هبة محمد
ازدادت هجمات النظام السوري خلال الأيام القليلة الماضية على محافظات وسط وشمال سوريا المشمولتين ضمن أسوار اتفاق خفض التصعيد، واشتدت وتيرة الحملة العسكرية لدمشق مع تقلص الساعات المرتقبة للقاء المنتظر بين الرئيسين التركي والروسي اليوم والذي تتصدر القضية السورية أجندته، في حين لم يخرج عن الجانب التركي أي ردود أفعال حيال تلك الخروقات التي استخدمت قوات النظام الأسلحة العنقودية والصواريخ شديدة الانفجار، أما محلياً فيبدو رد المعارضة السورية خجولاً، وأقرب للالتزام بالاتفاق الدولي من فكرة الرد العسكري الواسع.
حرب ثقة
عشرات المدنيين السوريين قتلوا أو جرحوا خلال الساعات الماضية في مناطق متفرقة من إدلب وحماة، في حين تعرضت مدينة «سراقب» في الريف الجنوبي من إدلب لقصف بالصواريخ العنقودية، وسط تحليق حربي للمقاتلات الروسية، ويأتي ذلك في خروقات عسكرية لعلها الأخطر ضمن المناطق منزوعة السلاح المتفق عليها بين الجانبين الروسي والتركي.
ويبدو أن الهجمات المنفذة من قبل النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني في منطقة خفض التصعيد، تشير إلى رغبتهم بفرض واقع جديد، ومحاولة منهم لزعزعة عامل الثقة بين السكان المحليين وتركيا، من خلال استخدام الأدوات العسكرية لإيصال رسالة مفادها، أن الجيش التركي غير قادر على حمايتهم، ودفعهم للتفكير بطرق أخرى لتجنب الموت كـ»المصالحة أو الاستسلام» لحكومة دمشق، وتزامنت الحملات العسكرية المستمرة مع تسيير أنقرة للدورية الـ16 من مورك شمالي حماة إلى ريف إدلـب الشـرقي.
وأدى التصعيد العسكري لقوات النظام على ريف حماة الشمالي، إلى توقف الحياة في مدينة مورك والتي تشتهر بمسمى مقبرة «الدبابات» بعد تدمير المعارضة فيها لأكثر من 74 دبابة في المعارك السابقة، أما اليوم فالمدينة أصبحت «منكوبة»، مما دعا المجلس المحلي فيها لإطلاق مناشدة لتأمين الخدمات الأساسية للمدنيين فيها، وطالب في بيان لها، المنظمات والهيئات الإنسانية بضرورة التوجه إلى المدينة، وتقديم المساعدات للسكان والنازحين جراء الظروف المأساوية التي تمر بها المدينة.
حسون: شريعة الغاب
سياسياً، من المنتظر أن يبحث اردوغان خلال زيارته لموسكو اليوم للقاء بوتين، مستجدات القضية السورية في الاجتماع الثامن لمجلس التعاون الاستراتيجي، إلا أن روسيا استبقت من جانبها اللقاء الثالث بين الزعيمين منذ مطلع عام 2019 الحالي، بالقول عبر وزير الخارجية سيرغي لافروف: «الحرب لم تنته في سوريا ويجب القضاء على أوكار الإرهاب، بما فيها إدلب».
ورأى القيادي في المعارضة السورية، العقيد فاتح حسون، أن النظام السوري وداعموه لا يلتزمون بمعاهدة أو اتفاقية، ويتعاملون تحت أطر «شريعة الغاب»، ومن استخدم الكيميائي عشرات المرات ضد المدنيين، لا يجد حرجاً في استخدام الأسلحة المحرمة دولياً «العنقودي» وغيره في ضرب الأحياء السكنية.
الدور التركي
وقال القيادي لـ»القدس العربي»: النظام السوري يجتهد في الكذب، فهو يدعي قصف من يسميهم «الإرهابيين»، وفي الواقع فهو يكثف هجماته ضد المدنيين بغرض تهجيرهم وتشكيل ورقة ضغط ضد تركيا التي وافقت على عدم إعطاء أي دور له أو لروسيا أو إيران شرقي الفرات.
هذه الدول الثلاث، اتفقت ضمنياً على التصعيد الذي يعيشه الشمال السوري، ودمشق تأمل ايقاف تسيير الدوريات التركية، وسحب نقاط المراقبة، وترك المنطقة لمصيرها المعروف، وهذا يخالف التوجهات التركية ونواياها، إذ ترفض أنقرة ترك المنطقة ليتقدم إليها النظام، وتعتبرها ضمن مجال أمنها القومي.
ورأى العقيد المعارض أن تركيا ستبذل ما في وسعها لإيقاف الحملات العسكرية ضد الشمال السوري، أما محلياً، فاعتبر أن المعني بالدرجة الأولى في عمليات الرد على خروقات الأسد وحليفيه، هم تشكيلات الجيش السوري الحر، وأن الأخير يرد بدك مواقع عسكرية للنظام السوري، ولكن إدلب تحتاج لمزيد من التنظيم الداخلي، بما فيها سحب الذارئع التي يدعيها الأسد وداعموه.
أما بند «حل التنظيمات المصنفة إرهابية» من اتفاقية «سوتشي» فلم يتم الانتهاء منه، ويحتاج لوقت أطول، وهذا ما تتذرع به روسيا، وما زالت هناك جماعات متطرفة غير موافقة على تنفيذ اتفاقية سوتشي، وجماعات تعيق تسيير الدوريات التركية، وجماعات همها تنفيذ مشروعها الخاص. وكل ذلك يؤثر سلباً على المنطقة.
ويشير العقيد فاتح حسون، أيضاً إلى رفع الجاهزية العسكرية لدى المعارضة السورية لخوض معركة هجومية ضد خصومهم في حال لم يلتزم النظام السوري بالاتفاقيات المبرمة برعاية دولية، وقال إن الوضع في إدلب معقد جداً، ويحتاج لكثير من الحكمة لمعالجته، وأي اشتباك داخلي بين فصائل المعارضة سيؤدي لتقوية النظام، وإضعاف القدرة على الصمود، أما الخاسر الأكبر دائماً فهم المدنيون.
ولا يَشترط اتفاق خفض التصعيد في الشمال السوري الموقّع بين الدول الضامنة لمسار أستانة، حسب الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي، عدم ردّ فصائل المعارضة المسلحة على الخروقات التي يقوم بها النظام السوري، وهذا الهامش يُفترض أن يساهم فـي ردع هذا الأخير عن الاستمرار بعمليات القصف العنيف المستمر والمتقطع على القرى والبلدات الواقعة ضمن المنطقة منزوعة السلاح. لكنّ الرود غالباً ما تكون خجولة سواءً من قبل الجبهة الوطنية للتحرير المشمولة بالاتفاق أو هيئة تحرير الشام غير الملزمة بالاتفاق.
كما أن صمت فصائل المعارضة من وجهة نظر الباحث على خروقات النظام السوري يعكس إمّا عدم امتلاكها الثقة بالقدرة على إدارة التصعيد والخشية من الانزلاق إلى مواجهة كبيرة تُعرّض اتفاق خفض التصعيد للانهيار أو تخلق أزمة الدول الضامنة.
وبالتالي خسارتها للمكاسب والنفوذ الذي حققته، ولهذا فإنّ الفصائل لجأت إلى رهن القرار العسكري بشكل شبه كامل إلى تركيا. أو أنّ الفصائل تعتقد أنّ الاتفاق لا يخوّلها أصلاً على التحرك والرد أصلاً على أيّ تصعيد في الجبهات، وبالتالي عليها التحرك ضمن سياق القرارات العسكرية التركية.
وقال عاصي لـ «القدس العربي»: هيئة تحرير الشام يبدو أنها لا تريد تعقيد ملف وقف إطلاق النار أمام تركيا خلال المباحثات مع روسيا، لذلك تلجأ ليس فقط إلى مجرد عدم الرد على التصعيد بل حتى ضبط بقية التنظيمات الجهادية. وغالباً ما تعوّل الهيئة في موقفها من التماهي مع موقف تركيا في ضمانة وحماية الشمال السوري، على إعادة تعريف نفسها كتنظيم جهادي محلي قادر على الاستجابة لمصالح تركيا السياسية والأمنية، وبشكل يبعده عن الاصطدام معها.
المصدر: القدس العربي