جابر عمر
في ظل النتائج التي أفرزتها الانتخابات المحلية التركية التي أجريت الأحد الماضي، وأظهرت فوز المعارضة في كبرى البلديات التركية وهي إسطنبول، وأنقرة وإزمير، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم يكون قد خسر العاصمتين السياسية والاقتصادية في البلاد، في مؤشر سياسي على تراجعه، على الرغم من أن النتائج العامة أظهرت تصدره وتراجعه نقطة واحدة فقط عن انتخابات الإدارة المحلية في العام 2014، حيث حقق في تلك الانتخابات 45.5% من الأصوات، فيما حقق الأحد الماضي 44.4%، في نتائج أولية غير نهائية.
وعلى الرغم من الاعتراضات التي تقدم بها حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، على اعتبار
أن هناك تجاوزات في عدم احتساب أصوات باطلة، وعدم احتساب أصوات مستحقة، وهي ما ستظهر نتائجها خلال الأيام المقبلة، فإن مرشح المعارضة عن حزب الشعب الجمهوري، باسم تحالف الشعب، أكرم إمام أوغلو حقق تقدما على منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم باسم التحالف الجمهوري بن علي يلدريم، والفارق هو فقط نحو 23 ألف صوت بينهما في مدينة إسطنبول المسجل فيها أكثر من 10 ملايين ناخب.
وفي أنقرة رغم اعتراضات العدالة والتنمية، إلا أن مرشح المعارضة عن حزب الشعب الجمهوري باسم تحالف الشعب، منصور يافاش، حسم السباق الانتخابي، نظرا للفارق الذي وصل إلى 3 نقاط عن منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية باسم التحالف الجمهوري، محمد أوزهاسكي.
وتدفع استماتة حزب العدالة والتنمية للتمسك بإسطنبول، ومقولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السابقة، بأن “من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا”، التساؤلات عن أسباب تمسك الأحزاب السياسية بها وبأنقرة، وللإجابة على ذلك لا بد من معرفة أن بلديتي إسطنبول وأنقرة تشملان بلديات كبرى تضم مختلف المناطق، وهي بلديات تتمتع بصلاحيات واسعة في الإطار الخدمي والضريبي، ورغم أن ليس لديها أبعاد سياسية، إلا أن الفوز بها يعد نفوذا سياسيا كبيرا.
إسطنبول مركز الصناعة والتجارة
وتأتي إسطنبول في المقدمة، حيث إن ميزانيتها للعام 2019 بلغت 23.8 مليار ليرة تركية (ليرة تركية تعادل 5.6 دولارات)، وهو مبلغ كبير جدا، للمدينة التي يقطنها نحو 16 مليون شخص، كما أن إسطنبول هي مركز الصناعة والتجارة المحلية والإقليمية والعالمية، وتكلف البلدية بجبي الضرائب والحصول على نسبة منها لتمويل مشاريعها، ولذلك تعتبر مصدرا اقتصاديا هاما للجهة التي تفوز بها، وحدود صلاحيتها تصل لكل حدود الولاية من الناحية الخدمية، وهي مسؤولة عن المشاريع الكبرى في الطرق والمواصلات، وتشرف على خطوط المترو والترام والباصات، ولديها خدمات كثيرة.
واللافت أن النتائج الأولية تظهر عدم تمكن تفرد أي حزب ببلدية إسطنبول، فمجلس البلدية يتكون من الرئيس والأعضاء، وفي النتائج الحالية فإن فاز مرشح الشعب الجمهوري فإن المجلس البلدي بغالبيته بيد العدالة والتنمية، فبلدية إسطنبول الكبرى تضم 39 بلدية تحت سقفها، من بينها 24 بلدية بيد العدالة والتنمية و14 بيد الشعب الجمهوري، فيما بلدية واحدة بيد حزب الحركة القومية حليف العدالة والتنمية، ما يعني أن العمل يقتضي إما بالتعاون المشترك، أو تعطيل بعضهما البعض.
أنقرة وتوظيفات المؤسسات البلدية
وفي أنقرة ينطبق الأمر ذاته مثل الوضع القائم في إسطنبول، موازنتها للعام الجاري 14 مليار ليرة تركية، مع العلم أن موازنة تركيا العامة للولايات الـ 81 والوزارات وكل مؤسساتها هي 885 مليار ليرة، فأنقرة وإسطنبول تستحوذان على نسبة لا يستهان بها، وتفوق ميزانية وزارات ومؤسسات كثيرة.
ومن ناحية توزع المجلس البلدي، فإن أنقرة تتواجد تحت مظلة بلديتها الكبرى، 24 بلدية، فاز العدالة والتنمية في 18 بلدية، والشعب الجمهوري في 3 بلديات، والحركة القومية في 3 بلديات، ما يعني أن مهمة يافاش لن تكون سهلة، وعليه التوافق مع أعضاء المجلس البلدي في اتخاذ القرارات والحصول على التمويلات اللازمة لمشاريعه الخدمية.
ومن الناحية السياسية ليس هناك تأثير مباشر سوى ما يتعلق بالنفوذ، أي لن يكون هناك تأثير في القرارات السياسية ولكن قد يكون هناك تعيينات وتوظيفات وإقالات في المؤسسات البلدية من قبل أنصار الحزب الفائز، وقد يكون هناك تركيز في الخدمات على الحاضنة الشعبية الداعمة، وفيما يخص السوريين قد يكون هناك قطع لمساعدات بلدية معينة مالية وخدمية، وقد يكون هناك تضييق في منح الرخص والرقابة على المتاجر والمطاعم السورية، ومنع للوحات الإعلانية العربية، خاصة في ظل وعود من المعارضة بتنفيذ ما سبق فيما يخص السوريين.
المصدر: العربي الجديد