عبد الرحيم خليفة
قضايا عديدة وملفات كثيرة أهملتها (مؤسسات) الثورة، والعاملين والمنشغلين فيها، كان يمكن للتعاطي الإيجابي معها أن يغير في صورة الثورة، ومسارها الذي اتخذته، وصولاً للمأزق الراهن الذي سقطنا فيه، فيما لو أجدنا استخدامها أو وظفنا ما لدينا من أوراق، وإمكانات، وهي عديدة ومهمة.
في الذكرى الثامنة للثورة تقتضي مراجعة أحوالنا، الإشارة إلى ثلاث قضايا، مما أهملناه وغيبناه، بقصد الاستفادة، ومعالجة ما وقعنا فيه من أخطاء، بينما يستعد شعبنا لمواجهة مرحلة جديدة أسدل الستار فيها على إمكانية، أو وهم، إسقاط النظام بالقوة عبر التدخل الخارجي، الذي كان خيارًا شبه وحيد لقوى الثورة.
الأولى – رغم العدد غير القليل لمنظمات حقوق الإنسان والناشطين في هذا المجال، والدعم الخارجي لكثير منها، لم تنجز غير رصد الانتهاكات وتوثيق بعض الأرقام، والأسماء، وإصدار التقارير بشكل غير منهجي، دون أن تصل بعملها إلى الاحترافية، وتقديم الملفات الجنائية إلى المؤسسات الدولية المعنية لجلب رموز النظام إلى المحاكم الدولية، وإصدار مذكرات التوقيف والملاحقة، كما فعل المحامي أنور البني، وبعض زملائه المتطوعين، في (المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية) مؤخرًا.
في ندوة عقدت في العاصمة السويدية/ استوكهولم في 07 أكتوبر 2011 نظمها ( مركز أولف بالمه ) بالتعاون مع وزارة الخارجية السويدية شارك فيها العديد من الشخصيات الوطنية السورية، منهم برهان غليون أول رئيس للمجلس الوطني، وعبدالمجيد منجونة وعارف دليلة من قيادة هيئة التنسيق، وميشيل كيلو، وفائز سارة، وكان المجلس الوطني وهيئة التنسيق قد تشكلا للتو، قدم يان الياسون وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ نصائحه للمعارضة السورية بعدم إهدار الوقت في البحث عن حلول عسكرية وسياسية عبر مجلس الأمن الدولي، أو الدول الكبرى، لأنه لا جدوى منها ومن هذه الحلول، وطلب منهم حمل قضيتهم وملفاتهم بدل ذلك والتركيز على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وغيره من المنظمات المعنية بقضايا حقوق الإنسان لإدراكه من موقعه الدولي وخبرته، وهو الذي كان وزيرًا للخارجية السويدية سنوات طويلة، بأن قضية الشعب السوري ستتوه في أروقة مؤسسات السياسة الدولية التي ستتحكم بها مصالحها وأجنداتها واستراتيجياتها، وليس قيمها وأخلاقها ومبادئها.
لقد انتبه السوريون مؤخرًا إلى أهمية التعاطي مع هذا الملف، كما كشف قصورهم وتقصيرهم في هذا المجال، وخصوصًا أن بعض مؤسساتهم و”رموزهم” الحقوقية لم تكن أكثر من واجهات جوفاء، ودكاكين للارتزاق تتبع لأجندات عالمية، تقف وراءها وتمولها.
الثانية- في السياق ذاته تم إغفال أهمية التعاطي مع منظمات المجتمع المدني العالمية بما فيها الأحزاب السياسية خارج السلطة ومنظومات الحكم في بلدانها، وبقي جل نشاطها مقصورًا على التعامل مع وزارات الخارجية، تمامًا، مثلما غيبت نشاطها الحقوقي، وقصرت نشاطها على التعاطي (من فوق) مع الدول بشكل رسمي.
هذا الإغفال ينم عن عدم إدراك لطبيعة هذه الدول وأنظمتها وكيفية صنع القرار فيها، وأهمية ودور المعارضات وكافة القوى الموازية للسلطات الحاكمة في نظم مستقرة وتداولية، تشكل هذه القوى فيها عناصر القوة والتوازن لصناع القرار وراسمي الاستراتيجيات والخطوط العريضة لسياسات الدول.
الثالثة- تجاهل دور الجاليات السورية في بلاد الاغتراب والشتات، وهي قوى كبيرة تضم شخصيات نافذة ومؤثرة، تتمتع برصيد محترم، كان يمكن لها أن تستثمر على أكمل وجه ، فيما لو منحت من الاهتمام والثقة ما يليق بمكانتها ووزنها، مضافًا إلى ذلك العدد الهائل من السوريين الذين حلوا مؤخرًا في أوروبا خصوصًا، وبقية العالم عمومًا، هربًا من جحيم وبطش نظام الأسد وحلفائه.
بجهود فردية أو جماعية محدودة وبسيطة استطاعت بعض الجاليات السورية في عدد من بلاد العالم، وتحديدًا في أوربا، تجميع وتنظيم قواها في مؤسسات وهيئات إغاثية وسياسية وثقافية واجتماعية، قدمت أشكالًا كثيرة مادية ومعنوية من الدعم والاسناد للثورة، وساهمت في فضح ممارسات النظام، رغم غياب الخطط التكاملية مع قوى الثورة والمعارضة التي انشغلت في صراعاتها وأجنداتها الخاصة بها أو التابعة لها.
لقد انتبه بعضنا لذلك متأخرًا، ولكنهم بدل أن يعيدوا مراجعة تجاربهم ويعيدوا تصحيحها، بدأوا بتوظيف الجاليات لمصالحهم ومشاريعهم، وهو مؤشر يوحي بعدم الجدية والكفاءة، ويبشر بإعادة انتاج الإخفاقات.
يمكن أن يقال الكثير في ما أغفلنا وأهملنا، ولكن نكتفي بما ذكرنا، لنشير أنه بدون قيادة قوية ومؤمنة ونزيهة تمتلك الوعي والارادة والاستقلالية لن تعود الأمور إلى نصابها، بعد أن تحولت الثورة ب”جهود” من تصدروا المشهد إلى صراعات إقليمية، وحروب لا تنتهي، في خارطة معقدة مرسومة تضاريسها بلون الدم، وآفاقها مفتوحة على احتمالات شتى لا تضع نهاية قريبة لآمالهم وأحزانهم.
المصدر: صحيفة إشراق