“رحل جيش الإسلام، وتعود اليوم صحيفة طلعنا عالحرية ولسان حالها يقول إنها غير قابلة للاندثار”، واحدة من العبارات التي وردت في العدد الجديد من مجلة “طلعنا عالحرية” السورية التي عادت للصدور بعد أكثر من عامين من التوقف.
وقالت المجلة في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني: “بعد غياب دام عامين، وتزامناً مع الذكرى الثامنة للثورة السورية، صدر اليوم العدد 88 من مجلة طلعنا عالحرية تحت عنوان لماذا عدنا”، ويتضمن مواد لكتّاب وصحافيين حول معنى وعودة المجلة بعد غياب قسري، في وقت يعاني فيه الإعلام السوري المعارض، مشاكل وجودية أدت إلى إغلاق واختفاء العديد من المشاريع التي ظهرت بعد الثورة السورية.
ولم يكن توقف المجلة قبل عامين مرتبطاً بظروف التمويل، بل كان بسبب الصدام مع “جيش الإسلام” الذي كان مسيطراً على الغوطة الشرقية قرب العاصمة دمشق حينها، حيث أصدرت ثلاث جهات قضائية تابعة للفصيل الإسلامي في شهر آذار/مارس 2017، قراراً بإغلاق مقرات المجلة ومنع نشاطها في “المناطق المحررة”، وتوقيف القائمين عليها، على خلفية نشر مقال اتُّهم بالإساءة للذات الإلهية.
وفي حديث مع “المدن”، قال نائب رئيس تحرير المجلة، أسامة نصار: “طوال سنتَي انقطاع المجلة كان عندنا هاجس بضرورة الوصول لمآل لائق لهذه القضية، سواء بعودة إصدار المجلة أو بمتابعة المشروع بطريقة أخرى، أو حتى بإعلان توقفها لكن من طرف يضع الحقيقة وشرف المهنة نصب عينيه وليس حكم الضرورة والعسف. وعن تزامن إعادة الصدور مع ذكرى الثورة، فهي مصادفة سعيدة أعطت معنى إضافياً لعودة المجلة”.
ويمكن القول أن عودة المجلة في هذا التوقيت رسالة بأن الثورة السورية مستمرة، كحركة مطالبة بالحرية والديموقراطية، لا يمكن إيقافها أو قمعها من قبل جهات مختلفة، سواء النظام السوري أو الحركات المتشددة أو حتى السياسة الناعمة المنتشرة حالياً والتي تدعو للرضا بالأمر الواقع، أي بقاء النظام في السلطة.
وعلق نصار على ذلك بالقول: “لا يمكن إيقاف حركة التاريخ مهما بدت الهزيمة ساحقة، وبعدما اكتشفنا أصواتنا كسوريين لا يمكننا أن تعود الأمور للوراء. يسرنا بالتأكيد أن تساهم المجلة في هذه الحركة. وينبغي ألا يقتصر الرهان على طلعنا عالحرية وحدها، وإنما جميع ما ينشد الحرية والكرامة والعدل والقيم العليا التي نادت بها الثورة السورية”.
وبدأت المشكلة في شهر شباط/فبراير 2017، على خلفية نشر المجلة مقالاً جدلياً للكاتب شوكت غرز الدين حول الطفل السوري عبد الباسط صطوف الذي بُترت قدماه نتيجة قصف وحشي للنظام السوري في ريف إدلب الجنوبي حينها، وحلل العجز الذي يمثل صفة كبرى في النظام الأبوي في الدين والمجتمع. وأدى إلى تكفير المجلة وتجييش واسع ضد فريق العمل الذي قدم اعتذاراً وسحب المقال من التداول.
وبعد توقف المجلة عن الصدور في آذار 2017، اكتفى موقعها الإلكتروني وصفحاتها عبر الانترنت بنشر متابعات للمشكلة وتداعياتها والتي كان منها توقف المجلة، و”رغم مطالبات تكررت للفريق القديم، لم تنجح أو لم تكتمل محاولات منه لإيجاد حل مناسب للقضية، كإعادة الإصدار أو حتى الوصول لمآل لائق للمشروع”، حسبما جاء في مقال افتتاحي كتبه نصار.
وأجرت المجلة استفتاء سألت فيه جميع الصحافيين والكتّاب الذين كانت لهم مشاركات في المجلّة، منذ صدورها، عبر استبيان وصلهم بالبريد الإلكتروني، حول المشكلة وتداعياتها ومصير المجلة، وتمّ نشر نتائج الاستبيان في موقع المجلة. وقال 80% من المشاركين أن الحادثة التي ألمّت بالمجلة وتبعاتها هي قضية عامة تمس المجتمع كلّه، ولا تقتصر على الصحافة أو “طلعنا عالحرية” وحدها. وهو ما كررته مجموعة من الناشطين وأصحاب الرأي الذين سئلوا عن الموضوع في نقاشات شخصية.
وبحسب الافتتاحية، توقف تمويل المجلة وأغلقت المنظمة المسجّلة في كندا والتي كانت قد أنشئت بغرض إصدار المجلة، بالإضافة إلى قرب توقف الموقع والخدمات المأجورة المشابهة بسبب توقف الدفع. وتتوالى مجموعة من الزملاء على إدارة المجلة في المرحلة الانتقالية، يتم خلالها إعادة الإصدار بالطريقة المعتادة كما قبل توقّف المجلة، ويتمّ نشر الإصدارات في موقع المجلة من دون توزيع نسخ مطبوعة.
وأضاف نصار: “صحيح أن التمويل ساعد في تطوير المجلة وفي دفع نفقات حيوية، إلا أن العمل في المجلة في أغلب عمرها كان طوعياً ومن دون مقابل مالي. وبخصوص شحّ التمويل مؤخراً، فهو حالة عامة على منظمات المجتمع المدني السوري ومنها المؤسسات الصحافية والإعلامية، ويجب مناقشة الموضوع على هذا المستوى”.
يذكر أن “طلعنا ع الحرية” واحدة من أقدم المجلات المعارضة في سوريا، وصدرت مطلع العام 2012 كجزء من “لجان التنسيق المحلية” قبل أن تستقل عنها مطلع العام 2014، كما شهد صدورها انقطاعات متكررة لأسباب أبرزها غياب الدعم المادي.
المصدر: المدن