آرون دیفید میلر؛ وریتشارد سوكولسكي
ترجمة: علاء الدین أبو زینة
یُظهر ما ذكرته التقاریر مؤخراً عن هجوم ”داعش“ الانتحاري الذي أودى بحیاة أربعة أمیركیین بوضوح أن تنظیم ”الدولة الإسلامیة“، على النقیض من مزاعم الرئیس ترامب ومسؤولي الإدارة الأمیركیین، ما یزال بعیداً كل البعد عن الهزیمة. كما دفع الهجوم العدیدین في الكونغرس ومجتمع السیاسة الخارجیة الأمیركیین إلى التعبیر عن الغضب ودعوة الرئیس إلى التراجع عن قراره سحب القوات الأمیركیة من سوریة. وهم یضغطون على الإدارة لكي تبقى في البلد إلى أن یتم سحق ”داعش“ تماماً وإلى الأبد.
لكن هذا سیكون خطأ. وقرار مغادرة سوریة هو القرار الصحیح، وینبغي أن یتم الانسحاب بطریقة آمنة، منظمة ومنسقة. وسیكون ترك 2000 جندي هناك من دون أهداف واضحة ومتماسكة وفي غیاب الوسائل لتحقیق هذه الأهداف، وصفة للمتاعب المتواصلة – والمزید من الخسائر الأمیركیة غیر الضروریة.
مع الصخب والغضب اللذین رافقا رد الفعل السیاسي في واشنطن، ربما یظن المرء أن قرار ترامب الانسحاب من سوریة یشبه استرضاء رئیس الوزراء، نیفیل تشامبرلین، لألمانیا النازیة. وقد وصف السیناتور ماركو روبیو الانسحاب بأنه ”غلطة كبیرة“ والتي ”ستطارد الإدارة“. وقال السیناتور بن ساس إن جنرالات ترامب ”یعتقدون بأن المنتصرین الرئیسیین الیوم هم إیران، و’داعش‘ وحزب الله“. وربط السیناتور لیندسي غراهام قرار ترامب بهجوم ”داعش“ الانتحاري في الأسبوع الماضي. وكل هؤلاء الرجال الثلاثة في الكونغرس هم أعضاء في حزب الرئیس، الجمهوري. وقد اتهم كل شخص في مؤسسة السیاسة الخارجیة تقریباً الرئیس بخیانة الأكراد الذین كانوا یضطلعون بمعظم القتال ضد ”داعش“.
هناك بالتأكید مخاطر من مغادرة سوریة، لكن هناك مخاطر أكبر منها بكثیر تترتب على البقاء هناك. وهو صحیح بشكل خاص إذا لم یكن بوسع الولایات المتحدة أن تحقق الأهداف التي عبرت عنها علناً، وإذا واصلت روسیا وإیران والرئیس السوري بشار الأسد المضي قدماً. ومن المفارقات أن البقاء في سوریة في ظل هذه الظروف یمكن أن یجعل أمیركا تبدو ضعیفة أیضاً.
الولایات المتحدة لا تستطیع أن تهزم ”داعش“
تتحدث إدارة ترامب -مثل سابقتها- بشكل فضفاض عن هزیمة أو تدمیر ”داعش“. وعن طریق تكثیف الحملة التي بدأتها إدارة أوباما ضد التنظیم، تمكنت إدارة ترامب فعلاً من قطع رأس شبه الدولة الإرهابیة التي تعتبر نفسها خلافة، تاركة إیاها مع أقل من 1 في المائة من الأراضي التي سیطرت علیها ذات یوم في العراق وسوریة. لكن ”داعش“ لیس ألمانیا أو الیابان؛ حیث كسرت الولایات المتحدة وحلفاؤها إرادة القتال عند تلك الأنظمة، ودمروا كل قدرتها على خوض الحرب، ومحوا أیدیولوجیات الدولة الفاشیة لدیها وساعدوا على إعادة تشكیل بیئة جدیدة لدولتین دیمقراطیتین. وسوف تكون محاولة تحقیق الولایات المتحدة هذا الهدف في سوریة مهمة مستحیلة. وفي الحقیقة لا تستطیع سوى سوریة فقط أن تهزم ”داعش“ والجماعات المرتبطة بالقاعدة التي تغذي المظالم الطائفیة، والتخلص من الفساد والحكم الرديء اللذین یمكنان الجهادیین. وسوف یتطلب ذلك دولة سوریة جدیدة، والتي یبدو إنتاجها بوضوح خارج قدرة الولایات المتحدة، خاصة بینما یواصل نظام الأسد العلوي وداعمیه الإیراني والروسي استبعاد العرب السنة. وتظل هزیمة ”داعش“ إلى حد كبیر قضیة سیاسیة تتعلق بالحكم. وبذلك، یبدو إبقاء القوات الأمیركیة في سوریة مع توقع سحق تمرد ”داعش“ غیر منطقي.
دعم القوات الكردیة في سوریة یعني المتاعب
لیست أجندة القوات الكردیة في شمال شرق سوریة – الذي تسیطر علیه قوات وحدات حمایة الشعب- خافیة على أحد: إنهم یریدون تأسیس جیب محكوم ذاتیاً حیث یمكن أن یدیروا شؤونهم من دون تدخل خارجي. ویضعهم هذا التطلع في مواجهة الحكومة التركیة التي تنظر إلى القوات الكردیة في سوریة على أنها حلفاء وثیقون لحركة كردیة انفصالیة في تركیا، وتعتبر كلیهما منظمات إرهابیة؛ وفي مواجهة نظام الأسد، الذي یسعى إلى إعادة بسط سیطرته على المناطق الغنیة بالموارد تحت السیطرة الكردیة؛ وإیران، التي تواجه هي أیضاً انفصالیین أكراداً في الوطن وتخشى أن یشجع استقلال كردي في سوریة المجاورة هذه القوى على السعي إلى الاستقلال هي أیضاً.
كانت العلاقة بین القوات الأمیركیة والقوات الكردیة في شمال شرق سوریة دائماً مجرد زواج مصلحة تكتیكي. لم یكن لدى أمیركا شركاء آخرون یمكن الاعتماد علیهم لتدمیر ”داعش“ واستخدمت المقاتلین الأكراد لهذا الغرض. وكان الأكراد یستخدمون الجیش والدبلوماسیة الأمیركیین لتقویة قدراتهم للدفاع عن النفس ضد أعدائهم وكسب المیزة على نظام الأسد لتأمین موقف أكثر تفضیلاً. ولم تلتزم الولایات المتحدة أبداً بمساعدة الأكراد على تأسیس منطقة حكم ذاتي في شمال شرق سوریة. وتتكون هذه المنطقة المتنازع علیها من خلیط مربك من السوریین والأتراك والإیرانیین والقبائل العربیة المحلیة وبقایا ”داعش“. وكلما أطالت الولایات المتحدة أمد تعاونها العسكري مع الأكراد، زاد خطر امتصاص القوات الأمیركیة إلى دوامة هذه العداوات، واحتمال اشتباكها مع الدولة الحلیفة في الناتو، تركیا.
لا نستطیع التنافس مع روسیا وإیران
یحب الجیش الأمیركي أن یتحدث عن تشكیل میدان المعركة لتحقیق انتصار. ومع ذلك، لیس میدان المعركة السوري مستویاً على الإطلاق. فالولایات المتحدة تفتقر إلى المصلحة، والإرادة، والقدرة والعزیمة لتضع نفسها في وضع التساوي مع روسیا وإیران، مع التزام أمیركي رئیسي بتخصیص الأصول العسكریة والموارد الاقتصادیة. ویعني مستقبل سوریة لهذین البلدین الآخرین أكثر بكثیر مما یعنیه للولایات المتحدة. ولدى كلیهما حلفاء رئیسیون وأصول على الأرض، والتي تتفوق على ما یمكن أن تنشره الولایات المتحدة هناك، كما أن موسكو وطهران مستعدتان لدفع كلف أعلى لتحقیق النتائج التي تفضلانها. ویعطیهما نفوذهما، ومصالحهما، وعلاقاتهما الممتدة لعقود مع عائلة الأسد المیزة في اللعبة. أضف إلى ذلك تركیا، التي تتقاسم حدوداً طویلة متصلة مع سوریة ومصلحة وجودیة في السیطرة على الأكراد. وبذلك، یمكن أن یرى المرء بوضوح السبب في كون واشنطن الشریك الأصغر في لعبة النفوذ في سوریة
سوریة لیست مصلحة حیویة لأمیركا
ثمة حقیقة واضحة بعد إجراء مسح لحطام عقد من سیاسة الولایات المتحدة في سوریة. لم تر إدارتا أوباما وترامب، والكونغرس والجمهور الأمیركي – خاصة في أعقاب الحروب التي لا تنتهي في العراق وأفغانستان- أن من المناسب رفع سوریة إلى مستوى المصلحة القومیة الحیویة التي تستحق بذل الأرواح والموارد التي تتناسب مع هذا النوع من الالتزام، بالتساوي مع روسیا وإیران.
في مواجهة كارثة إنسانیة وأمنیة قویة مثل الحرب السوریة التي تنزف اللاجئین والإرهابیین، لم یكن في وسع واشنطن أن تجلس ساكنة، ولذلك تبنت نصف إجراءات، والتي تجاوزت قدرتها على النجاح. وشملت هذه الإجراءات تقدیم المساعدات الإنسانیة، وتوفیر الدعم لعملیة سیاسیة تقودها الأمم المتحدة، ونشر متواضع للجنود والضربات الجویة وبالطائرات من دون طیار، والتبجح أیضاً -من قبیل: ”الأسد یجب أن یذهب“، ”طرد آخر عسكري إیراني“، و“داعش سوف یهزم“. من دون أي دعم سیاسي في الوطن، ومع تفوق إیران وروسیا علیها في المناورة، وعدم وجود إرادة حقیقیة لتقدیم التزام كبیر، كانت لواشنطن فرصة صغیرة لتغییر المیزان في السیاسة أو میدان المعركة. وما بدا أنه أشرق أخیراً على إدارة ترامب التي تكره المخاطرة من الأساس هو الإدراك المؤلم -وإنما الضروري- لحقیقة أن معیار النجاح في سوریة لم یكن أبداً ما إذا كنا نستطیع أن نفوز، وإنما متى یمكننا أن نغادر.
المصدر: الغد الأردنية / (إن. بي. آر)