تحوّل مقتل رجل تجاوز حاجزاً أمنياً لمليشيا “قوات سوريا الديموقراطية”، ظهر الأربعاء، في بلدة المنصورة من محافظة الرقة، إلى شرارة أشعلتْ انتفاضة اقتحم على أثرها الأهالي مقرات المليشيا في البلدة وأحرقوا سيارات فيها، بحسب مراسل “المدن” خليل عساف.
وأضرم الناس النار في محارس ومقار ودوريات على أطراف البلدة الجنوبية والشرقية. وأغلق الجمع الغاضب أوتوستراد حلب-الرقة-ديرالزور الذي يمر من البلدة.
عناصر “قسد” هربوا من البلدة أمام المنتفضين. ووصلت بعد ساعات قليلة مؤازرة مسلحة من “قسد” من مدينة الطبقة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وبدأت إطلاق النيران حال وصولها، بغية إعادة سلطتها على البلدة. وأعلنت “قسد” حظراً كلياً للتجوال في البلدة، لمدة 72 ساعة.
وبحسب رواية سكان البلدة، فالقتيل زبن حامد الزبن، في عقده الخامس، تجاوز بدراجته النارية من دون انتباه، حاجزاً أمنياً، غير ثابت، لدورية مكلفة بسوق الشبان إلى معسكرات التجنيد الإجباري، فأطلق عناصر الدورية النار عليه وأردوه في الحال.
ويأتي هذا الحادث في سياق تزايد وتسارع حملات التجنيد الإلزامي في مناطق سيطرة “قسد”. واعتقلت شرطة “قسد” العسكرية، قبل يومين العشرات في مدينة الطبقة وريفها ونقلتهم إلى مراكز احتجاز مؤقتة، بغية تحويلهم لاحقاً إلى معسكرات التدريب. ونشبت مشاجرة بين شبان رافضين للخدمة الإجبارية في صفوف “قسد”، ودورية من شرطتها العسكرية، في دوار العجراوي بمدينة الطبقة، فأطلقت الدورية النار في الهواء لتفريق الشبان الذين كانوا يحاولون تخليص زملاء لهم من الاعتقال.
“قوى الأمن الداخلي” التابعة لـ”قسد”، أصدرت، الخميس، بياناً ذكرت فيه رواية مطابقة لرواية السكان المحليين، لكنها أضافت أن الحادثة “هيأت بعض الخلايا الموجودة في المنطقة إلى التحرك وإشعال نار الفتنة وإثارة الشغب والفوضى لإضعاف ثقة أبناء الشعب بالإدارة المدنية والقوات الأمنية والعسكرية”. وختمت بيانها بثلاثة نقاط توضح سلوكها المقبل لحفظ “أمن واستقرار المنطقة”: “ستقوم قواتنا الأمنية والعسكرية بالتدخل بشكل مباشر بحق كل من يخالف القوانين والأنظمة ويستهدف زعزعة أمن المنطقة”، و”فرض حظر التجوال على المنطقة لمدة 72 ساعة” تبدأ صباح الخميس، و”نطلب من أبناء الشعب التعاون لفرض الأمن والاستقرار”.
وتأتي أحداث المنصورة في سياق تعقد الأوضاع المحلية، وتحفز الأطراف الداخلية لملء فراغ محتمل قد يُحدثه انسحاب متوقع للقوات الأميركية من منطقة الجزيرة السورية. وتُشكّلُ بلدة المنصورة حالة فريدة، بحكم موقعها الجغرافي الواقع بين الرقة والطبقة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، إذ تتوسط الفضاء الجغرافي الوحيد الذي تُسيطر عليه مليشيا “قسد” جنوبي نهر الفرات والمحيط بمطار الطبقة العسكري وسد الفرات.
وتُمثل المنصورة مركزاً إدارياً “ناحية”، للأرياف الجنوبية في البادية السورية، ومركزاً بشرياً لتجمع عشيرة البوخميس، التي تمتد مناطق سكناها نحو الجنوب في مناطق سيطرة النظام. هذا التوزع البشري يمكن أن يُصعب الأمور على “قسد” لو ذهبت الأمور إلى مزيد من التصعيد، وفيما لو أراد النظام وحلفاؤه الاستثمار في الأوضاع الأمنية في المنطقة باستخدام سكانها الغاضبين.
وكان صدام مشابه قد وقع مع مليشيا “قسد”، في آذار/مارس 2018، إثر اعتقالها شيخ عشيرة البوخميس بشير حمدان الهمشر، وأحد أبنائه لساعات، إثر تهديده بطرد المليشيا من المنصورة إذا استمرت باعتقال شابين بغية سوقهم إلى التجنيد الإجباري. وأغلق السكان حينها الأوتستراد بالإطارات المشتعلة، واشتبكوا بالأيدي مع عناصر “قسد” قبل أن يتدخل وجهاء المنطقة لإنهاء حالة الاحتقان وإطلاق سراح الهمشر.
المصدر: المدن