ناقش “مجلس الشعب” السوري مشروع قانون يمنح لكل عسكري أصيب في الحرب “حق الاكتتاب” على سيارة سياحية محلية الصنع معفاة من الضرائب والرسوم، وكذلك إلغاء القانون 40 للعام 1986 الخاص بسيارات مشوهي الحرب. والقانون بات بانتظار توقيع رئيس الجمهورية عليه، ليصبح نافذاً فعلياً.
وحدد القانون تعريف العسكري الجريح حصراً بأفراد “الجيش والقوات المسلحة” و”قوى الأمن الداخلي”، الذين أصيبوا في العمليات الحربية منذ 15 آذار/مارس 2011. ولم يمنح القانون حق الاكتتاب لعائلات القتلى من الجيش والأمن الداخلي، وحصره بالجرحى الأحياء منهم. وبحسب هذا التعريف، فإن جرحى المليشيات الموالية غير مشمولين بالقانون.
ونصّ مشروع القانون على وجوب إثبات حالة الجريح، بقرار من مجلس التحقيق الصحي، أو لجنة التحقيق الصحي مصدقاً وفق الأصول المحددة في قوانين المعاشات العسكرية النافذة. ولم يشترط القانون نسبة إعاقة ناجمة عن الإصابة، أو استمرار لمفاعيلها، مكتفياً بتعبير العسكري الجريح. ويحق للجريح وفق المادة الثالثة الاكتتاب لدى المؤسسة العامة للتجارة الخارجية على سيارة سياحية واحدة، محلية الصنع، مع تسهيلات من المصرف التجاري السوري لمنح القروض وتسديدها، لمرة واحدة خلال عشر سنوات من تاريخ الإصابة.
وبحسب المادة الرابعة، يعفى الجريح المستفيد من أحكام هذا القانون، من جميع الضرائب والرسوم المترتبة على تسجيل السيارة، بما فيها رسم الطابع وقيمة اللوحات ورخصة السير والنفقات المترتبة على سند التمليك وبدل الفحص الفني ووضع وفك الرهن.
ويأتي تحديد “السيارة محلية الصنع”، لأول مرة في هذا النوع من الامتيازات الممنوحة للعسكريين، خلافاً للمتعارف عليه سابقاً بتحديد نوع أو حجم السيارة التي يسمح للضباط، حسب رتبهم، بشرائها ضمن إعفاءات جمركية وفق القوانين الناظمة.
“سيارة محلية الصنع” تعني أنها مصنّعة في سوريا، أي من ثبل واحدة من 8 شركات مرخصة لصناعة السيارات وتجميعها. وكانت قد توقفت تلك الشركات عن العمل، في العام 2012، لأسباب متنوعة منها الظروف السائدة والعقوبات المفروضة على النظام، قبل أن تستأنف خمس شركات منها نشاطها العام 2017.
ودخلت سوريا عالم تصنيع السيارات في العام 2007، من خلال “الشركة السورية الإيرانية” التي أطلقت سيارة “شام” التي توقف إنتاجها نهائياً في العام 2017، لأن نموذجها أصبح قديماً واستبدلتها بنموذجي “شمرا” و”بالميرا”.
ورغم العنوان البراق لصناعة السيارات السورية، إلا أن الأمر يقتصر على استيراد السيارات شبه كاملة، ينقصها إطارات أو مصابيح، ويتم إدخالها تحت بند قطع غيار، ليعاد تجميعها وطرحها في الأسواق الداخلية، بوصفها صناعة سورية. الجمارك رفعت ضريبة السيارات “سورية الصنع” من 5 في المئة إلى 30 في المئة، مستثنية السيارات الإيرانية بحجة ترخيصها القائم على ثلاث صالات. ويعني ذلك امتلاكها لورشة الحدادة والدهان إضافة إلى صالة التجميع. فيما تصل رسوم استيراد السيارات الكاملة إلى 40 في المئة. وكانت سوريا قد منعت استيراد السيارات منذ العام 2011 بداعي التقشف، والامتناع عن استيراد الكماليات، وأدوات الرفاهية.
ورغم توقف الاستيراد، وارتفاع أسعار السيارات المستعملة بسبب ازدياد الجمارك على قطع الغيار، إلا أن السيارات “محلية الصنع” ما زالت غير مرغوبة، ولا تلقى رواجاً بسبب أسعارها المرتفعة جداً. وتتراوح أسعارها بين 7 مليون 20 مليون ليرة سورية، (14 ألف إلى 40 ألف دولار). وهي اسعار تزيد عن أسعار مثيلاتها الأوروبية أو الكورية ذات الماركات المعروفة عالمياً. وتتجاوز تلك الأسعار القدرة الشرائية للسوري، ما جعل صناعة السيارات المحلية تعاني ركوداً شديداً، أدى لانخفاض في الإنتاجية. “شركة سايبا” الإيرانية في حمص، انتقلت من تجميع وتصنيع 50 أو 60 سيارة يومياً قبل الحرب، إلى ثلاث سيارات حالياً، بالإضافة إلى وجود العشرات من السيارات المركونة في مستودع الشركة وهي مغطاة بالغبار، وفقاً لما نقلته وكالة “رويترز” قبل أيام.
وينتمي أصحاب المصانع إلى رجال أعمال النظام، وعلى رأسهم رامي مخلوف وسامر فوز. مخلوف كان وراء القرار بإلغاء الوكالات الحصرية للسيارات، بعد اصطدامه بعائلة سنقر وكلاء “شركة مرسيدس”. سامر الفوز يمتلك “شركة صروح إعمار” الناشئة من استيلائه على “شركة حميشو” تحت عنوان الدمج. وأصبح فوز بعد الدمج يمتلك ثلاث شركات لتجميع السيارات، بالتعاون مع شركة “بي واي دي” الصينية. “شركة إعمار موتورز” التابعة لفوز أطلقت سيارة كيا الجديدة في العام 2017. وبحسب مسؤولي الشركة، فان مصانع فوز هي الأضخم في سوريا والثالثة في الشرق الأوسط. وتعمل “شركة شموط” و”شركة خلوف” و”شركة ملوك” في صناعة وتجميع السيارات المحلية، بالإضافة إلى شركات الفوز والشركة السورية الإيرانية.
النفوذ القوي لأصحاب الشركات جيّر قرارات الحكومة لصالح منتجاتهم، عبر سلسلة من الإجراءات والتسهيلات تبدأ بمنع استيراد السيارات، وعودة المصرف التجاري لمنح القروض الخاصة بشراء السيارات المحلية حصراً. فالقروض لا تشمل شراء السيارات المستعملة. وأخيراً، يأتي إقرار مجلس الشعب منح العسكريين المصابين “حق الاكتتاب” على سيارات محلية الصنع بإعفاءات ضريبية وتسهيلات من البنوك.
وتنازلت الحكومة عن الرسوم وعائدات بيع السيارات، عبر إعفاء المكتتبين الجرحى من حصتها العائدة للخزينة العامة، فيما تبقى حصص مصانع السيارات كما هي، بدون أية تخفيضات أو تسهيلات، ما يعني أن القرار يصب لمصلحة أصحاب المعامل.
ويبدو القانون كامتياز للجرحى من عسكر النظام، إذ يخفض من سعر السيارات الجديدة، غير أن الصفقة خاسرة بالنسبة لهم رغم الإعفاءات المقدرة بـ 10 في المئة من السعر، بسبب أسعار السيارات المرتفعة، ونوعيتها المشكوك بجودتها.
المصدر: المدن