عبد الله البشير
البوكمال واحدة من المدن السورية التي وقعت بقبضة المليشيات المدعومة من إيران، ومن بينها الحشد الشعبي العراقي، ليعيش من بقي من أهلها تحت رحمة النفوذ الإيراني الذي يسعى لتغيير هوية المدينة، وطمس تاريخها
يقول الناشط، محمد تبان، من مدينة البوكمال، في محافظة دير الزور شرقي سورية، لـ”العربي الجديد” إنّ الوضع في المدينة سيئ جداً، بعد سيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية عليها، فالمنطقة التي كان يقطنها في السابق نحو 300 ألف نسمة لا يتجاوز عدد السكان فيها 30 ألفاً حالياً. الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي هما المتحكمان الفعليان بالمدينة، فيصادران الأراضي والعقارات ويمارسان أعمالاً انتقامية عدة. يتابع أنّ كلّ من شارك في الثورة ضد النظام من أبناء المدينة أو البلدات المحيطة بها صودرت أملاكه، ومنها محلات تجارية ومنازل وأراضٍ، واتخذت المنازل كمساكن لعناصر تلك المليشيات، وليس في مقدور أحد في الوقت الحالي الوقوف في وجهها أو المطالبة بهذه الأملاك، خوفاً من الاعتقال.
يضيف تبان: “المشكلة الأكبر أنّ عناصر المليشيات يرددون على العلن أنّ هذه الأراضي في المنطقة هي ملك لهم، ولا يحق للسوريين من أبناء المنطقة الذين هم مالكوها الفعليون الاعتراض مطلقاً. لقب المسؤول عن الاعتقالات هناك، هو الحجي الذي يتولى عناصره تنفيذ عمليات تفتيش دورية للمنازل والمزارع في المنطقة بحثاً عن الأسلحة، مستعينين بأعين لهم فيها”. يتابع: “الاعتقالات تطاول الذكور من سن 15 عاماً إلى 45، وعدد من بقي في المنطقة بهذه السن في الوقت الحالي لا يتجاوز 50 شخصاً بحسب التقديرات، معظمهم لا يستطيعون الخروج منها بسبب الكلفة المرتفعة، وخوفاً من مصادرة ما يملكون.
بدورها، توضح مصادر محلية أنّ الضابط المدعو ذو الفقار، وهو قائد لإحدى المليشيات الإيرانية في المنطقة مسؤول بشكل مباشر عن عمليات مصادرة العقارات، وتصدر عنه الأوامر بذلك، ويستهدف بالدرجة الأولى المحلات التجارية، التي تعود ملكيتها لأشخاص مطلوبين للنظام، ولا تقتصر عمليات المصادرة عليهم فحسب بل تطاول أقارب لهم. كذلك، يتولى ذو الفقار إغلاق المحلات التجارية، لإجبار مالكيها على مراجعة مقر المليشيا في حي الجمعيات في مدينة البوكمال لدفع مبالغ لقاء السماح لهم بإعادة فتحها، متابعة أنّ عملية الابتزاز هذه لا تقف عند حدود مرة واحدة بل تتكرر للمحلّ نفسه.
في وقت سابق من شهر إبريل/ نيسان أكدت شبكة “دير الزور 24″ أنّه جرت مصادرة 10 محلات تجارية في شارع بغداد و4 في شارع النوفوتيه، كما جرت مصادرة عدد من المنازل في حي الكتف وحي الجمعيات، وقد أبلغت الدوريات جيران المنازل والمحلات بأنّ هذه العقارات والمحلات وقع الحجز عليها، لأنّ أصحابها غادروا سورية وأنّ المليشيات صارت مسؤولة عنها”.
يتحدث قصي العبد الله، وهو أحد أبناء مدينة البوكمال عن سعي دؤوب للمليشيات الإيرانية في المنطقة لإجبار الأهالي على اعتناق المذهب الشيعي، تحت غطاء تقديم مساعدات إنسانية في استغلال واضح لواقعهم المعيشي التعيس، وتحت ضغوط منها التغرير بعدم الاعتقال أو الملاحقة الأمنية. يتابع لـ”العربي الجديد”: “الاستغلال المادي هو نقطة أساسية تمارسها المليشيات الإيرانية في المنطقة، وضمن هذا الاستغلال تأتي عمليات الاعتقال، إذ يضطر أبناء المنطقة لدفع مقابل مادي لقاء الإفراج عن المعتقلين وضمان عدم تسليمهم إلى النظام، ما يضطر الكثير من الأهالي إلى التنازل عن أملاكهم لقادة في تلك الميليشيات أو بيعها لهم”. يضيف: “معظم عناصر مليشيا الدفاع الوطني في المنطقة اعتنقوا المذهب الشيعي، وهذا يهدد هوية المنطقة، ويثير مخاوف من بقي فيها، كما لا يمكن للأهالي ممارسة الشعائر الدينية بحريّة هناك كون المليشيات تفرض على المساجد الأذان على المذهب الشيعي وغيرها من الشعائر”.
بدوره، يصف محسن لـ”العربي الجديد” ما يعاني منه أهالي مدينة البوكمال في ظل سيطرة المليشيات الإيرانية على المدينة: “الخوف دائم هنا، فهؤلاء يتحكمون بكلّ شيء وإن أمكنهم حتى التحكم بالهواء الذي نتنفسه سيفعلون ذلك. كنا نربي المواشي ونعتمد عليها كمصدر رزق لنا، لكن حالياً، يستحيل علينا ذلك، فأنا رجل مسن وأولادي خارج سورية، والشبيحة وغيرهم هنا يصادرون ما يريدون من دون رقيب فالنظام هو من يسهّل ذلك لهم. أغلب من بقي من سكان المدينة يكتفي بأعمال قد لا تكفي للحصول على قوته هو وعائلته، والشبان الصغار في السن يُجبرون على الالتحاق بصفوف المليشيات فلا يمكنهم الاختباء أو التواري عن الأنظار، إذ إنّ لهذه المليشيات عيوناً في كلّ مكان”. يتابع: “دخلت البوكمال في دوامة ضياع لن تخرج منها بسهولة، فكلّ شيء تغير، حتى المدارس والمساجد، وسيضيع جيل من الأطفال إذا نشأوا بهذه الطريقة، وسيخرجون عن تقاليدنا وطريقة الحياة التي نشأنا عليها”.
في وقت سابق من عام 2018 افتتحت منظمة “جهاد البناء” الإيرانية مكتباً لها في مدينة البوكمال بهدف شراء العقارات المدمرة لإعادة ترميمها، وتعمل المنظمة برعاية مباشرة من النظام، على إحكام سيطرة إيران على المنطقة. كذلك، تستكمل المنظمة مشروع المعبر الحدودي بين سورية والعراق المارّ من المنطقة ليشكل خط إمداد برياً يصل بين طهران ودمشق، ويتيح توسعة النفوذ الإيراني بشكل أكبر في سورية.
المصدر: العربي الجديد