لم تَكُن حادثة تعميم أسماء آلاف السوريين للخدمة الاحتياطية من جديد مجرد تراجع للنظام عن قرار أصدره، بل نتج ذلك عن صراع انتصر فيه “تحالف علوي” مؤلف من عشرات الضباط من أصحاب الكلمة في الوسط العسكري، استطاعوا نسف المرسوم الرئاسي وكافة التعليمات الصادرة عن الروس، بعد اجتماعات مكثفّة في هيئة الأركان وقاعدة حميميم، جرى خلالها الضغط للتراجع عن القرار والسماح لوزارة الدفاع بإصدار قوائم جديدة تحمل أسماء آلاف المطلوبين، تجنباً لفوضى عسكرية كانت وشيكة الحدوث في ثُكنات النظام ومقرات ميليشياته.
مصدر مقرّب من الروس قال لـ”المدن”، إن ضغط هؤلاء الضباط، لم يُعد الاحتياط فقط، بل نسف المرسوم الذي يُعطي المتواري عن الأنظار مُدة أربعة أشهر لتسليم نفسه، يكون خلالها حراً طليقاً يستطيع التجول بحرّية داخل سوريا، فضلاً عن عدم الالتزام بالقرار، غير الرسمي، للروس، والذي ينص على تخفيض سن التكليف الاحتياطي إلى ما دون مواليد 1985، فصدرت قوائم جديدة تضم مطلوبين من مواليد 1976، كما كان يجري خلال السنوات الماضية.
إصدار قوائم المطلوبين هذه المرة اتصف بالعشوائية غير المسبوقة، فالقوائم التي وردت إلى عموم مناطق ريف دمشق، حملت أسماء أشخاص كُثر تم التأكد من أنهم خرجوا إلى ادلب، وبعضهم من أبرز القياديين العسكريين في المنطقة كـ”ابو خالد الدقر” الذي اشتهر في الغوطة الشرقية باسم “الزحطة” قائد القوات العاملة في مدينة حرستا، والأمير العام لحركة “أحرار الشام الإسلامية” قبيل خروجهم من المدينة نحو شمال سوريا.
بالرغم من إجراء النظام إحصائيات كثيرة لسُكان الغوطة الشرقية وجنوب دمشق خلال الاشهر الستة الماضية، عبر التسويات الأمنية والحملات الاحصائية والتفتيشية، لم تصدر قوائم جديدة بحسب السكان، بل تقصد القائمون على القرار تكثيف الأعداد لبث الرعب في نفوس الناس، خاصة الموجودين خارج سوريا، فالرقم الذي صرحّت به وسائل الإعلام البديل للنظام قاربت 30 ألف اسم خلال أسبوعين.
وتشهد مناطق دمشق وريفها منذ أيام قليلة عودة قوية لدوريات الشرطة العسكرية مدعومة بعناصر من استخبارات النظام، لتنشىء حواجز مؤقتة في الشوارع بحثاً عن مطلوبين للاحتياط. شوارع دمشق تعيش حالة من التوتر الأمني مع اقتراب احتفالات الميلاد ورأس السنة، وسط تكثيف ملحوظ لدوريات الشرطة العسكرية والأمن العسكري، خاصة في الأحياء الشرقية ذات الأغلبية المسيحية.
وتتولى الدوريات المنتشرة في الشوارع اعتقال الشبان والرجال، ونقلهم إلى مقر الشرطة العسكرية في حي القابون للتحقيق معهم، وفي حال كانوا من مناطق التسويات يتم نقلهم إلى الفرع 251 (فرع الأمن الداخلي) التابع لشعبة المخابرات العامة، ويمكن أن يستمر توقيفهم في كلا الجهتين لشهر كامل بحجة التحقيق قبل أن يُنقلوا مُقيدين إلى قيادة تجنيد المنطقة الجنوبية في حي المزة، ليُسلموا دفاتر الخدمة الإلزامية ويتم نقلهم بعد أيام إلى ثُكنة الدريج العسكرية.
مصادر خاصة أكدت لـ”المُدن، أن التحقيق في الشرطة العسكرية والفروع الأمنية، شمل عناصر الميليشيات المطلوبين للخدمة منذ سنوات، والذين حصلوا على مهمات من ميليشيات رديفة تخولهم التنقل بحرية من دون أي مسائلة؛ هؤلاء استغلوا مرسوم العفو لتسوية أوضاعهم في شعب التجنيد والعودة إلى الحياة المدنية، فتم اعتقال العشرات منهم وتحويلهم إلى التحقيق بتهمة التواري عن الأنظار رغم حملهم لمُهمات عسكرية صادرة عن الميليشيات.
الصورة التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لشبان مقيدين وأحدثت ضجة كبيرة، تم التقاطها في حي المزة أيضاً، لمطلوبين للخدمة الإلزامية تم نقلهم من الشرطة العسكرية في القابون، وتلك الحوادث موجودة منذ عهد ما قبل الثورة، بالنسبة للمتوارين عن الأنظار الذين يتم إلقاء القبض عليهم من قبل الشرطة العسكرية.
مصادر “المدن” أكدت أن مخابرات النظام ضغطت على مُلتقط الصورة، الناشط الموالي أحمد سليمان لحذفها من حسابه على “فايسبوك”، وأخذت تُرسل عاملين في وسائل إعلامية بديلة لتصوير تجمع الشباب الذين التحقوا طوعاً في جيش النظام، خلال تواجدهم أمام شعبة تجنيد حي المزة، لتخفيف أثر تلك الصورة.
أحد أبناء دمشق، الذين استفادوا من مرسوم العفو واستطاعوا الحصول على ورقة “كف البحث” عاد وطُلب من جديد للخدمة الاحتياطية، وتلقى اتصالاً هاتفياً من شُعبة التجنيد يبلغه بوجوب التحاقه خلال أسبوع، تجنباً للمُلاحقة الأمنية، وفق ما قال لـ”المدن”.
من جهة ثانية، تفاجأ عشرات السوريين الذين عادوا خلال الشهر الماضي من دول الخليج، ودول اللجوء، وتركيا، بقصد الزيارة إلى سوريا، بإعادة تعميم أسمائهم ومطالبتهم بمُراجعة شُعب التجنيد، فضلاً عن منعهم من السفر بعد تعميم اسمائهم على الحدود مع لبنان.
وشملت القوائم التي صدرت أسماء عشرات الموظفين الحكوميين، الذين تم تبليغهم عن طريق إدارة الدوائر والمديريات والوزارات التي يعملون بها. ووفقاً لمصادر “المدن”، فإن عشرة اعتقالات بحق موظفين جرت خلال الأيام الماضية من دوائر حكومية في دمشق، حيث تم اعتقالهم من قبل دوريات تابعة للشرطة العسكرية دخلت الدوائر الحكومية لاعتقالهم.
المصدر: المدن