إبراهيم درويش
تناول تقرير لمراسل صحيفة “الغارديان” مارتن شولوف عن وضعية اللاجئين السوريين في لبنان ومخاوفهم من العودة إلى بلادهم.
ويقول إن السوريين يعيشون في أوضاع بائسة بلبنان، ولكنهم مع ذلك لا يريدون العودة إلى ديارهم لأنها ليست آمنة. وقال في الثلج الذي يصل إلى حد الركبة والبرد القارص انتهى صلاح قرقور من تنظيف الطريق المؤدي الى الخيمة التي يعيش فيها مع عائلته منذ ستة أعوام. وفي داخل الخيمة يتجمع الكبار والصغار حول مدفأة. ويخرج دخان المدافئ من خيام عرسال. وعلى الحافة هناك الجبهة السورية والتي هربت منها عائلة قرقور وكل واحد في المخيم تقريبا. وتحولت حياتهم منذ هروبهم إلى معاناة مكانها الخيام والاعتماد على المساعدات وحسن نية الناس.
ومع اقتراب عاصفة وحشية جديدة يواجه السكان في المخيم وللأسبوع الثاني خيار البقاء فيه أو العودة إلى سوريا كما يحثهم الساسة اللبنانيين والسوريين على حد سواء. إلا أن الجميع تقريبا في المخيم قرروا البقاء حيث يعيشون ،لأن المخاطر التي تنتظرهم في سوريا أشد من برد المخيم وبؤس الحياة في عرسال ومناطق البقاع اللبناني. ويبلغ عدد المسجلين لدى المفوضية السامية للاجئين في لبنان حوالي مليون لاجئ ولم يختر منهم العودة الطوعية إلا 16.000 لاجئ في العام الماضي حسب إحصائيات الأمم المتحدة. ومن غادروا حصلوا على الموافقة من المسؤولين السوريين، وشجعهم على العودة المسؤولون في بيروت. والذين يقولون إن الأوضاع في بلادهم أصبحت مواتية وأن لبنان عانى طويلا بسبب وجودهم. ومع تراجع الحرب وقيام الروس والإيرانيين بالحفاظ على استقرار النظام، يحاول المسؤولون السوريون تقديم صورة عن الاستقرار في البلاد. وقدمت الكتل السياسية اللبنانية نفس الرسالة رغم البيانات المتكررة من الأمم المتحدة أن الشروط لم تتوفر بعد لعودة اللاجئين. ونقل الكاتب عن عارف الحمصي، من سكان مخيم عرسال قوله “لا أحد في دمشق، بيروت أو أي مكان في العالم يمكنه يضمن السلامة من الأسد”. وأضاف: “اللبنانيون الذي يتحدثون عن جنة هناك لديهم أسبابهم-إرضاء أسيادهم. وهذه أجندة إقليمية وليست لبنانية. ويواجه الذين يعودون السجن أو التجنيد. ولن يتصرف النظام بأدب بل وسينتقم”. ويعلق شولوف أن حالة الغموض حول ما سيحدث للاجئين السوريين في منطقة البقاع وما يحيط بدوافع الذين يدفعون بعودتهم يعني أن العالقين في مخيمات البقاع لا يفكرون بالعودة. وقد هرب الكثيرون من مناطق حدودية مثل القصير التي سيطر عليها حزب الله بداية عام 2013، ولا تزال معقلا للحزب فيما جاء آخرون من جبال القلمون والقرى الحدودية التي استخدمت لتهريب السلاح. وقالت فاطمة الصفدي” يملك حزب الله القصير”. وأشارت إلى سقف خيمتها في عرسال قائلة “هذا السقف انهار تحت ثقل الثلج الأسبوع الماضي” أما “بيتنا في القصير فقد انهار بسبب القنابل”. ويواجه اللاجئون في تركيا والأردن حيث يعيش في البلدين 4.1 مليون نسمة ضغوطا للعودة. وكان الأتراك قد رحبوا باللاجئين في البداية إلا أن الكثيرين منهم يشعرون أنهم أصبحوا ضيوفا ثقلاء. ويصدر الأردن الذي كان مركزا لدفع الأسد على الخروج من السلطة أصواتا تدعو الآن للمصالحة. وأعلنت الإمارات العربية المتحدة الشهر الماضي عن استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح سفاراتها في دمشق وتبعتها دولة البحرين. ومارس المسؤولون الإماراتيون الضغوط على الدول العربية الأخرى لفتح السفارات وإعادة سوريا إلى الجامعة العربية. ويرى شولوف أن دفعة بهذا الاتجاه والسخط في موضوع اللاجئين ستفشل.
ويشير إلى القمة العربية في بيروت التي لم يحضرها نهاية الأسبوع سوى الرئيس الموريتاني وأمير قطر الذي لم يبق سوى ساعتين. وتقول مي السعدني، المديرة القانونية في معهد التحرير للشرق الأوسط بواشنطن أن دعوة الحكومة اللبنانية لعودة اللاجئين السوريين تحدث وسط حركة دولية واسعة تقوم من خلالها الدول وبشكل متزايد بإنهاء برامج حماية اللاجئين وتدعوهم للعودة إلى أوطانهم. وتقول إنها تأتي وسط دعوات لإعادة تأهيل النظام السوري المستعد لاستقباله مواطنيه. إلا أن هذه التحركات لن تتقدم من الناحية القانونية والسياسية والاجتماعية بسبب الحقائق على الأرض. وقالت إن “نظام الأسد أظهر أنه ليس مستعدا أو جاهزا للترحيب بعودة السوريين إلى بيوتهم كما هو واضح من اتفاقيات المصالحة التي يواصل انتهاكها. كما أن سياسات مكافحة الإرهاب التي تواصل السلطات تطبيقها وتحرم المواطنين من بيوتهم وممتلكاتهم، الأسد يتصرف ويتحدث بطريقة من لا يخاف العقاب”. وقالت إن هناك تقارير تظهر بشكل مستمر تعرض السوريين الذين عارضوا النظام وعادوا لتحقيقات وتهديدات واعتقالات تعسفية على نقاط التفتيش ، وفي بعض الحالات التعذيب والموت”. وفي عرسال يفضل فريد قرقور التركيز على ما يواجهه في المخيم لا سوريا ، حيث قال إنه وعائلته التي هربت من بلدة “فليطة” يعيشون في عرسال منذ خمسة أعوام. مشيرا إلى أن شتاء هذا العام هو الأصعب. وتحدث عن المصاعب التي تواجههم “ليس لدينا عمل أو إذن إقامة وسحبت الأمم المتحدة بطاقة الدعم ونستطيع توفير الطعام والوقود والعناية الصحية ولكننا ندفع أجرة الخيمة لمالك الأرض. وليست لدينا المواد الأساسية”. ويضيف: “عندما وصلنا إلى هنا كان الوضع صعبا فلم نكن نعرف أحدا، وهذا ليس بلدنا ولم نكن نعرف السوريين الذين يعيشون حولنا. ونحب العودة إلى بيتنا ولكن لم يعد هناك بيت ولا نملك المال والوسيلة لإعادة بنائه”.
ويقول بول دونهو من “لجنة الإنقاذ الدولية” “يتعرض بعض اللاجئين للضغوط كي يعودوا وبدأوا بالقول صراحة أن الحياة باتت صعبة ومن الأحسن العودة إلى سوريا ،إلا أن الكثيرين يقولون إن سوريا ليست آمنة بعد. ويفضلون تحمل الظروف القاسية التي لا تحتمل بدلا من المخاطرة وتعريض عائلاتهم للخطر”. وفي وادي عرسال قال عبد الحكيم الشقبي من بلدة “القصير” إنه لا يملك مالا ومدين لصاحب البقالة بمئة دولار. وهدده صاحبها بأنه لن يعطيه الخبز “فكيف أعود إلى بلدتي بدون مال. ولا أعتقد أنهم سيسمحون لي بالعودة. وحاولت عائلة سنية العودة فحرقوا بيتها وطردوها”. ويضيف “يحاول الجيش اللبناني اللعب بنا، فقبل اسبوع هاجموا الخيام وقيدوا الرجال بدون سبب. ونشعر أننا غير مرغوبين هنا وفي بلدتنا”.
المصدر: القدس العربي