عدنان أحمد
أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأربعاء، أن “الوقت حان بالنسبة الى الجنود الأميركيين للعودة إلى الوطن من سورية، بعد سنوات على قتالهم ضد تنظيم داعش هناك”. وقال ترامب في رسالة بالفيديو بثها على موقع تويتر “لقد انتصرنا”، مضيفا “لذا فإن أبناءنا، شبابنا من النساء والرجال (…) سيعودون جميعا، وسيعودون الآن”.
ويشير هذا القرار المتضمن سحب الولايات المتحدة كامل قواتها من سورية، إلى التخبّط الذي تعانيه “الاستراتيجية” الأميركية في سورية، وتساؤلات عن وجود مثل هذه الاستراتيجية أصلًا، خصوصًا أنّ هذا القرار يأتي بعد تأكيدات متوالية لكبار المسؤولين الأميركيين أن قواتهم باقية في سورية إلى حين القضاء على تنظيم “داعش”، وإلى حين انسحاب القوات الإيرانية من هذا البلد.
وتتمركز القوات الأميركية، بشكل دائم أو مؤقت، في مناطق مختلفة من سورية، ضمن خريطة انتشار جعلتها أشبه بالطوق الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري في منطقة شرق نهر الفرات، داخل مناطق تسيطر على غالبيتها مليشيات “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا.
وحسب مصادر المعارضة السورية، فإن أبرز مراكز انتشار هذه القوات مطار رميلان، حيث الآبار النفطية التي تخضع لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية”. وأقامت الولايات المتحدة هذه القاعدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
ثم هناك قاعدة عين العرب (كوباني) الواقعة إلى الجنوب من مدينة عين العرب (كوباني) بالقرب من قرية خراب عشق، على بعد نحو 33 كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود التركية، وهي منطقة خاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية. وسبق أن اعترضت تركيا على إنشاء القاعدة في هذه المنطقة، ما دفع الولايات المتحدة لنقلها إلى قرية سبت ذات الغالبية العربية، وتعد هذه القاعدة الكبرى من بين قواعد القوات الأميركية.
ومن القواعد الهامة؛ قاعدة الشدّادي بين محافظتيّ الحسكة ودير الزور، وتحتوي هذه القاعدة على مهبط للطائرات المروحية ومعسكر للتدريب. كما قامت القوات الأميركية مؤخراً بإنشاء قاعدة عسكرية في حقل العمر النفطي بالقرب من بلدة الشحيل في ريف دير الزور، والمُقابل لمدينة الميادين الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري.
يضاف إلى ذلك، قاعدة المبروكة، وهي معسكر صغير في قرية المبروكة فيه قوات أميركية صغيرة الحجم غرب مدينة القامشلي في محافظة الحسكة، ضمن مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية؛ ومطار روباريا الواقع قرب مدينة المالكية شمال شرقي الحسكة، بالقرب من الحدود مع كل من العراق وتركيا، إضافة إلى قاعدة تل بيدر شمال غربي الحسكة، وقاعدة تل أبيض التي ينتشر فيها عدد كبير من الجنود الأميركيين يصل إلى 200 جندي.
كما توجد قوات أميركية إلى جانب قوات من دول التحالف الدولي والمعارضة المسلحة في قاعدة التنف السورية على المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني. وتفرض الولايات المتحدة إقامة منطقة “عدم اشتباك” لا تسمح بموجبها لأي قوات تابعة لقوات النظام بالاقتراب منها أو الدخول اليها.
وحسب هذه التقارير، فإن واشنطن تستعد لسحب قواتها بالكامل من شمال شرقي سورية “في خطوة قد تؤدي إلى زعزعة الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط”، وفق وكالة “رويترز”.
وقالت “واشنطن بوست” إن القرار يشمل كامل القوات الأميركية المؤلفة من 2000 جندي في سورية. وأشارت الصحيفة إلى أنّ الخطوة الأميركية جاءت في خضمّ التوتّر مع تركيا التي أعلنت أنها ستشنّ عملية جديدة ضد تنظيم المليشيات الكردية في المناطق الواقعة شرق نهر الفرات.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية قالت في وقت سابق اليوم الأربعاء، إن “وجود القوات الأميركية في سورية أصبح عقبة خطيرة أمام التوصل لتسوية سلمية”، واتهمت واشنطن بالإبقاء على قواتها هناك بصورة غير قانونية.
وكان آخر تصريح بشأن وجود هذه القوات صدر قبل عدة أيام عن المبعوث الأميركي للتحالف الدولي بريت ماكغورك، الذي قال إن “الولايات المتحدة باقية في سورية حتى تشكيل قوات أمن داخلي هناك”. وأضاف المبعوث الأميركي في تصريحات صحافية أن “بقاء القوات يهدف لضمان الحفاظ على المكاسب ضد “داعش”، وهدفنا العسكري هو هزيمة دائمة للتنظيم”.
وأعلنت الولايات المتحدة، قبل ذلك، أنها دربت 8 آلاف مسلح، وأنها تعتزم مواصلة برامج التدريب لتأهيل نحو 40 ألفًا من أجل التحكم في المناطق التي تم طرد تنظيم “داعش” منها.
وتعليقًا على هذا القرار، قال المحلل العسكري أحمد رحال إن الانسحاب يخلط الأوراق ويثير كثيرًا من التساؤلات حول حقيقة الموقف الأميركي، عما اذا كان مرتبطًا بملفات داخلية أميركية تتعلق بالتحقيقات التي يخضع لها مساعدو الرئيس دونالد ترامب، أم بمحاولة ابتزاز جديدة لدول الخليج لكي تمول هذا الوجود بالكامل؛ والسؤال الأهم هو من سيسد الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأميركي، ومن هي القوى التي ستتقدم لملء الفراغ.
وأوضح رحال أن الأكثر تأثرًا بمثل هذا القرار هم الأكراد الذين يضعون رهانهم الرئيسي على الأميركيين، خاصة في ضوء العملية التركية المرتقبة في شرق الفرات، مشيرًا إلى أن القرار الأميركي، إن ثبتت صحته، يخلط الأوراق في سورية بشدة، ومن الصعب التنبؤ اليوم بكل تداعياته.
وقد تعمدت القيادة العسكرية الأميركية، خلال الفترة الماضية، عدم الكشف عن معلومات مهمة حول حجم وطبيعة الوجود العسكري الأميركي في سورية والعراق، وذلك بهدف “الحفاظ على عنصر المفاجأة التكتيكي، ولضمان الأمن التشغيلي وحماية القوات”، بحسب المتحدث باسم البنتاغون إريك باهون.
المصدر: العربي الجديد