بعد ثمانية سنوات من المقتلة السورية، وبعد أيام من قرار الرئيس الأمريكي ترامب انسحاب قواته من سوريا، يتصدر وسائل الإعلام العالمية، تصريح يشبه من حيث الأسلوب، تلك التقليعات العجيبة لرئيس أقوى دولة في العالم، فيما يمر مضمون التصريح بكل ما فيه من فظاعة سياسية وأخلاقية، وكأنه خبر عادي يُضاف إلى تصريحات وتغريدات صاحب أكبر المفاجآت، التي تكشف حجم تردي وانحدار من يقبضون على تلابيب القرار العالمي. فحين يبرر ترامب قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا بالقول دون رتوش أو مواربة ” أن سوريا أرض رمل وموت وليس فيها ثروات كبيرة ” فهذا مؤشر خطير على طريقة تفكير رئيس دولة عظمى بمكانة الولايات المتحدة، لم يتردد حتى ولو من باب الآداب الدبلوماسية، في إعلان تصوره الإمبريالي المتوحش عن سورية، كدولة لا يراها أكثر من ” رمل وموت ” لا تستحق من منظوره سوى الابتعاد عنها، طالما أن ” لا ثروات كبيرة فيها “.
كأن ترامب بهذا التصريح الوقح، يطالب العالم أن يتفهم القضايا والحالات التي يسيل عليها لعابه فقط، وهي التي تستجيب إلى نهم الشركات والبنوك والأرصدة الأمريكية، أما عذابات ومعاناة شعب بأكمله، أصبح عنوان لأكبر كارثة في العصر الحديث، فهذا خارج كل حسابات واهتمامات السيد ترامب. الذي يؤكد بصفاقته المعهودة، أن وجود قواته في سورية وانسحابها منها، واللعب بين البقاء فيها والخيارات الأخرى، تعكس حقيقة السياسة الأمريكية منذ عهد سلفه أوباما، والتي تقوم على خلفية مصلحية وبراغماتية، لا مكان فيها ولا اعتبار لدماء وحقوق ومصير الشعب السوري المظلوم. تلك السياسة المجردة من القيم والقانون والأخلاق في تعاملها مع الآخر، والتي لا تجد غضاضة في ترك عصابة الإجرام الأسدي، تقتل وتدّمر وتُهجّر ملايين السوريين، طالما أنها تواظب على دورها في حماية حدود إسرائيل، وتقوم بتحويل سورية إلى دولة ضعيفة ومهشمة لعقود طويلة.
هذا التصريح الذي يتنكر فيه ترامب لحق السوريين في الحياة الحرة الكريمة، هو عار بحق الإنسانية جمعاء وليس بحق السوريين فقط، ولكنه يضع كل المراهنين على الدور الأمريكي وعلى أي دور خارجي آخر، أمام الحقيقة العارية ومحصلاتها الواضحة، وهي أن خلاص شعوبنا في سوريا وفلسطين وفي كافة الدول العربية، وتحريرها من أنظمة الطغيان ومن قوى الاحتلال الهيمنة، هي مهمة وطنية أولاً وأخيراً، وأن كل تأخر في وعي هذه الحقيقة هو تبديد للوقت والجهود على حساب استمرار محنة أوطاننا وشعوبنا..