صالح النعامي
استأنفت دولة الاحتلال الإسرائيلي، فجر الأحد، عمليات القصف الجوي في عمق الأراضي السورية، بعد عشرة أيام على اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلادمير بوتين، والكشف عن التعاون بين الجانبين في البحث والكشف عن جثة الجندي الإسرائيلي المفقود زخاريا باومل في سورية.
ويشي هذا التطور بأن إسرائيل لا تتعامل فقط على أساس أنها حصلت على ضوء أخضر من موسكو لاستمرار عملياتها العسكرية في سورية، بل إن هناك ما يدلل على أن موسكو باتت تنظر إلى القصف الإسرائيلي على أساس أنه يخدم خارطة مصالحها الاستراتيجية.
وإن كانت الأوساط الرسمية الإسرائيلية، لا سيما العسكرية، قد تنافست فيما بينها على كيل المديح للدور الروسي الحاسم في البحث والعثور على جثة باومل، فإنه كان يفترض بتل أبيب، لو أنها كانت تعتقد أن هذه العمليات تتعارض مع مصالح موسكو، أن تأخذ الخدمات الروسية بعين الاعتبار وتؤجل عمليات القصف، التي تستهدف مرافق عسكرية إيرانية، لوقت أبعد، على الأقل.
ويمكن الافتراض أنه لو كان بوتين يرى في العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف إيران مصدر تهديد لمصالح موسكو في سورية، لاستغل حاجة نتنياهو الشخصية الماسة لإعادة جثة الجندي باومل قبيل الانتخابات، والطلب من تل أبيب إعادة النظر في استراتيجيتها العسكرية في سورية، لا سيما أن بادرة حسن النية الروسية خدمت إلى حد كبير الحملة الانتخابية لرئيس الحكومة الإسرائيلي.
لكن ما حدث فعلا أنه ليس فقط لم يصدر موقف روسي ضد الغارة الإسرائيلية على حماة، ولو من باب دفع ضريبة كلامية، بل إن نتنياهو أيضا استغل الجلسة الأولى التي عقدتها حكومته، أمس الأحد، بعد الانتخابات وأكد أن الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل عسكريا في “الجبهة الشمالية”، في إشارة إلى العمليات العسكرية في العمق السوري.
ليس هذا فحسب، بل أن الإسرائيليين حتى بعد الغارة على حماة يتحدثون عن التزام روسيا بمواصلة البحث عن جثث بقية الجنود الإسرائيليين المفقودين داخل سورية.
وفي حال كانت التسريبات المتعلقة بنجاح روسيا في الحصول على جثة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أعدم في سورية عام 1965، وقرب إعادتها لإسرائيل، صحيحة، فإن هذا يدلل على أن الغارات الإسرائيلية في العمق السوري لا تؤثر على دافعية موسكو للاستنفار في خدمة مصالح تل أبيب.
وحتى لو تم التجاوز عما زعمته إيالا حسون، مقدمة البرامج الرئيسة في قناة التلفزة الإسرائيلية “13”، قبل شهرين، من أن روسيا تزود سلاح الطيران الإسرائيلي بإحداثيات المواقع الإيرانية داخل سورية لتسهيل مهمة قصفها، فإنه من الواضح أن هناك ما يؤكد أن موسكو باتت ترى في الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران داخل سورية مصلحة حيوية لها.
فكثير من أوساط التقدير الاستراتيجي في تل أبيب وموسكو باتت تؤكد أن قيمة الوجود العسكري الإيراني في سورية تدنت إلى حد كبير في نظر روسيا، سيما بعدما تم حسم المواجهة الدائرة لصالح نظام الأسد، وتم إنقاذه من السقوط وضمان استقراره.
وفي نظر الروس، لم يعد هناك حاجة للقوات البرية، التي كانت توفرها المليشيات الشيعية لتأمين سيطرة نظام الأسد على المدن والبلدات السورية، بإشراف إيراني.
إلى جانب ذلك، فإن روسيا باتت ترى في الوجود العسكري الإيراني مصدر تهديد كبير لمصالحها في سورية. فموسكو تراهن إلى حد كبير على العوائد الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها من مشاريع إعادة الإعمار في سورية، لكنها تعي أيضا أنه في ظل الوجود العسكري الإيراني فإن الدول العربية والأوروبية، وبضغط من إدارة دونالد ترامب، لن تسمح بانطلاق هذه المشاريع.
في الوقت ذاته، فإن مواصلة إسرائيل شن الغارات على الأهداف الإيرانية في سورية، على الرغم من تزويد جيش الأسد بمنظومات سلاح روسية، يمس سمعة الصناعات العسكرية في موسكو.
إلى جانب ذلك، فإن هناك ما يدلل على أن بوتين يأمل أن فوز نتنياهو في الانتخابات، وتبرئة تقرير المحقق الأميركي الخاص روبرت مولر ساحة ترامب من قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، سيمهدان الطريق أمام التوصل لصفقة مع واشنطن تضع حدا للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد احتلال روسيا شبه جزيرة القرم، وتفجر المواجهة الأوكرانية الروسية.
وقد سبق لأوساط إسرائيلية أن أشارت قبل عام إلى أن بوتين يراهن على النفوذ الطاغي الذي يتمتع به نتنياهو داخل الإدارة الأميركية، ولدى الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، في تمكنه من الدفع نحو صفقة أميركية روسية، تفضي إلى تحسن الواقع الاقتصادي في موسكو بشكل كبير.
المصدر: العربي الجديد