادلب بوسائل دفاعية مسموح بها، لا تؤدي إلى نسف الاتفاق.
فعلياً، كانت عملية “الهيئة” ناجحة، لكنها شبه مستحيلة من دون الحصول على معلومات رصد واستطلاع، أو أن نقاط المراقبة الروسية المجهزة بأجهزة رصد ليلية متطورة وبمدى واسع للغاية قد تجاهلت بشكل مقصود عناصر “الهيئة” المتسللين، وذلك بهدف استمرار التصعيد في محيط ادلب، وخلق مبررات إضافية لتكرار العمليات التي تستهدف المعارضة.
القائد العسكري في “جيش العزة” العقيد مصطفى بكور، أكد لـ”المدن” أن تصعيد المليشيات الروسية والإيرانية في جبهات محيط ادلب يحمل الكثير من رسائل إلى الجانب التركي. وهناك مصلحة روسية من التصعيد للضغط على تركيا، لتسريع تنفيذ بنود الاتفاق، أو على الأقل لتغيير بعض البنود المتفق عليها سابقاً في سوتشي لصالح روسيا. فالكثير من البنود لا تلبي المصالح الروسية بشكل فعلي؟ الدفع الروسي للتصعيد في جبهات محيط ادلب يوضح مدى الخشية الروسية من عودة العلاقات التركية–الأميركية، والتنسيق التركي مع الدول الأوروبية عموماً. لذا، يقول الروس: “نحن قادرون على قلب الطاولة من جديد في الميدان”، بحسب بكور.
وأوضح بكور لـ”المدن” أن لدى إيران مصلحة أيضاَ بالتصعيد، وإشغال جبهات محيط ادلب، فهي بالأصل لم تكن راضية عن الاتفاق، وسعت من خلال مليشياتها إلى تعطيله أكثر من مرة في مختلف الجبهات التي تمتلك فيها نفوذ واسع. والمليشيات التابعة لها مشاركة بشكل فعلي في التصعيد الأخير بالاشتراك مع المليشيات المدعومة من روسيا.
يبدو بأن جبهات محيط ادلب ماضية باتجاه مزيد من التصعيد خلال الأيام القليلة المقبلة، وقد تشهد عمليات عسكرية محدودة للمليشيات، وعمليات قصف بشكل أعنف. وكانت هناك تحركات مكثفة للمليشيات الإيرانية، الأحد، في جبهات الضواحي الغربية لحلب، وجبهات ريف حلب الجنوبي، وقام وفد عسكري روسي بجولة في جبهات الضواحي الشمالية لحلب، وجبهة جمعية الزهراء، وتبعت الجولة عمليات قصف لمواقع المعارضة.
وفي ظل التوتر الذي تشهده الجبهات، تواصل الوفود العسكرية والهندسية والإغاثية التركية القيام بجولاتها في المدن والبلدات الواقعة في “المنطقة العازلة منزوعة السلاح” لإجراء عمليات استطلاع ومسح، بهدف وضع خطط لتحسين الخدمات لاحقاً. وتدرك تركيا أن استمرار العمل باتفاق سوتشي من مصلحة الجميع، ولديها ما يكفي من الأوراق على الأرض لمواجهة الضغوط الروسية–الإيرانية.
المصدر: المدن