منهل باريش
أبلغت أنقرة قيادة “الجبهة الوطنية للتحرير” أن ترد على قصف مدفعية النظام المستمر منذ شهر على مدن وبلدات ريف إدلب الشرقي، حسب ما أفاد مصدر في “الجبهة الوطنية” وأن أنقرة أخبرت الفصائل بالاستعداد لارتفاع حملة القصف والتحسب للأسوأ، مشيرة إلى أنها تبذل جهدها مع روسيا لوقف الهجوم.
وزاد المصدر أن المسؤولين الأتراك طمئنوا قادة “الوطنية للتحرير” من ناحية بدء عملية عسكرية برية للنظام ما دامت نقاط المراقبة التركية الـ12 موجودة في إدلب.
وعلمت “القدس العربي” أن تركيا وجهت تحذيراً إلى كل من موسكو وطهران بخصوص إدلب، هددت خلاله بانسحابها من مسار أستانة بشكل نهائي وأنها ستراجع قراراتها بخصوص عدد من الاتفاقيات بينها وبين الدولتين في حال عدم حفاظهما على اتفاق إدلب. وهو ما سيطيح بالمسار الذي بدأته تركيا مطلع عام 2017 مع روسيا وإيران على حساب مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة.
وجاء الضوء الأخضر التركي بعد فشل موسكو وطهران إلزام النظام وقف خروقاته لاتفاق سوتشي الذي أبرم بين تركيا وروسيا في 17 أيلول/سبتمبر الماضي.
وبعد أسبوعين على بدء التصعيد العسكري وخرق اتفاق سوتشي في 9 شباط/فبراير والقصف الصاروخي براجمات الصواريخ ومدافع الميدان، دخل الطيران الحربي بنوعيه الميغ و”الحربي الرشاش” (طائرة تدريبة تشيكية نوع L-39) بتاريخ 24 من الشهر الماضي على خط التصعيد، وتركز قصفه لمحور طريق حلب – دمشق الدولي “m5” وتحديدا على المدن الرئيسية عليه وهي خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب. وارتفع عدد الضحايا المدنيين بشكل كبير في مدينة خان شيخون التي قصفت بمئات القذائف الصاروخية والغارات الجوية من الطيران الحربي. وقال زياد العبود قائد الدفاع المدني في خان شيخون: “أدى القصف إلى نزوح أعداد كبيرة من المدنيين، وأوقع نحو 48 شهيدا في المدينة وحدها وعشرات الجرحى”.
عمليا، يبدو أن تركيا والمعارضة بدأت تحصد النتائج السلبية لتأخر تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق سوتشي، وخصوصا البند الثامن من نص الاتفاق (استئناف السير والعبور على الطرق أم 4 التي تربط حلب باللاذقية، وأم 5 التي تربط حلب بحماه قبل نهاية العام 2018( وهو كان أحد أهداف الاتفاق الرئيسية من وجهة النظر الروسية. وأصبح من المعروف للجميع أن “تحرير الشام” جاهزة لفتح الطريق وتأمينه إلا أن المشكلة الكبرى أصبحت اليوم في تنظيم “حراس الدين”.
وبرز في الأيام الأخيرة نقاش حول البند المغفل من نص الاتفاق، وهو البند السابع والذي فرضته موسكو على أنقرة في العرض الذي قدمه الرئيس التركي اردوغان لبوتين (ستقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية التابعة لقوات الاتحاد الروسي بدوريات منسقة وبعمليات الرصد مع الطائرات بدون طيار على طول حدود المنطقة المنزوعة السلاح بهدف ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع واستعادة العلاقات التجارية والاقتصادية) والذي حاولت أنقرة تأجيله تكرارا ومراراً، وأخبرت قادة الفصائل انه لن يطبق في اجتماعاتها في الريحانية وأنقرة التي جرت نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2018.
إلا أن موافقة أنقرة على تسييرها دوريات مشتركة مع الشرطة العسكرية الروسية داخل المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل (منطقة العشرين كم) سيحسب لها بكل تأكيد وربما يدفع إلى ضخ الحياة مجددا في اتفاق سوتشي.
وتبقى المسألة الأمنية هي ما يحول دون تنفيذ بند تسيير الدوريات، فهي بحاجة إلى حماية كبيرة من فصائل المعارضة تمنع استهداف الشرطة العسكرية الروسية من قبل الفصائل الراديكالية التي تمانع الاتفاق وعلى رأسها “حراس الدين” وجبهة “أنصار الدين” و”جماعة أنصار التوحيد” أو جماعة “أنصار الإسلام” وهو ما يعني عمليا ان تتحول فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” إلى كتائب حراسة لعدوها الروسي، وهو ما لا يمكن قبوله بطبيعة الحال أو الموافقة عليه. وهذا ما سيدفع إلى تقديم مقترحات كإدخال الشرطة العسكرية من البلدان الإسلامية الموالية لموسكو دون رفع العلم الروسي وهو ما يمكن أن يلاقي قبولا لدى بعض رافضي الفكرة.
ان الإسراع في فتح الطرق الدولية “m5 و m4” سيخفف بكل تأكيد من تعقيدات الوضع في شمال غرب سوريا، وهو الخيار الوحيد لتخفيف المعاناة الحاصلة في ريف حماة الشمالي والشرقي وكامل المنطقة شرق طريق حلب – دمشق.
من الواضح أن الوضع في إدلب قد انتقل إلى مرحلة جديدة هي مرحلة التسخين الدائم من خلال القصف المستمر لقوات النظام وطيرانه الحربي، وبالتالي رد فصائل المعارضة على أماكن إطلاق النيران في كل مكان ويرجح ان يستمر الحال على ما هو عليه إلى أجل ليس ببعيد.
ومن الآن فصاعدا على السوريين في إدلب التنبه أن حالة التسخين هذه مستمرة من قبل النظام وبرضى روسي وإيراني وعجز تركي. وأن المعادلة باقية على ما هي عليه. وتضمن تركيا عدم حصول اجتياح بري وهذا ما كررته سابقا لقادة الفصائل، وأخبر قادة نقاط المراقبة التركية للوجهاء والوفود التي لجأت إليهم كي يتدخلوا لوقف القفصف.
وعليه، ترتبط المتغيرات في إدلب بأمرين، أولا نقاط المراقبة التركية، فوجودها يعني أن تركيا ما زالت تعمل وتمانع أي تغيير هناك، والأمر الآخر يتعلق بالطيران الروسي الذي ما زال غائباً عن سماء إدلب في حين اقتصر القصف الجوي على طيران النظام الذي يقلع من مطار حماة العسكري ومطار التيفور. وعندما تقلع أول طائرة من مطار حميميم فهذا يعني أن اتفاق سوتشي أصبح من الماضي وأن العلاقات التركية الروسية دخلت في تحول جديد.
المصدر: القدس العربي