أحمد مظهر سعدو
في تصريحات أخيرة لبعض فصائل (شريان الكرامة) في السويداء تمت الاشارة إلى أنهم ” لا يحملون فكرًا إقصائيًا تجاه النظام أو المعارضة، وليسوا بديلًا عن الدولة في الأمور الاقتصادية والخدمية وتأمين مستلزمات المعيشة للسكان. وأعرب البعض منهم عن “عدم ثقتهم بأي طرف سياسي”، و”احترامهم لتطلعات الشعب السوري بكافة أطيافه” وأنهم لا يحملون أي رؤيا شاملة وواضحة لمستقبل المحافظة” مؤكدين أن ” السويداء جزء لا يتجزأ من سورية”. ويرى مراقبون أن (رجال الكرامة) أو البعض منهم على الأقل أصبحوا يهادنون النظام في الآونة الأخيرة.
لذلك كان لابد من استطلاع رأي المثقف والكتاب والسياسيين في السويداء كيف يرون مثل هذه التصريحات؟ وهل يعني ذلك تراجعًا ما في حركة ورؤية رجال الكرامة في موقفهم السابق الحازم تجاه النظام، أيام الشهيد الشيخ وحيد البلعوس؟ أم أن هناك ضغوطًا يتعرضون لها ليس إلا؟ وإلى أين تذهب حركتهم وفق الأجواء السائدة في السويداء حاليًا؟
الباحث السوري بيان الحجار وابن السويداء قال لجيرون ” الفصيل الرئيسي في رجال الكرامة أعرفه جيدًا، والمسؤول فيه قريبي (الشيخ أبو حسن يحيى الحجار) وألتقي به دومًا بشكل شخصي، أو مع مجلس الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني، وما سمعناه منه ونحن متأكدون من ذلك، هو أنهم غير محسوبين على النظام، بل يعتبرونه أصل البلاء والمسؤول الرئيسي عما حصل لسورية. ولكن ليس لديهم خطط لمقاتلته، إلا إذا اعتدى عليهم أو على المواطنين وخاصة المطلوبين للخدمة العسكرية الالزامية أو الاحتياطية، ويرفضون الالتحاق بها
بالفعل”. وتابع يقول ” هم يقولون بوحدة سورية أرضًا وشعبًا، وهم مع الحل الوطني الذي يؤدي لقيام دولة عادلة، تبسط سيطرتها بالقانون على جميع أراضي الوطن، وهم يرفضون تصنيفهم ضمن صفوف المعارضة أو الموالاة، مع العلم إن علاقتهم بشخصيات المعارضة جيدة بهدف التشاور في الأمور التي تهم المحافظة والوطن، وهم حركة محلية هدفها كما يقولون الحفاظ على العرض والأرض وكرامة المواطن، وقد التزموا بذلك وقدموا عددًا كبيرًا من الشهداء، خاصة عندما هاجمت داعش المحافظة في تموز من العام الماضي، وفعلاً هم لا يملكون القدرة أو الكادر المختص لتوفير أيًا من الخدمات للمواطنين”. وقد شدد الحجار على أنهم ” لقد لعبوا دورًا ايجابيًا وجيدًا، فهم ضد الخطف والفدية المالية، ورفضوا لعب دور الوسيط في ذلك، كما رفضوا دعوة النظام لهم بالمساهمة بالهجوم على درعا، وشعارهم لن نقاتل أبناء شعبنا خارج المحافظة ولا داخلها، بل نتصدى لمن يعتدي على المحافظة، وقد زار الشيخ يحي الحجار في قريتي وفدين من الضباط الروس، ووفود من ضباط النظام وطالبوا بتسليم السلاح أو الانضمام للفيلق الخامس، وعدم الوقوف مع من يرفضون الذهاب للخدمة العسكرية، وقد تم رفض طلباتهم بحدة. حتى إن الضابط الروسي وصفهم بالجلفاء وغير اللبقين، ولا يجيدون الدبلوماسية والتفاوض.
والخلاصة هم فصيل محلي، ولكن ليس له تطلعات طائفية بل هو مع وحدة الوطن وبناء دولته العادلة ولا يقومون بأي من الأفعال الخارجة على العرف والقانون ويفصلون من صفوفهم من يتورط بذلك وليس لديهم برنامج وطني شامل، وفي ذلك يقولون بصراحة لا تحملونا أكثر مما نستطيع ونترك ذلك للسياسيين”.
أما مروان حمزة رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان فرع سورية فأكد لجيرون ” رجال الكرامة والذي يمثلهم الشيخ أبو حسن يحيى الحجار. هم الفصيل الأكبر والأكثر تنظيمًا من كل الفصائل الموجودة في المحافظة. فقد سمعت له تصريحًا شخصيًا منذ فترة قصيرة بأنهم لن يهادنوا النظام ولن يقبل قائدهم أن يكون أحمد العودة الحوراني. وقد سبق أن بحث هذا الأمر من قبل أكثر من شخصية روسية قَدِمت لمضافة قائد رجال الكرامة للتفاوض بهذا الشأن”. وأضاف حمزة ” كلامهم دائمًا: سلاحنا يعادل أرواحنا ولن يفارقنا أبدًا ونحن تعهدنا بأننا سنكون حماة الأرض والعرض وهذا الأمر لا نساوم عليه طالما نحن أحياء. وهم يؤكدون في أحاديثهم بأنهم ليسوا طرفًا في الصراع الناشئ في سورية. ويقولون (نحن لا موالاة ولا معارضة. ولكننا ضد الفساد والفاسدين وضد الظلم والظالمين.) وسألناهم عن موقفهم إذا أقام النظام حواجز عسكرية له من جديد في المحافظة. بعد أن كثرت جرائم الخطف وسرقة السيارات وخطف الأشخاص بوضح النهار. وكان جوابهم واضحًا (نحن لن نمانع ذلك ونرحب به إذا كان فعلًا من أجل القبض على اللصوص وعصابات الخطف. أما أن يتحول عمل هذه الحواجز لإلقاء القبض على الآمنين بحجج شتى، أو سوق الشباب عنوة للخدمة الالزامية أو الاحتياط فعند ذلك سنتدخل لمنع ذلك إذا تم ابلاغنا بالأمر من قبل أهل الشاب الذي تم رفعه عن هذه الحواجز.”
الكاتب الصحفي السوري حافظ قرقوط أكد لجيرون أن ” المعلومات التي يتم تداولها حول فصائل رجال الكرامة وتقاربهم من النظام، هي معلومات للتشكيك بتلك الفصائل، فالتشكيلات التي ظهرت في محافظة السويداء تحت اسم مشايخ الكرامة وما تفرع عنها لاحقًا، ما زالت تحافظ على النهج الذي اتبعته، وهو عدم الاعتداء على أحد وعدم السماح لأحد بالاعتداء على المحافظة بكل ما فيها، وهذا رأيناه بتصديها لتنظيم داعش/ الأسد وتقديمها العديد من الشهداء في وقت كان النظام وأتباعه خارج المواجهة بل جزء من التآمر على المحافظة. ولا يوجد أي تقارب مع النظام من قبل تلك الفصائل بكافة مسمياتها، وقد أعلنت أنها لن تسمح باقتياد شباب المحافظة إلى حرب النظام على الشعب السوري، ولا توجد أي صفقات من بعض الفصائل، وكلها عبارة عن تشويش ممنهج من قبل آلة النظام الإعلامية بما فيها ما يكتب في بعض المواقع الذي ظاهره عداء للنظام وباطنه إيقاد الفتنة داخل المحافظة وبين تلك الفصائل، وأيضًا التشكيك بشعبيتها.”. وأضاف قرقوط ” تلك الفصائل لم تعلن حربًا على النظام ولا على غيره وهي موجودة للدفاع عن النفس فقط، ولم تعلن مشروعًا سياسيًا أو غيره يخص محافظة السويداء، وهي تؤكد دائمًا أن المحافظة جزء من سورية الموحدة، وترى أن النظام وحليفه الإيراني يشنون حربًا طائفية على الشعب السوري ولا تريد أن ينخرط أبناء المحافظة ذات الأغلبية الدرزية بتلك الحرب وما زالت على هذا النهج. وما أزعج النظام أن تلك الفصائل المحلية في السويداء لم تشكل إمارات ولا محاكم شرعية أو دينية للتحكم بالناس وبطرق حياتهم، بل تركت الحياة المدنية كما هي ولم تنشئ حتى حواجز للابتزاز والإهانة للمواطنين، وهذا ما ميزها بعد أن سيطرت على أغلب مناطق المحافظة، بل حمت مؤسسات الدولة في أوقات الفوضى بعد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، ولم تتدخل بعمل أي منشأة وتركتها لتحافظ على الدولة، فكانت خصومتها مع الأمن وأفرعه وما ينضوي تحته بمنع اعتدائهم على أبناء المحافظة أو إنشاء حواجز للتسلط على الناس، كل ذلك أبعد شبهة الإرهاب عنها وهذا ما أزعج النظام وإيران من خلفه، وستبقى المحافظة بحالة ترقب كون النظام يعمل بطريقة العصابة الإرهابية ولا يمكن التكهن بعقل العصابة وقراراتها، لكن كافة المكونات في المحافظة حتى القريبة من النظام رفضت تسليم أسلحتها له لعدم ثقتها به.
أما الكاتبة السورية مانيا الخطيب فقالت ” كانت مشاركة السويداء نخبوية منذ أول لحظة انطلقت فيها ثورة الكرامة السورية في آذار 2011 ولكن بعد الاستعمال المفرط للعنف الذي اتبعه نظام الأسد، وسياسة الفلتان الأمني التي أدت إلى دخول قوى غريبة عن جوهر الثورة إلى الساحة السورية، بالإضافة إلى تكتيكات الأزمات المرافقة للحرب ومنها الحصار المعيشي الخانق الذي بليت فيه أكثر من غيرها المناطق التي لا زالت واقعة تحت سيطرة نظام الأسد، نَحَت محافظة السويداء باتجاه تحولها إلى ملاذ آمن لأهالي المناطق المجاورة لها وتقديم أقصى ما يمكن تقديمه من أجلهم ضمن إمكانياتها المحدودة في جغرافيتها الوعرة والقاسية. الفكرة نفسها تكررت عبر تاريخ كل المناطق التي سكنت بها طائفة الموحدين الدروز في كل منطقة الشرق الأوسط، إذ أن الامكانيات العددية، وثقافة الدفاع عن النفس، والحفاظ على الوجود هي التي تحكم هذه الأقلية الصغيرة من البشر التي تدفعها فلسفة البقاء إلى حلول براغماتية، مع محاولات قصوى لعدم التقصير مع شركاء الوطن، إذ أنه يدخل في صميم المعتقد التوحيدي نبذ العنف. اللحظة المفصلية في محافظة السويداء بعد اغتيال المرحوم شيخ الكرامة أبو فهد وحيد البلعوس من قبل طغمة الإجرام وما تبعها من إعادة ترتيب الساحة بعد غيابه المفجع، والذي كان السبب الرئيسي فيه هو حمايته للمتخلفين عن الالتحاق بجيش الأسد لأنه لا ناقة لنا ولا بعير في هذه الحرب القذرة على حد تعبيرهم.” وأضافت الخطيب ” شريان الكرامة مجموعة فصائل تابعة لقوات شيخ الكرامة التي يتزعمها أبناء الشيخ الشهيد أبو فهد وحيد البلعوس، وهذا التيار يعارك في هذه الساحة الوعرة والتي لم تعد بالضرورة تسمح لأحد بأن لا يسلك ما تتطلبه الساحة من تحديات طاحنة. هذا التيار هو تيار آخر غير تيار رجال الكرامة التابع للشيخ أبو حسن يحيى الحجار. كلاهما يحملان نفس العقلية الدفاعية عن الأرض والعرض، وكلاهما مضطران للرضوخ لسياسة الأمر الواقع ضمن الضغوط الهائلة التي يتعرضون لها، وخصوصًا تلك التي تُمارَس عليهم من قبل الجنرالات الروس العاملة في المنطقة، إذ أن المطلوب منهم هو رفع الحصانة عن المتخلفين عن الجيش وإلا فإن ما ينتظرهم هو مجزرة جديدة على غرار مسرحية داعش التي حصلت في 25 تموز/ يوليو 2018 والتي أودت في ليلة واحدة بمئات الأبرياء. ومن المحتمل أيضًا (بما أن العامود الفقري لسياسة نظام الأسد ضرب الناس ببعضها وإثارة الفتن والاقتتال الداخلي) أن يحمل هذا الوجود لتيارين لنشوب خلاف مستقبلي قد يؤدي لصدام داخل الطائفة بعد عجز النظام بكل محاولاته لشق المحافظة. تذهب الأمور باتجاه واحد لا غير هو حتمية ترميم الجهود والتعاون، وإعلاء صوت واحد هو صوت المواطنة السورية التي تسعى لخير كل سوري في هذا البلد، هذه هي الضمانة الوحيدة التي لا بديل عنها، وأنا أعتقد بأن الجميع معني تمامًا بهذا الشيء، لأن البديل هو الانتحار لصالح طغمة لا ترى في الشعب إلا مشاريع موت مطبق”.
المصدر: جيرون