يستغل أبو عبدو الصرماني فترة توقف القصف على مدينة خان شيخون في محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، التي فرّ منها مع عائلته قبل أيام إلى بلدة مجاورة، ليعود إلى منزله ويحمّل في شاحنته الصغيرة بعض الأغراض.
وتتعرض المدينة منذ مطلع فبراير (شباط) إلى عمليات قصف متكررة من قوات النظام، رغم أنه يُفترض أن تكون بمنأى عن الضربات؛ كونها تقع على أطراف المنطقة المنزوعة السلاح التي تمّ الاتفاق عليها في سبتمبر (أيلول) بين موسكو الداعمة لدمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، بالتزامن مع وقف لإطلاق النار.
يقول أبو عبدو (36 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية: «كانت هناك هدنة وتهدئة، وفجأة اشتدّ القصف ولم يعد بإمكاننا البقاء».
وأُرغم هذا الرجل على النزوح مع زوجته وثلاث طفلات الأسبوع الماضي إلى مدينة سرمدا في المحافظة نفسها، مشيراً إلى أنها «أكثر أماناً» بعد قصف قريب من منزلهم. ويتابع: «اختبأت في الحمام لأكثر من ساعتين جراء شدّة القصف».
في شاحنته، وضع الرجل الذي يعمل محاسباً في فرن، أغراضاً من المنزل تحتاج إليها العائلة، مثل قارورة غاز، ووسادات، وأغطية شتوية. ويوضح: «لم نأخذ معنا إلا أغراض النوم ومؤونة أولية وبطانيات وسجاداً (…)، أخذنا الأغراض الضرورية فقط، لا يمكن أن ننقل كل ما في المنزل».
وتقع مدينة خان شيخون في جنوب محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً).
وتوصّلت روسيا وتركيا إلى اتفاق في سبتمبر على إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب ومناطق محيطة بها، بعمق يتراوح بين 15 و20 كيلومتراً. ولم يُنفذ الاتفاق إلا بشكل جزئي، لكنّه جنّب المنطقة عملية عسكرية واسعة لوّحت دمشق بشنّها على مدى أسابيع.
وتحظى المدينة بموقع مهم على طريق دولية استراتيجية تربط العاصمة بمدينة حلب شمالاً، وتسعى قوات النظام إلى استعادة السيطرة عليها بشكل كامل.
وعاد التصعيد منذ أسابيع مع استئناف قوات النظام قصفها الجوي والمدفعي لخان شيخون؛ ما تسبب بنزوح أكثر من سبعة آلاف شخص منها إلى مناطق في شمال المحافظة، في الفترة الممتدة من الأول حتى 21 فبراير، وفق الأمم المتحدة.
وبعد ثماني سنوات على بدء النزاع السوري، باتت القوات الحكومية تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد بعد تحقيقها انتصارات على الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية في آن معاً، بفضل التدخل العسكري الروسي منذ نهاية سبتمبر 2015.
ويشرح أبو عبدو، الذي ارتدى سترة حمراء اللون، أن أسباباً أخرى دفعته وعائلته إلى النزوح، إلى جانب القصف، أبرزها أنه «ليس هناك أي مقومات للحياة أبداً»، في ظل عدم «وجود مستشفيات أو أطباء أو صيدليات» قيد الخدمة في المنطقة.
وخلال جولة في المدينة لمراسل الوكالة، بدت الشوارع خالية من المارة والسيارات، وأغلقت الأسواق والمحال التجارية أبوابها. وظهر الدمار بشكل واضح على الأبنية والمنازل، في حين كانت أعمدة الدخان تتصاعد منها إثر ضربة جوية نفّذتها قوات النظام قبل أيام. وقبل أن يستقل شاحنته ويتوجّه نحو المنزل الذي استأجره مع أشخاص آخرين من عائلته في سرمدا الواقعة على بعد مائة كيلومتر شمالاً، يعرب أبو عبدو عن أمله بألا «يطول هذا النزوح».
وقُتل 48 مدنياً على الأقل، بينهم 15 طفلاً في القصف المتجدد على المدينة منذ فبراير، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
في أحد شوارع خان شيخون، يُخرج أحمد فرج المتحدّر من بلدة الزكاة المجاورة وعائلته، أغراضهم المتبقية من منزل كانوا قد استأجروه وأصيب بصاروخين مؤخراً. ويقول لمراسل لوكالة الصحافة الفرنسية: «نزحنا منذ نحو ثلاثة أشهر من بلدتنا بسبب القصف، إلى خان شيخون، وكانت حينها منطقة آمنة». ويضيف: «منذ شهر حتى اليوم، عاد القصف العنيف على خان شيخون… بالإضافة إلى ضربات الطيران الحربي الذي كنّا قد نسينا أمره».
ودفع القصف أحمد (29 عاماً) إلى النزوح مع زوجته وطفله مجدداً من خان شيخون إلى بلدة مورك القريبة في محافظة حماة (وسط) الواقعة في المنطقة المنزوعة السلاح. ووضع المزارع في شاحنته الصغيرة كراسي بلاستيكية زرقاء، وأكياساً تحتوي على قشور الفستق الحلبي، يستخدمها لإشعال مدافئ محلية الصنع، فضلاً عن معدات للزراعة وعبوات مياه فارغة.
ورغم نشر تركيا نقاط مراقبة في الكثير من المواقع، بينها مورك، بموجب الاتفاق الروسي – التركي، فإن ذلك ليس كافيا لطمأنة أحمد.
ويقول: «متخوفون من هجوم على المنطقة. لو كان بوسع نقاط المراقبة القيام بأي شيء، لكانت أوقفت القصف».
المصدر: الشرق الأوسط