نزار السهلي
قفزت السلطة الفلسطينية خطوة جديدة نحو النظام السوري، بافتتاح مقر لتلفزيون فلسطين، في العاصمة دمشق، كجزء من خطوات التطبيع مع النظام، الذي لم تنقطع أصلًا قنوات تواصله واتصاله مع السلطة الفلسطينية، حتى في أحلك الظروف التي مرّ بها اللاجئون الفلسطينيون في سورية، فقد عبّرت مختلف المستويات السياسية للسلطة الفلسطينية عن وقوفها إلى جانب النظام السوري، في حربه ضد السوريين، وأنكرت مذبحة الفلسطينيين في مخيماتهم وفي معتقلات النظام، إذ لم يجرؤ تلفزيون السلطة على نقل أي واقعة تتعلق بمقتل المئات من أبناء شعبه تحت التعذيب، على أيدي جلادي النظام.
مع استمرار النظام في اعتقال آلاف الفلسطينيين في سورية، وإخفاء مصير جثث المئات ممن أُعدموا أو قُتلوا تحت التعذيب، تخطو السلطة الفلسطينية باتجاه دعم الأسد في “معركته وصموده” في وجه أبناء سورية وفلسطين، إذ أشار عزام الأحمد، عضو مركزية حركة (فتح)، إلى أن افتتاح المقر في دمشق سيكون “ناقلًا أمينًا للصوت والصورة الفلسطينية من فلسطين إلى سورية، وناقلًا للصورة والصوت والصمود السوري إلى فلسطين والعالم أجمع”، في حين قال واصل أبو يوسف، عضو تنفيذية المنظمة: “إن افتتاح مقر لتلفزيون فلسطين في دمشق يختلف عن المقار الأخرى، لما لدمشق وسورية من معانٍ في النضال الفلسطيني”.
بمعنى آخر: سيكون للأسد عين وأذن وحنجرة عالية لدى السلطة الفلسطينية، تقوم بمتابعة تزوير الحقائق وتلفيق الروايات المساندة للأسد السفاح، وسيكون للأخيرة لسان يخطب من حنجرة الأسد، عن ضرورة اجترار شعارات سقطت واهترأت عند بوابات مخيمات الفلسطينيين، وتحت ركام المنازل، وفي أقبية تعذيب فروع فلسطين والجوية والسياسية، كانت سنوات الفلسطينيين والسوريين طافحة بمختلف أنواع الخذلان والطعن، تنقل الطعنات من السلم الإعلامي إلى السياسي ثم الثوري والأدبي والشعري والتشكيلي، وغيرها، لن يُفاجئنا كثيرًا أن ينضم بوق جديد، وشاهد زور جديد، إلى ساحة الأسد بشكل مباشر، خصوصًا أن قنوات حلف الأسد في العاصمة السورية كانت تنقل صورة الجلاد وصوته، طوال الأعوام الثمانية الماضية.
“تلفزيون فلسطين” لم يغرّد خارج سرب الحاجة والمنفعة المتبادلة بينه وبين نظام الأسد والسلطة، شأنه شأن الأنظمة الداعمة للنظام السوري، لِما بات يشكله من حاجة قوية إلى الأنظمة القمعية. ومن جهة ثانية، السلطة الفلسطينية مع معظم فصائلها وحركة التحرر الوطني الفلسطيني، خسرت شعبها وشارعها في سورية، لذلك تكون خطوات التطبيع وتمتين التعاون الإعلامي، إعادة ترويج شعارات فلسطين وشعارات الأسد لشارع أدار ظهره لهما، وهذا استهبال واستهتار بالتاريخ والمستقبل، فعندما تتحدث السلطة عن أمانة نقل الصوت والصورة، وتمارس جبنًا وأرنبة حين يتعلق الأمر بآلاف المعتقلين من أبناء شعبها، واستمرار التنكيل بمن بقي منهم في جنوب دمشق فضلًا عن تدمير معظم مخيماتهم ومباركة فعل النظام، من خلال ترويج أكاذيبه عن فلسطين، فهو المطلوب.
سيكون تلفزيون فلسطين أمينًا على نقل صورة الأسرى من معتقلات العدو، وممارسات الاحتلال في الاستيطان والسطو وتزوير التاريخ، ونقد سياساته، ونقل معاناة الفلسطينيين على حواجز الاحتلال وداخل المدن والبلدات الفلسطينية، وهذا يُنقل يوميًا من عشرات وسائل الإعلام عربية ودولية، حيث يسمح المحتل بـ “هوامش حرية” العمل الإعلامي، لكننا في المقابل نسأل عزام الأحمد وأبو يوسف وكل الفصائل: هل وظيفة تلفزيون فلسطيني في دمشق هي تلميع صورة قاتل الفلسطينيين والسوريين فحسب؟ أيّ رواية سيكون أمينًا عليها بعد تبني رواية النظام في قتل أبناء شعبكم؟ هل سمع إعلام السلطة الفلسطينية، ومنها تلفزيون فلسطين، عن أسراب الأسد التعفيشية لمخيم اليرموك؟ وهل شاهد حرق كواشين ديار اللاجئين بطائرات الأسد، وتعفيش ما تبقى على أيدي عصاباته التي شاهدها الملايين، لكنها اختفت من شاشة تلفزيون فلسطين؟
نقل شجاعة النسوة الفلسطينيات أمام حواجز المحتل الإسرائيلي، في رحلة زيارة فلذات الأكباد أو الزوجات والأزواج خلف قضبان السجن، هذا مشهد لن يكون في تاريخ الإعلام الفلسطيني تحت عباءة الأسد، لينقل معاناة البشر في زنازين الأسد، معارك الأمعاء الخاوية وتحسين شروط الاعتقال، لن يكون مكانها عند الأسد سوى فرن بشري لآلاف الجثث، أما إذا كانت مهمته إكمال الإنكار، والاحتفاء بنصر الأسد على جماجم فلسطينيين وملايين السوريين، فهذا ليس مكانه شاشة تحمل اسم فلسطين، فبالإمكان الاستعانة بغيره من قاموس الأسد، فيكفي فلسطين تلطيخًا وعارًا لصورتها وروايتها، وتلك هي الأمانة التي لم يدركها ثوريو الأمس.
المصدر: جيرون