إسماعيل جمال
من المقرر أن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين، غدا الأربعاء، في روسيا لبحث مجموعة من الملفات بالغة الأهمية تتعلق بالملف السوري سيكون أبرزها التطورات الأخيرة في إدلب عقب توسيع هيئة تحرير الشام سيطرتها على المحافظة، إلى جانب ملف الانسحاب الأمريكي من شمالي سوريا ومقترحات المنطقة الآمنة.
ويسعى أردوغان بالدرجة الأولى إلى اقناع روسيا بتأجيل أي تحرك عسكري سواء من قبل النظام السوري وحلفائه أو حتى تحرك عسكري تركي روسي مشترك يمكن أن يتم الاتفاق عليه لإنهاء سيطرة “تحرير الشام” على إدلب إلى حين تفرغ الجيش التركي من الاستحقاقات التي استجدت في منبج وشرقي نهر الفرات والتغيرات المترتبة على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا.
استحقاقات صعبة في إدلب
كان توسع هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها على حساب فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا بمثابة ضربة لمخططات أنقرة في المنطقة زاد آثارها السلبية التوقيت الحساس التي حصلت فيه وتزامن ذلك مع محاولات أنقرة التفرغ سياسياً وعسكرياً لمواجهة التطورات المتلاحقة في منبج وشرقي نهر الفرات.
وإلى جانب الضغوط الروسية الهائلة على تركيا التي ولدها توسع “تحرير الشام” في إدلب، أضعف هذا التطور من قدرة أنقرة على اقناع واشنطن وأطراف دولية أخرى على أن قوات المعارضة السورية قادرة على أن تكون بديلاً لقوات سوريا الديمقراطية في السيطرة على المناطق التي ستنسحب منها القوات الأمريكية وفرض الأمن فيها ومنع عودة تنظيم الدولة وغيره من التنظيمات الإرهابية.
وبينما تجد تركيا نفسها مضطرة لإثبات قدرتها على الالتزام بالاتفاقيات المنبثقة عن مسار أستانة لا سيما الاتفاق الأخيرة المتعلق بإنشاء المنطقة منزوعة السلاح والحد من نفوذ هيئة تحرير الشام، إلا أنها تجد أن الوقت غير ملائم للقيام بأي تحرك عسكري في إدلب، ومن المتوقع أن يركز أردوغان على اقناع بوتين بضرورة تأجيل الاستحقاق العسكري في إدلب لحين اتضاح نتائج رسم خريطة النفوذ والسيطرة في منبج وشرقي نهر الفرات.
وفي حين تعارض تركيا بشكل قاطع عملية عسكرية للنظام السوري، أو غارات روسية واسعة على غرار ما جرى في حلب والغوطة، تجد نفسها مضطرة للقبول بالقيام بعمليات عسكرية مشتركة مع روسيا تضمن القضاء على هيئة تحرير الشام وبقاء المنطقة تحت السيطرة التركية والفصائل المدعومة منها لقطع الطريق على دخول النظام السوري للمحافظة.
وقالت صحيفة يني شفق التركية إن “أردوغان وبوتين سيتناولان خلال لقائهما، الاشتباكات الدائرة منذ مدة بين المعارضة السورية المعتدلة وعناصر هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب المشمولة ضمن مناطق خفض التصعيد”، لافتةً إلى أن “الانتهاكات التي تحصل بين حين وآخر لاتفاقية سوتشي الخاصة بوقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة في إدلب، سيكون أيضا على طاولة المحادثات المنتظرة بين الزعيمين”.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع التركية ناديدة شبنام أكطوب، إن “الجيش التركي يواصل تحركاته في محافظة إدلب السورية بنجاح وفقا لتفاهمات سوتشي، رغم الاستفزازات التي جرت في المنطقة”، مشددة على أن “وحدات الجيش التركي تواصل أعمالها لتحقيق السلام والاستقرار عبر إنهاء الاشتباكات في المنطقة”.
ما بعد الانسحاب الأمريكي
تعلم تركيا جيداً أن النفوذ الأكبر في سوريا هو لروسيا، وبالتالي تيقن أن أي رسم جديد لخريطة النفوذ في شمالي سوريا عقب الانسحاب الأمريكي لا يمكن أن يتم أو ينجح بدون حضور روسيا وموافقتها، وانطلاقاً من ذلك أعلنت أنقرة مبكراً أنها تريد التنسيق مع روسيا فيما يتعلق بالانسحاب الأمريكي ولاحقاً فيما يتعلق بمقترح ترامب بإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية مع تركيا.
وفي أول تصريح له عقب اقتراح ترامب، أكد أردوغان أنه يرغب في إشراك “مسار أستانة” في إشارة إلى روسيا في المباحثات المتعلقة بإنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا، وبحسب وكالة الأناضول، فإن أردوغان سيطرق في مباحثاته مع بوتين إلى قرار الانسحاب من سوريا، وآخر التطورات الحاصلة في مناطق شرق نهر الفرات إلى جانب فكرة إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري والخطوات المستقبلية التي ستقدم عليها أنقرة وموسكو لمكافحة التنظيمات الإرهابية في تلك المناطق”.
ولاحقاً قال المحدث باسم وزارة الخارجية التركية هامي أكسوي للصحفيين: “قمنا في السابق بتبرير الحاجة لتشكيل منطقة عازلة في سوريا لضمان سلامة اللاجئين، ولكن لم يتم قبول اقتراحنا لفترة طويلة. سنواصل المفاوضات مع الزملاء الروس وبحث هذه القضية التي سيبحثها الرئيسان الروسي والتركي في 23 يناير… لا يجوز أن يخدم انسحاب الجيش الأمريكي من سوريا تنظيم ب ي د”.
وتسعى تركيا لتجنب دخولها في منافسة عسكرية على الأرض مع روسيا والنظام السوري للسيطرة على المناطق التي تنسحب منها القوات الأمريكية، وترغب في تنسيق الانتشار أو تقاسم النفوذ مع موسكو، حيث تُصر على أولوية سيطرتها على نقاط محورية كمنبج وتل أبيض وعين العرب ورأس العين وغيرها من المناطق الحدودية، في لا تبدي أنقرة أي رغبة في الدخول بعمق الأراضي السورية لا سيما في محافظي الرقة ودير الزور.
قمة ثلاثية محتملة
تحدثت وسائل إعلام تركية خلال الأيام الماضية عن وجود مساعي ورغبة تركية في التوسط بين موسكو وواشنطن من أجل عقد قمة ثلاثية أمريكية روسية تركية لبحث مصير الأوضاع في سوريا ومستقبل المنطقة عقب الانسحاب الأمريكي.
أنباء عن مساعي تركية لعقد قمة ثلاثية بين ترامب وبوتين وأردوغان حول سوريا
وفي مقال له بصحيفة “خبر تورك” قال الكاتب “سردار تورغوت” أكد وجود تحضيرات من أجل عقد قمة ثلاثية بين ترامب وبوتين وأردوغان تركز على بحث التطورات في المنطقة.
إلى جانب ذلك، أشارت وسائل إعلام تركية إلى أن أردوغان سيحاول فهم الموقف الروسي النهائي من الانسحاب الأمريكي وإمكانية القبول بإقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمالي سوريا.
وقالت صحف تركية إن هناك خشية تركية من وجود توافق أمريكي روسي على إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد في شمالي سوريا وأن مقترح المنطقة الآمنة جاء لتهدئة مخاوف تركيا والتأكيد على أن المخطط المقترح يأخذ بعين الاعتبار الأمن القومي التركي.
وبالإضافة إلى كافة الحسابات السابقة، تضع تركيا في اعتباراتها ضرورة الحفاظ على مستوى متقدم من التنسيق والتعاون مع روسيا في سوريا خلال المرحلة المقبلة، وأن لا تنجر خلف الوعود الأمريكية، وذلك لسبب رئيسي يتعلق بخشية تركيا من عدم تنفيذ الوعود الأمريكية الأخيرة المتعلقة بالانسحاب وإقامة المنطقة الآمنة وهو ما قد يفجر الخلافات الأمريكية التركية مجدداً ويدفع أنقرة لمزيد من التعاون والتنسيق مع روسيا في سوريا.
المصدر: القدس العربي