فرزين نديمي
ليست واشنطن الوحيدة التي تدعو إلى اتخاذ موقفٍ دولي أكثر حزماً ضد برنامج إيران الصاروخي. ففي 4 شباط/فبراير، أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه البالغ إزاء تطوير النظام للصواريخ الباليستية في بيانٍ مشتركٍ نادرٍ حول إيران، داعياً هذه الأخيرة إلى الامتناع عن تنفيذ المزيد من عمليات الإطلاق. وقبل عشرة أيام، حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان طهران من فرض عقوبات قاسية إذا فشلت المحادثات المتعددة الأطراف حول مسألة الصواريخ، مشيراً إلى أن المفاوضات التي كانت فرنسا تدفع باتجاهها منذ الصيف الماضي على الأقل قد بدأت.
وبالإضافة إلى إنكار وزارة الخارجية الإيرانية هذه الادعاءات، يبدو أن ما أفصح عنه لودريان حثّ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني على إصدار الخطاب الأكثر جرأةً له ضد أوروبا حتى الآن. ففي بثٍ تلفزيوني في 2 شباط/فبراير، حذّر نائب القائد العام لـ «الحرس الثوري» حسين سلامة من أن إيران ستقوم قريباً بـ”قفزة استراتيجية” في برنامجها الصاروخي من خلال تبديل “متغيّرات” تكنولوجية وجغرافية مهمة – وبعبارةٍ أخرى، ستحسّن دقة صواريخها وقدرة فتكها وقوة دفعها ومداها لتتمكّن من بلوغ القارة الأوروبية.
ووجّه المسؤولون الإيرانيون تهديداتٍ مشابهة إلى خصومهم في منطقة الخليج. ففي خطابٍ ألقاه أمين “المجلس الأعلى للأمن القومي” علي شمخاني في 13 آذار/مارس، اتّهم ضمنيّاً المملكة العربية السعودية بـ”إنفاق عائدات النفط على تطوير برنامج نووي مشبوه… من المحتمل أن يجرّ المنطقة، إن لم يكن العالم بأسره، إلى أزمة خطيرة… ولا شك في أن هذه التهديدات الجديدة ستجعلنا نُضطرّ إلى تغيير استراتيجيتنا وتسليح قواتنا على هذا الأساس”. وفي اليوم نفسه، أعلن قائد “مقر خاتم الأنبياء المركزي” غلام علي رشيد أن على إيران زعزعة استقرار القوى “المعادية” مثل السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل من خلال “سحق نظام معتقداتها” وتعزيز المعتقدات الخاصة بإيران.
ونالت إسرائيل أيضاً نصيبها من التهديدات من مسؤولين آخرين. ففي وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، قال سلامة للإسرائيليين أنه لا يمكنهم التعويل على حماية الجيش الأمريكي لهم لأنه “سيتم تدميرهم قبل أن يصل الأمريكيون لمساعدتهم”. ووجّه هذا التهديد رداً على تمرين دفاعي مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول الصواريخ الباليستية.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، اقتصرت اختبارات الصواريخ الباليستية التي أجرتها إيران على محاولتيْن فاشلتيْن لإطلاق قمرٍ صناعي. إلا أن ما اتّضح من تصعيدٍ وفوارق بسيطة في الخطاب الأخير الخاص بـ «الحرس الثوري الإسلامي» يشير إلى احتمال تكثيف هذا النشاط قريباً. فعلى سبيل المثال، قد يستخدم «الحرس الثوري» الشجار الأخير مع أوروبا لتحريك الدعم المحلي لتطوير صواريخ ذات مدى أبعد كجزءٍ مما يدعوه القادة العسكريون “تغيير حسابات الردع”. ومن الواضح أن كلّاً من سلامة وقائد القوة الجوّيّة-الفضائية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زادة تحدّث عن استراتيجية صاروخية “انسيابية” يمكن أن تتغير تبعاً لكيفية تصرّف الجهات الفاعلة الأخرى.
الكشف عن صاروخ جوال جديد
وفّرت الذكرى الأربعون لثورة عام 1979 فرصةً ذهبية لإيران للكشف عن مجموعةٍ من أنظمة الأسلحة والمعدات العسكرية، ويلقى بعضها انتباهاً أكبر. ففي 2 شباط/فبراير، كشفت عن صاروخ “الحويزة” الجوّال، وهو نسخة مطوّرة من صاروخ “سومار”.
من الخارج، يبدو الصاروخان الإيرانيان متشابهيْن باستثناء حِجرة المحرّك. فتلك الحِجرة الخاصة بمحرّك “الحويزة” يبلغ طولها ضعف طول حِجرة محرّك “سومار” تقريباً، مما يسمح لها باستيعاب نسخة جديدة من محرّك “طلوع” مع أنبوب عادم أطول، وربما المزيد من أجزاء الضاغطات والتوربينات. كما يجب أن يتمتع صاروخ “الحويزة” أيضاً بكفاءة أكبر في استهلاك الوقود، مما يسمح بالوصول إلى مدًى أبعد. وللتعويض عن الزيادة في وزن المحرك، يبدو أنه تم إرجاع أجنحته المنبثقة قليلاً إلى الخلف.
ووفقاً لبعض المسؤولين في «الحرس الثوري»، يبلغ مدى صاروخ “الحويزة” 1,350 كيلومتراً، وهو تحسّنٌ ملحوظٌ عن صاروخ “سومار” البالغ مداه 700 كيلومتر. ومن غير الواضح ما إذا تمت تجربة الصاروخ الجديد فعلياً: فقد أظهر بَثّ تلفزيون الدولة الإيرانية، الذي ادّعى عرض الإطلاق الأول لصاروخ “الحويزة”، أن ما أُطلِق هو أنفي الحقيقة صاروخَ “سومار”. وعلى أي حال، يمكن أن يهدد الصاروخ الجوّال الذي يبلغ مداه 1,350 كيلومتراً أهدافاً بحريةً في شرق البحر المتوسط إذا ما أُطلِق من شمال غرب إيران، أو بحر العرب بالكامل تقريباً إذا تم إطلاقه من سواحل إيران الجنوبية.
وتدّعي إيران أيضاً أن صاروخ “الحويزة” يتمتع بنظام ملاحةٍ متطوّر يسمح باستخدامه كصاروخ هجوم برّي عالي الدقة. إلا أن النسخة التي كُشِف عنها علناً تملك على ما يبدو رأس توجيهٍ نشطاً موجهاً بالرادار في مقدّمتها، مما يجعلها أكثر مناسبةً ضد الأهداف البحرية.
وبالمقارنة مع الصواريخ الباليستية، تحلّق الصواريخ الجوّالة على ارتفاعٍ أدنى، وعملية صدّها هي أكثر صعوبة، وربما يمكن نقلها إلى مسافة أقرب بكثير من أهدافها قبل الإطلاق. وفي الوقت الحاضر، تم تصميم صاروخا “الحويزة” و”سومار” ليتم إطلاقهما من الشاحنات، لكن يمكن إطلاقهما أيضاً نظرياً من الغواصات أو سفن السطح أو حتى حاويات الشحن المحوَّلة على السفن التجارية. وستمنح هاتان التشكيلتان إيران قدرةً قابلةً للتطبيق على تنفيذ ضربة ثانية أو حتى أولى، على اعتبار أن أطقمها قادرة على نقلهما ومركزتهما دون أن يتم كشفهم.
نسخ جديدة من الصواريخ الباليستية
في 3 شباط/فبراير، كشف «الحرس الثوري» عمّا زعمَ أنه الجيل الثاني من الصاروخ الباليستي “خرمشهر”. ويُفترَض أن يكون هذا السلاح المدعو “خرمشهر-2” مدرّعاً بنسخة من الرأس الحربي الخاص بالمناورة الذي تمت مشاهدته على صاروخ “عماد”، مع أنه لا يمكن التحقق من هذا الادعاء في الوقت الراهن. وبدا أن أحد مقاطع الفيديو ذو الصلة أظهر عملية إطلاق الصاروخ في موقع “سمنان” للتجارب في وسط إيران، مع أنه من غير الواضح ما إذا كانت الصورة الفوتوغرافية المقصوصة للصاروخ التي نشرتها “وكالة أنباء فارس” والتي تحمل اسم “خرمشهر-2” تُظهر سلاحاً جديداً أو مجرّد صاروخ “عماد” أُعيد طلاؤه.
وكانت إحدى “مفاجآت شباط/فبراير” الأخرى كشف «الحرس الثوري» عن خط إنتاج تحت الأرض لصاروخ باليستي جديد يُدعى “دزفول”. ويُدّعى أن هذا الفرد الأخير من عائلة “فاتح/ذو الفقار” العاملة على الوقود الصلب يتمتع بالقدرة على شن ضربات دقيقة التوجيه بسرعة على مدى ألف كيلومتر. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً، فسيسمح هذا الصاروخ لإيران بإصابة أهدافٍ داخل أعماق السعودية فضلاً عن شمال إسرائيل. وإذا تم نشر هذه الصواريخ في العراق أو سوريا، سيكون بإمكانها من الناحية النظرية بلوغ جزءٍ أكبر من السعودية، وكامل إسرائيل.
الخاتمة
تشكل ترسانة الصواريخ الإيرانية المتنوعة ركيزة لاستراتيجياتها الدفاعية والهجومية. وقد بلغ النظام آفاقاً بعيدةً في عرض هذه الأسلحة – ليس بمثابة ورقته الرابحة في ردع الأعداء وملاحقة طموحه الإقليمية فحسب، بل أيضاً كإشارة على أن إيران لن تحيد عن طريقها في المضي قدماً في تطوير الصواريخ. لكن إذا حقق الإيرانيون فعلاً القدرة على توجيه ضرباتٍ دقيقة إلى أهدافٍ بعيدة باستخدام صواريخ أصغر حجماً وذات قدرات أكثر تنوعاً تعمل على الوقود الصلب، فقد يكونوا مستعدين للتفاوض مع أوروبا بشأن بعض أوجه صواريخهم الأكبر حجماً و/أو تلك العاملة بالوقود السائل.
ويبدو أيضاً أن القادة العسكريين الإيرانيين يتابعون عن كثب آخر التقارير حول الأنشطة النووية السعودية. وقد لمّح بعضهم إلى أن الرياض تسعى إلى تطوير أسلحة نووية بشكل سري – وأن على إيران أن تفعل الشيء نفسه. وإذا كانت طهران تعتقد حقّاً أن المملكة تسلك هذا الطريق، ستقود المنطقة وربما العالَم بأسره في طريق محفوف بالمخاطر نحو التخصيب على المدى البعيد.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى