أحمد مظهر سعدو
اختلفنا أم اتفقنا مع المحامي حسن عبد العظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية، أو ما يسمى بمعارضة الداخل والتي باتت جزءً أساسيًا من هيئة التفاوض، بل الأقرب إلى مكون الائتلاف الوطني فيها، من باقي المكونات. فهو شخصية مهمة في المعارضة السورية، كان لها فعلها ومازال.
جيرون حاولت الوقوف معه على جملة من المتغيرات التي بات الكلام فيها ضروريًا ومهمًا، حول تشتت وتشظي المعارضة، وعدم فاعليتها، وعن طبيعة معارضة الداخل لهذا النظام السوري، وكذلك
هل من حوارات تمت بين هيئة التنسيق وبين النظام على مدار سنوات الثورة؟ وما هي رؤية النظام السوري للمعارضة السوري؟ والكثير من القضايا الأخرى التي أضحت من الأهمية بمكان لتوضيح وكشف المستور حولها. وسألناه: لماذا لم يتم حتى الآن تجميع كل المعارضة السورية في الداخل السوري؟ أجاب بقوله “ تجميع كل قوى المعارضة والثورة لا يمكن أن يتم إلا إذا تم التوافق أو الاتفاق بين ممثليها على اختلاف انتماءاتهم الإيديولوجية على رؤية سياسية مشتركة، أو برنامج وطني مشترك لتحقيق أهداف مشتركة، وخطة عمل لتحقيقها على المستوى الاستراتيجي، وعلى وسائل وأساليب موحدة لتنفيذها، والمثل الواضح على ذلك خلال السنوات الثمانية على انطلاق الثورة الشعبية السلمية في أواسط شهر آذار/مارس 2011 ، عندما بادر التجمع الوطني الديمقراطي لتشكيل ائتلاف وطني سوري مع ما سُمي إعلان دمشق وأحزاب الحركة الوطنية الكردية، والتيار الإسلامي المستقل، ولجان إحياء المجتمع المدني التي تضم شخصيات وطنية من المثقفين والمفكرين في الداخل وللخارج ،غير أن قيادة إعلان دمشق لم تستجب رغم انتظار مشاركتها أربعة أسابيع، قبل الإعلان عن تأسيس هيئة التنسيق الوطنية في الأسبوع الأخير بتاريخ 30/6/2011 بعد أن تبين أنها تتواصل مع جماعة الإخوان المسلمين بسبب الخلاف مع القوى المؤسسة لهيئة التنسيق الوطنية لأنها ترفض التدخل العسكري الخارجي من جهة ، وترفض العنف والانجرار لحمل السلاح كأسلوب في التغيير الديمقراطي من جهة ثانية، وهذه الظاهرة في الخلاف بين قوى المعارضة بدأت مع عدوان الحلف الأطلسي على العراق واحتلاله في ربيع عام 2003الذي اعتبرته بعض القوى المحسوبة على المعارضة تحريرًا، في حين أنه احتلال لابد من مقاومته، وهذا ما أدى إلى تشكيل المجلس الوطني في اسطنبول في أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر 2011.” ويضيف عبد العظيم ” ثمة سبب آخر لانقسام المعارضة، أن بعض الدول الإقليمية والعربية رفضت الموافقة على اتفاق القاهرة الموقع من ممثلي هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني السوري بتاريخ 30/12/2011 بعد حوار دام /40/ يومًا، وأجبرت قيادته على التراجع عنه، غير أن إصرار هيئة التنسيق الوطنية على توحيد جهود المعارضة ورؤيتها ووفدها التفاوضي، والحوار الذي جرى بين وفود منها مع ممثلي الائتلاف الوطني السوري في القاهرة وباريس وبروكسل بدعم الاتحاد الأوروبي والاتفاق على تفاهمات، أدت نتائجه إلى المشاركة معه في الهيئة العليا للمفاوضات، والوفد التفاوضي بعد مؤتمر الرياض الأول أواخر عام 2015 ، وفي هيئة التفاوض والوفد التفاوضي في مؤتمر الرياض الثاني بتاريخ 22-24/11/2017 ، وانتظمت قوى المعارضة الأساسية (هيئة التنسيق الوطنية، والائتلاف الوطني السوري والمستقلون وممثلون الفصائل المعتدلة ومنصة القاهرة ومنصة موسكو) في كيان تفاوضي واحد.
وتشارك هيئة التنسيق الوطنية مع تحالفات وتيارات وأحزاب وشخصيات وطنية موجودة في الداخل وفي الخارج بسبب العمل أو الإقامة، أو الظروف الأمنية. في (لجنة تحضيرية نواة) لتأسيس الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود) القطب الديمقراطي، تعمل لإعداد المؤتمر الوطني للمعارضة في الداخل إن توفرت له الظروف، يساهم في دعم ومساندة المسار السياسي لحل الأزمة السورية وفق بيان جنيف /1/ والقرارات الدولية ذات الصلة وأهمها القرار 2254/2015 والمساهمة في بناء سورية المستقبل.”
وكان سؤالنا أيضًا عن طبيعة معارضة الداخل وعلاقاتها مع النظام السوري؟ حيث أكد عبد العظيم أن ” قوى معارضة الداخل المشاركة في هيئة التنسيق الوطنية لم تبدأ مع الثورة التي بدأت في النصف الثاني من شهر آذار/مارس 2011 بل بدأ الحوار بين قوى وأحزاب تاريخية منها في عام 1977 ، أثمر عن ميثاق وطني للتغيير الديمقراطي وتأسيس التجمع الوطني الديمقراطي في أواخر عام 1979 وهي ( حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، حركة الاشتراكيين العرب، الحزب الشيوعي/المكتب السياسي، حزب البعث العربي الاشتراكي الديمقراطي، حزب العمال الثوري العربي، تيار المستقلين، ثم انضم إليه حزب العمل الشيوعي في عام 1996، وقد شارك مع النقابات المهنية المنتخبة وتيار المثقفين واتحاد الكتاب في النضال السلمي للتغيير الديمقراطي، وتعرضت كوادر أحزابه والشخصيات الوطنية المستقلة للاعتقال والسجن ولعقوبات تتراوح بين بضعة عشر عامًا وبضعة وعشرين عامًا، وإجراءات حل النقابات واعتقال مجالسها لسنوات طويلة وتعيين مجالس بديلة، عبر الحل الأمني العسكري، واستشهاد المئات وتواري ولجوء الكثيرين، وتسريح المئات من العمل والمناصب، وساهمت كوادره في الحراك الثوري السلمي في شهر آذار/مارس 2011 وشارك في تأسيس هيئة التنسيق الوطنية بتاريخ 25/6 والإعلان عنها في 30/6/2011 (عدا القسم الأكبر من الحزب الشيوعي/ المكتب السياسي) بقيادة رياض الترك الذي غير اسمه إلى حزب الشعب السوري في المؤتمر السادس لعام 2005، وشارك في تأسيس المجلس الوطني الانتقالي في اسطنبول أوائل تشرين أول/أكتوبر 2011، في إطار ما بقي من (إعلان دمشق)، بعد تفككه وخروج قوى سياسية، وقد تمسكت هيئة التنسيق الوطنية بمعارضة النظام الحاكم، والنضال لتحقيق التغيير الديمقراطي الجذري والشامل، وتعاونت مع المبعوثين الدوليين وأيدت بيان جنيف /1/ 30/6/2012 بعد صدوره مباشرة، غير أن المجلس الوطني السوري عبر عن رفضه، ولم يقبل الائتلاف الوطني به إلا قبل أيام من موعد مؤتمر جنيف /2/، وشاركت في مؤتمر الرياض الأول في إطار الهيئة العليا للمفاوضات والوفد التفاوضي، وفي إطار هيئة التفاوض بعد مؤتمر الرياض الثاني، وقاطعت جميع انتخابات الإدارة المحلية، ومجلس الشعب، والاستفتاء على دستور 2012، والاستفتاء على منصب الرئاسة، وتمسكت بتنفيذ بيان جنيف/1/ والقرارين 2118/2013 و2254/2015 ـ عبر العملية السياسية التفاوضية في جنيف.”
وبقي السؤال قائمًا: هل هناك أي حوارات تمت بينكم وبين النظام على مدار سنوات الثورة؟ وما هي رؤية النظام السوري للمعارضة السوري؟ حيث قال ” الحوار الوطني هام للاتفاق على المبادئ والأهداف المشتركة للمشروع الوطني والقومي. وللمرحوم الدكتور جمال الأتاسي – الأمين العام السابق للاتحاد الاشتراكي وللتجمع الوطني الديمقراطي كتاب مهم بعنوان (الحوار مقدمة العمل والديمقراطية غاية وطريق) وكان هو الأسلوب المتبع في بناء التحالفات الوطنية والقومية، لأنه ينطلق من احترام الرأي والرأي الآخر والآراء الأخرى المتعددة. عندما يكون بين قوى سياسية وشخصيات وطنية مستقلة، أوبين نظام يتولى السلطة وقوى معارضة في المجتمع. غير أن النظام الحالي منذ ترسيخ سلطته بدستور عام 1973 بالمادة/8/ منه (حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة) وهو لا يلتزم بنتائج أي حوار (إن دعته الضرورة للحوار).
بعد انطلاق شرارة الثورة من درعا في أواسط شهر آذار/مارس عام 2011 وامتدادًا لثورات الربيع العربي في تونس ومصر، وتوسعها وامتدادها إلى حمص وبانياس والغوطتين الشرقية والغربية، ولجوء النظام إلى قمعها بالرصاص الحي على أيدي الأجهزة الأمنية. بدأ النظام يفكر بالحوار مع التجمع الوطني الديمقراطي، كأكبر تحالف معارض، وكنت الناطق الرسمي باسمه منذ 9 أيار/مايو لعام 2000، وأمينًا عامًا لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي (أكبر أحزابه) بعد وفاة المرحوم الدكتور جمال الأتاسي بتاريخ 31 آذار/مارس عام 2000.
بتاريخ 9/4/2011 اتصل بي الدكتور بشر عبد المولى (مستشار برئاسة الجمهورية)، وهو من يبرود، وزارني في منزلي بتكليف من رئيس الجمهورية، وطلب مني اللقاء مع الرئيس على رأس وفد للتجمع الديمقراطي، فاستمهلت للتشاور ودعوت القيادة المركزية للتجمع لاجتماع استثنائي وعرضت الأمر عليهم. تمت موافقة التجمع على اللقاء وتكليف الزميلين عبد العزيز الخير وحازم نهار بمتابعة اللقاءات والحوار بعد توفير الظروف المناسبة.
تم اللقاء مع المستشار وإبلاغه موقف التجمع المتفق عليه والمتضمن عدة مطالب للرئيس- ينبغي تحقيقها تمهيدًا لتشكيل وفد من التجمع وإعلان دمشق، بما في ذلك ممثلين للكرد والمكونات القومية الأخرى ولجان المجتمع المدني، وممثلين عن الحراك الثوري الشعبي في درعا وبانياس وحمص ودوما ومعضمية الشام للقاء الرئيس وهذه المطالب هي:
- وقف إطلاق النار على المتظاهرين وسحب عناصر الأمن من درعا والمناطق الأخرى.
- إحالة المسؤولين عن جرائم الاعتقال وقتل المتظاهرين إلى تحقيق نزيه لمحاسبتهم.
- إطلاق سراح معتقلي الرأي والسجناء السياسيين.
- السماح بالتظاهر السلمي، وإلغاء حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية.
وقد وعد المستشار بنقل هذه المطالب، وطلب أن يرافقه في اللقاء القادم العميد مناف طلاس، فوافقنا لأنه كان من المسؤولين الذين أوفدهم الرئيس إلى دوما وغيرها لتهدئة الأمور.
بدأت اللقاءات مع المستشار والعميد طلاس بشكل يومي حيث عرض السيد طلاس باسم الرئيس عملية إصلاح شاملة بمشاركة المعارضة. على أن يكون للمعارضة منصب نائب رئيس الجمهورية يشغله المحامي حسن عبد العظيم، وثمانية وزراء في الحكومة بينها وزارة سيادية، وثمانية محافظين، وثلث أعضاء مجلس الشعب، كما عرض على الدكتور عبد العزيز الخير منصب وزير الخارجية.
رفضت تولي منصب نائب الرئيس، لأننا لا نبحث عن مناصب، والمهم بالنسبة لنا العملية السياسية الشاملة. وكذلك رفض الدكتور الخير العرض ” وتابع عبد العظيم يقول ” بعدها استمرت اللقاءات بشكل يومي في منزل المستشار في حي ركن الدين حيث كنا نصل أحيانًا مع بعضنا البعض وأحيانًا بشكل منفصل، حيث تتم أحاديث جانبية قبل وصول الآخرين لعقد اللقاء. وكنا ننتظر جوابًا من الرئيس ومن يتشاور معهم على طلباتنا.
خلال هذه الفترة لفت نظري خبر في التلفاز السوري يقول إن الرئيس سيلقي خطابًا، في اليومين القادمين، في مجلس الشعب يتضمن الموقف من الأحداث والتطورات التي تجري. ومن ثم تم تأجيل الموعد ليوم الثلاثاء. ثم يوم الأربعاء، وكان الناس في حالة من الترقب والانتظار.
في أحد أيام الانتظار هذه (يوم الثلاثاء)، وأثناء توجهي من بيتي إلى مكتبي صباحًا، شاهدت مسيرات حاشدة من طلبة المدارس بإشراف معلميهم وعاملين في مؤسسات الدولة بإشراف مسؤولين وعمالًا وفلاحين يرفعون لافتات تأييد، وأشخاصًا محمولين على الأكتاف يطلقون هتافات (بالروح بالدم نفديك يا بشار).
خلال هذا المشهد اتصل بي رامي عبد الرحمن من لندن يسألني: ماذا تتوقع من خطاب الرئيس غدًا؟
كان جوابي: لا أتوقع جديدًا. وطلبت منه أن يضع خطين تحت الجواب ليتأكد غدًا من صحة قولي.
سألني: لماذا؟ فقلت لأن الأجهزة الأمنية والحزبية حشدت مسيرات مبرمجة توهم الرئيس أن الشعب معه ويفديه بدمه. ولا ضرورة لتقديم أي تنازل عبر إجراء أي إصلاح أو تغيير.!
وبالفعل جاء الخطاب أمام مجلس الشعب في اليوم التالي شفهيًا ومرتجلاً ومليئًا بعبارات التهديد والتحدي (تخلله تصفيق وهتاف ورقص من أعضاء مجلس الشعب). ووصف الحراك الثوري الشعبي بأنه عصابات مسلحة وتنفيذًا لمؤامرة خارجية.!!
لم يكن الخطاب مطمئنًا ومفرحًا ويتضمن أكثر من التوقعات، كما صرح نائب الرئيس فاروق الشرع والمستشارة السياسية والاعلامية بثينة شعبان، استنادًا إلى خطاب خطي متفق عليه كما علمنا فيما بعد.!! استمرت اللقاءات بيننا وطلبا مني أفكارًا تعبر عن رأينا يطّلِع عليها الرئيس قبل إلقاء خطاب جديد. وقد قمت بتسليمهما ورقة خطية مطبوعة، واقترحت أن يخاطب الشعب عبر التلفاز بعبارات منها:
- الشعب يريد التغيير وأنا مع التغيير.. الشباب يريد التغيير وأنا مع التغيير.
- أصدرت أوامري بوقف إطلاق النار وسحب عناصر الأمن وإحالة المسؤولين عن جرائم القتل للتحقيق.
- سألغي حالة الطوارئ وإصدار عفو عام لإطلاق سراح المعتقلين..
- إلغاء القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية.
- تعديل الدستور وإلغاء المادة/8/ منه.
- السماح بالتظاهر السلمي.
اقترحنا على الموفدين أن تتظاهر قوى المعارضة والحراك الشعبي في ساحة العباسيين بدمشق ودون تعرض أجهزة الأمن لها، وتتظاهر قوى الموالاة وداعميها في ساحة الأمويين.
وقد تم تشكيل حكومة جديدة على وجه السرعة والتقى الرئيس بها في أول اجتماع.. ثم أصدر مراسيم جمهورية وتوجيهات.. مرسوم جمهوري بإلغاء حالة الطوارئ – مرسوم بإلغاء محاكم أمن الدولة الاستثنائية وإحالة القضايا المسجلة لديها إلى القضاء العادي – توجيه للحكومة بإصدار قانون يسمح بالتظاهر السلمي (حيث صدر بعد ذلك مباشرة).
غير أننا فوجئنا بعد ذلك بقرار دخول الجيش إلى مدينة حماة في أعقاب المظاهرات السلمية التي شارك فيها أكثر من 600 ألف يحمل الكثير منهم الورود.” وأضاف حسن عبد العظيم ” كانت المفاجأة الثانية دخول دورية أمنية إلى مكتبي واعتقالي بتاريخ 30 نيسان/ابريل عام 2011 وايداعي في فرع المخابرات الجوية في حرستا، حيث تم وضعي في زنزانة تعيسة ليس فيها سوى حرام عتيق كفراش وحرام مماثل للنوم دون أية وسادة. وبعد السابعة مساءً تم إخراجي من الزنزانة واقتيادي للتحقيق معصوب العينين. تبين لي أن التحقيق يجري معي من ضباط في الفرع برئاسة العميد رئيس الفرع الذي وجه لي السؤال: هل تعلم لماذا تم اعتقالك؟
قلت: طبعاً.. لأنني مسؤول التجمع الوطني المعارض للنظام والناطق الرسمي باسمه، والأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي أكبر أحزاب التجمع. قال: لا ليس لهذا السبب.. لأننا نعلم ذلك. قلت: لماذا إذًا؟ قال: لأن التقارير الأمنية أكدت أن حزبكم يقود المظاهرات الشعبية في ثماني محافظات من جهة، ولأنكم أصدرتم بيانًا باسم التجمع، بأن التجمع لا يدعم الحراك الشعبي من خارجه، بل يشارك فيه من داخله باعتباره جزءً منه، وكذلك بيان قيادة الحزب. قلت: هذه تهمة لا ننكرها وشرف لا ندعيه. قال: هذا اعتراف؟ قلت: نعم. قال: لماذا؟ قلت: نحن كحزب وتجمع كسرنا حاجز الخوف منذ عقود رغم الاعتقالات لمدد طويلة وعقوبات السجن، وبقي الشعب هادئًا ترهبه إجراءاتكم. والآن قد كسر الشعب والشباب حاجز الخوف فهل نتوقف ولا ندعمه ونوجهه؟؟!!
كان خيارنا الانخراط مع الحراك الشعبي والشبابي وقيادته وترشيده بحكم تجاربنا وخبرتنا لكي لا ينجر إلى الفوضى والعنف والتطرف. قال رئيس الفرع: ألم يصدر رئيس الجمهورية مرسومًا بإلغاء حالة الطوارئ؟ قلت: هذا صحيح نظريًا.. لكنكم لم تلتزموا بها عمليًا. قال: كيف؟ قلت: بموجب الدستور والقوانين النافذة لا يمكن اعتقال شخص من قبل الأجهزة الأمنية إلا بعد تقديم تقرير إلى المحامي العام أو رئيس النيابة بأفعال جرمية وأدلة أولية للحصول على قرار الموافقة على الاعتقال.. وباعتباري محاميًا لا يجوز لدوريتكم دخول مكتبي إلا بعد إعلام رئيس فرع النقابة وحضور مندوب عنها لمرافقة الدورية. قال: هل خالفنا القانون؟ قلت: النظام والأجهزة الأمنية تعتبر نفسها فوق الدستور والقوانين.
تمت بعدها إعادتي للزنزانة حيث كنت أسمع أصوات المحققين وصراخ من يتم التحقيق معه وبعضهم معلق من يديه. ومما كان يصيح به المحققون: ولا.. بدك حرية يا كلب…!! ويجلده بقسوة. يجري ذلك مع المتظاهرين والمنشقين عن الجيش.”
في اليوم الثاني عشر أُخرجت حوالي الساعة السادسة مساء من الزنزانة حيث تم تسليمي أغراضي الشخصية ومن ثم تم نقلي إلى إدارة المخابرات الجوية للقاء مديرها اللواء جميل الحسن.
قال لي أنه يسمع عني كثيرًا وأنه رفع تقريرًا للقيادة السياسية قبل ثلاثة أشهر يقترح فيه تعييني وزيرًا للداخلية. فابتسمت. وهنا سأل عن سبب الابتسام فأجبته قائلًا: إنني محامي وسياسي معروف منذ عام 1957 ,وكنت عضوًا في مجلس الشعب بين عامي 1971-1973.. ولو كنت أبحث عن المناصب لبقيت في الجبهة وحصلت على مناصب وزارية أو رئاسة مجلس الشعب أو نائب رئيس الجمهورية.
فقال: ماذا تريد إذن؟ قلت: أرى الوضع في سورية كبارجة في البحر تعصف بها العواصف والأمواج من كل حدب وصوب والنظام في الطابق العلوي منها يدير دفة السفينة ولا يقبل مشاركة أحد في إدارتها. والشعب والمعارضة في الطابق السفلي. أريد أن تصل البارجة إلى بر الأمان وهذه جائزتي الكبرى. وعدت إلى منزلي.”
وأضاف ” “ثم التقى بي اللواء هشام بختيار مسؤول مكتب الامن القومي في مقره بشارع الروضة.. وسألني عن انطباعي قلت له انكم كنظام حاكم تحققون تقدما الى الوراء والخلف.. قال لماذا …؟ قلت اعتقلت في عهد حكم البعث مرة في اول ايار 1963 ومرة بعد 1 8 تموز 1963 ومرة في حزيران عام 1968 حتى اواخر اذار1969 ومرة في عام 1975 وفي عام 1978 وفي عام 1989 وتعرضت للتعذيب في معظمها والاحالة امام محكمة الامن القومي ومحاكم امن الدولة ..لكم بعض انتهاء التحقيق يوم او ثلاثة او ستة ايام والزنزانة المنفردة يكون في الزنزانة سرير حديد عسكري وبطانيات او ننقل الى المهجع في سجن المزة وتارة في سجن قلعة دمشق وننام على اسرة ونحصل على بطانيات وفي الاعتقال الاخير كسياسي معروف ومحام تم وضعي في زنزانة ضيقة نور خافت فيها حرام عتيق مهترئ كفراش وحرام قديم كغطاء دون وسادة ، مما يضطرني لوضع حذائي وعليه جاكيت طقمي تحت رأسي اثناء النوم “.
علمت بعد خروجي أن اعتقالي ترك أثرًا في الداخل والخارج وأن وفودًا كثيرة جاءت للمطالبة بالإفراج عني منها: وفد اتحاد المحامين العرب – وفد أرسله السيد سامي شرف من مصر – وفد أرسله السيد سليم الحص برئاسة الدكتور عصام نعمان – وفد التنظيم الشعبي الناصري وحزب الاتحاد وغيرهم. بالإضافة إلى اتصالات كثيرة. مما أدى لإطلاق سراحي.
لكن الاعتقالات استمرت لأعضاء قيادة التجمع: محمد عمر كرداس – حازم النهار – مازن عدي – جورج صبرا – أحمد العسراوي. وفيما بعد: عبد العزيز الخير – رجاء الناصر – إياس عياش – ماهر طحان.. وغيرهم.”
وقلنا له: ما هي أكثر الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة السياسية والتي أدت إلى ما هو عليه الوضع الحالي؟ فقال أبو ممدوح ” في تقديري أن الخطأ الرئيسي: رفض بعض قوى المعارضة الموافقة على تشكيل تحالف عريض يشمل جميع قوى المعارضة السياسية في الداخل والخارج، ومن ثم الرضوخ لضغوط وإملاءات دول إقليمية وخارجية والعمل على توحيد جهود المعارضة وبرنامجها ورؤيتها والاتفاقات المبرمة بين أطرافها و الانجرار إلى حمل السلاح والأسلمة والتطرف و إصرار بعض القوى على تعطيل الحل السياسي التفاوضي عندما كانت المعارضة المسلحة وفصائل الجيش الحر في شهر نيسان/ابريل 2016 تسيطر على ثلاثة أرباع سورية، ورفض مبادرة المبعوث الأممي بدعم روسي بالسماح بخروج قرابة 700 مسلح من تنظيم القاعدة من أحياء حلب الشرقية إلى محافظة إدلب، وبقاء المعارضة المسلحة بسلاحها تدير المنطقة الشرقية ، وقوات النظام تدير الأحياء الغربية من حلب والموافقة على إعلان هدنة تمهيدًا لمتابعة العملية السياسية التفاوضية، في مرحلة كان توازن القوى يميل لصالح المعارضة مما قلب المعادلة وهيأ الظروف لصفقة تسليم حلب للنظام، ومهد للقاءات أستانة المتكررة، والدعم الذي حصل عليه النظام الحاكم من إيران والجماعات المسلحة والمليشيات، ودعم الاتحاد الروسي الميداني والسياسي وعدم رفض تنفيذ فقرات في القرار2254/2015 بتوحيد منصتي القاهرة وموسكو مع ما ينتج عن مؤتمر المعارضة الموسع الأول في الرياض ـ وهذه الأمور التي تداركتها هيئة التفاوض بعد مؤتمر الرياض الموسع الثاني.”
وتساءلنا معه لنحصر كل أشكال التفاوض بين المعارضة والنظام على تشكيل اللجنة الدستورية وما زالت حتى الآن هناك بعض الإشكاليات على بعض الأسماء. هل كانت مشكلة الشعب السوري منذ 8 سنوات هي في صياغة دستور جديد للبلاد؟ أجاب مستنكرًا ” في صيغة السؤال تبسيط للعملية السياسية التفاوضية وموضوعاتها المحددة منذ بدء جولات جنيف /3/ في مطلع عام 2016 حتى اليوم والتي تم تحديدها من قبل المبعوث الأممي السابق ستيفان ديمستورا بثلاثة سلال: هي العملية الدستورية، هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية ( هيئة حكم غير طائفي ذي مصداقية)، العملية الانتخابية ، وأضاف عليها سلة رابعة أصر عليها النظام ( هي سلة الأمن و الإرهاب) بعد ارتكاب قوات النظام وحلفائه الكثير من المجازر بحق المدنيين الأبرياء اعتبرت إرهابية ، بما في ذلك ما نسب إليه وإلى جماعة مسلحة متطرفة من استخدام للسلاح الكيماوي والتحقيقات الدولية الكثيرة بهذا الخصوص، وقدمت الهيئة العليا للمفاوضات والوفد التفاوضي للمبعوث الأممي جوابًا على الأسئلة الموجهة إليها حول السلال في الجولة الثالثة من شهر آذار/مارس 2016 أربعة وثائق، كما قدمت في جولة شهر آذار 2017 وثائق حول موضوعات التفاوض. كما أن اللقاءات التقنية المشتركة في لوزان بين وفد مفاوضات الهيئة العليا، وممثل عن كل من منصتي القاهرة وموسكو من جهة وعن النظام من جهة ثانية، والتوافقات التي تمت ووافقت عليها هيئة التفاوض في عام 2018 وقدمت للمبعوث الأممي، تتضمن الكثير من التفاصيل حول موضوعات التفاوض والسلال، وقد تبنتها الأمم المتحدة ومبعوثها الدولي. كما أن هيئة التفاوض والوفد التفاوضي بعد تشكيلها انخرطت في عملية التفاوض والتعاون مع المبعوث الأممي والأمم المتحدة، وصاغت معه ورقة المبادئ الـ 12 حول وحدة سوريا واستقلالها وسيادة شعبها، والحفاظ على أجهزة الدولة والعمل على هيكلتها وتطويرها، خلال اللقاء معه في جنيف على الرغم من تأخر وفد النظام، ورفض اللقاء المباشر أو غير المباشر مع وفد الهيئة.
أما اللجنة الدستورية التي تم طرحها في مؤتمر سوتشي الثاني باقتراح روسي تركي إيراني، وبحضور حشد كبير لممثلي النظام وأجهزته، ومقاطعة هيئة التفاوض، وحضور الأمم المتحدة ومبعوثها السيد ديمستورا بناء على وعد القيادة الروسية، بتفويضه باختيار ممثلي الثلث الثالث من اللجنة الدستورية، غير أن اللقاءات العديدة التي تمت بين دول أستانة الثلاثة روسيا وتركيا وإيران لم تتمكن من الاتفاق على بعض الأسماء، الأمر الذي جعل الأمم المتحدة ومجلس الأمن يفوض المبعوث الأممي الجديد السيد غير بيدرسون باختيار الأسماء، تمهيدًا لاجتماع اللجنة الدستورية الممثلة للأطراف السورية، وهي مجرد أداة للتفاوض وليست بديلًا عمن يمثلهم. كما أن إصرار الاتحاد الروسي على إعداد اللجنة الدستورية لدستور مؤقت، قبلت به هيئة التفاوض على أن يتم بعد الانتقال السياسي في ظل هيئة الحكم الجديدة وتوفير البيئة الآمنة، لعودة النازحين ومشاركة اللاجئين خارج البلاد، في الاستفتاء على الدستور المؤقت للمرحلة الانتقالية التي تمارس عبر هيئة الحكم صلاحياتها، وقبل نهاية المرحلة الانتقالية وعودة المهجرين إلى مواطنهم، يتم وضع دستور دائم للبلاد”. لكن السؤال المطروح حاليًا
هل سيتم تأهيل الأسد بعد أن فشلت المعارضة في إيجاد البديل؟ حيث قال “بعد استيلاء قوات النظام وحلفائه على معظم المناطق عدا محافظة إدلب كان الاتجاه الدولي الإقليمي يدعم الدور الروسي الميداني والسياسي، لدفع النظام للانخراط في العملية السياسية التفاوضية في جنيف، لإنجاز الحل السياسي طبقًا لبيان جنيف1 والقرار 2254، وترك مصير الأسد للعملية التفاوضية ونتائجها، غير أن النظام والتيار المحافظ في إيران والحرس الثوري، تمسكوا برفض بيان جنيف والقرار الدولي ودور الأمم المتحدة، بذريعة تحقيق الانتصار على المعارضة والشعب السوري، وأمام الضغط الدولي والروسي حاولوا أن تكون أكثرية اللجنة الدستورية ورئاستها لممثلي النظام، وبدأ الخلاف الروسي مع النظام وإيران يتسع ويزداد، وجاءت الزيارة الأخيرة للأسد برفقة قائد الحرس الثوري واللقاء بالمرشد الأعلى في طهران وقيام تحالف إيراني عراقي سوري في مواجهة الدور الروسي دون التشاور مع القيادة الروسية واعتبرته تبعية لإيران والتفافًا على الدور الروسي وجاء الرد من الرئيس الروسي بإرسال وزير الدفاع للقاء الأسد وتحذيره من الالتفاف على الدور الروسي ، والذي قد يدفع الروس للبحث عن بديل، يقبل بدورهم في حل متوازن للأزمة السورية، تقبل به الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمعارضة والشعب السوري، وهذا ما دفع الإدارة الأميركية لفرملة قرار الرئيس ترامب بسحب القوات الأميركية، ومطالبة حلفائها من الدول العربية وقف التطبيع مع النظام، ورفض عودته إلى الجامعة العربية. مع الإشارة إلى أن قوى المعارضة والثورة المنضوية في هيئة التفاوض والمتعاونة معها لم تكن عاجزة عن إيجاد البديل”.
وسألناه كذلك: هل هناك مواقف أو قرارات من الكواليس تستطيع رفع السرية عنها الآن، بعد مرور 8سنوات من الثورة.؟ فأجاب قائلًا “ سياسة هيئة التنسيق الوطنية واضحة ومعلنة، لم تتغير منذ بداية الثورة الشعبية حتى اليوم، مع الحرص على تطويرها في ضوء المتغيرات والتطورات المتلاحقة خلال السنوات الثمانية، وليس هناك مواقف أو قرارات سرية في الكواليس، أو تحت الطاولة لرفع الستار عنها، سواء في عملها ومسيرتها ككيان سياسي أو من خلال مشاركتها في هيئة التفاوض السورية، وهذا ما عزز مصداقيتها ودورها في المعارضة والعمل الوطني.” ثم قلنا لعبد العظيم إلى أين تذهب الأمور في سوريا حسب تصورك؟ وفق المستجدات والمعطيات الموجودة على الساحة السورية؟
ليقول ” المبعوث الدولي الجديد جير بيدرسون يؤكد في أقواله أمام مجلس الأمن وحديثه لصحيفة الشرق الأوسط ولقاءاته مع الدول الأجنبية والإقليمية والعربية الفاعلة وفي لقاءاته مع هيئة التفاوض مع وزير خارجية النظام ومع وفد هيئة التنسيق الوطنية الأسبوع الماضي في دمشق، أن مهمته العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 /2015 لأنه تمثيل خارطة طريق للحل السياسي طبقًا لبيان جنيف 1 وجهود لإقناع الأطراف الداخلية في النظام، الذي يمثل السلطة، وهيئة التفاوض التي تمثل المعارضة وروسيا الاتحادية، والإدارة الأميركية، والمجموعة الدولية والإقليمية والعربية الفاعلة ومفوضية الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، لتأييد تنفيذ هذا القرار ويعمل لإنجاز تشكيل قائمة الثلث الثالث من اللجنة الدستورية المتعلقة بالمجتمع المدني بموجب التفويض الدولي.”
وتحدثنا إليه بقولنا: الشعب السوري عول كثيرًا على شخصيات في الثورة السورية ومن هذه الأسماء أنتم فماذا تقولون للشعب السوري في الذكرى الثامنة للثورة؟ فوجه كلمة إلى الشعب السوري قائلًا: ” أيها الشعب الصابر الصامد لقد عانيت طويلًا في ظروف الاستبداد من سلب سيادتك على الدولة، وحقوقك المشروعة في الحرية والكرامة الانسانية، والعدل والعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وحرمانك من ممارسة حق الاقتراع بحرية لانتخاب السلطة التشريعية التي تمتلك وتدافع عن مصالحك، والتي تمتلك صلاحيات دستورية بانتخاب رئيس الجمهورية من بين مرشحين متعددين، ومنح الثقة لمجلس الوزراء ورئيسه على أساس البيان الوزاري وسحبها. لقد عانى الملايين من أبنائك عبر حالة الطوارئ والاعتقالات والتعذيب والموت والقصف والتدمير والنزوح والتهجير، والغرق في البحار، والبرد، والسيول والحر في مخيمات اللجوء، والسلب والنهب والتعفيش، والتسريح من العمل، ومنع السفر، والغلاء وفقدان المواد والمحروقات، والفقر والجوع، وانقطاع الكهرباء، ومع ذلك فقد صمد أبناؤك وصبروا، وتمسكوا بعزة النفس والاعتماد على الذات حيثما كانوا والتفوق في الدراسة والطب والصناعة، والمطاعم، والفن والإبداع، حيثما كانوا في المنافي، حتى صاروا مضرب المثل.
وها هم أبناؤك الثائرون الصامدون يستعيدون حراكهم الثوري السلمي في مواجهة السيطرة والاستبداد والإرهاب، وها هما الشعبان الشقيقان في الجزائر والسودان يعيدان ثورات الربيع العربي إلى مسارها السلمي في مواجهة الظلم والتسلط حتى تحقيق أهدافها، وتعزيز صمودك وتحقيق أهدافك.
يا شعبنا العزيز، كل ما بذلناه من أجلك في هيئة التنسيق الوطنية وفي عملنا المشترك في هيئة التفاوض السورية لإنجاز الحل السياسي وتحقيق أهدافك السامية التي لم تتحقق حتى اليوم بسبب التعقيدات والتدخلات الدولية والإقليمية، فلا يسعنا إلا تقديم الاعتذار لك، واستمرار النضال معك لتحقيق التغيير الكامل وبناء سورية المستقبل”.
المصدر: جيرون